منى خير

 

عمّان- إحساس مستمر بالخوف وعدم الراحة، ترقب دائم لخطر ما سيحدث، ينتقل الشعور ليبدأ بأعراض جسدية: رجفة، دقات قلب سريعة، ضيق في التنفس وآلام في البطن، صداع، دوخة، لتبدأ رحلة طويلة من القلق يوما بعد يوم وسنة عقب أخرى.

ترسم المتخصصة في الطب النفسي جنا علي زعبلاوي صورة للقلق وسيناريو انتقال اضطراباته من الآباء إلى الأبناء قائلة "تخيل طفلا تتكرر أمامه صور معاناة أمه أو أبيه من هذه الأعراض مرارا وتكرارا، يذهبان من طبيب إلى آخر، يرى الخوف في أعينهما وسلوكهما وحديثهما معه، فهل سيمر هذا مرور الكرام؟ الجواب: لا".

وتوضح زعبلاوي -في حديثها للجزيرة نت- أن هناك عوامل عدة تسبب انتقال اضطرابات القلق من الآباء إلى الأبناء، وذلك ضمن ما يندرج تحت الأسباب "البيولوجية- النفسية- الاجتماعية" (Bio-psycho-social).

    الأسباب البيولوجية: الجينات والوراثة، إذ غالبا ما تزيد نسبة الأبناء والبنات القلقين عندما يكون الآباء والأمهات قلقين، علما بأن نسبة الإناث اللواتي يعانين من القلق أكثر من الذكور عموما.

    الأسباب النفسية: الطفل يكتسب القلق من سلوك الأبوين، فيتعلم الخوف وينتقل إليه بناء على ما يرى من خوف وقلق، وبالتالي تصبح منظومة تفكيره قلقة.

    الأسباب الاجتماعية: وجود مشكلات عائلية أو ظروف خاصة ومشكلات في المدرسة، وكلها عوامل تلعب دورا أساسيا في زيادة الأمور سوءا.

 

أبناء ضعفاء ودائمو القلق

تلفت زعبلاوي إلى أن الآباء والأمهات القلقين عادة ما تكون لديهم حماية مفرطة تجاه الأبناء، مما ينشئ أبناء ضعفاء لا يستطيعون مواجهة الحياة بصعوباتها، بالإضافة إلى كونهم دائمي القلق والخوف ويحتاجون إلى دعم مستمر وسريع من الأهل، وهذا لا يجعلهم يتطورون أو يطورون قدراتهم على مواجهة مخاوفهم، وبالتالي يصبحون كبارا قلقين مع مضاعفات متزامنة، كالاكتئاب وغيره.

وتنصح المتخصصة النفسية كل مربٍ يعاني من اضطرابات القلق باللجوء إلى الطبيب النفسي لمساعدته، لأن إهمال الأمر من شأنه أن يؤدي إلى إيذاء أبنائه، فيكون سببا لقلقهم وتعقيد مسار حياتهم.

أحمد سريوي: العلاج الدوائي ليس الخيار الأول بل العلاج النفسي غير الدوائي من خلال جلسات العلاج (الجزيرة)

اضطرابات القلق والعلاج النفسي

بدوره، يقول المستشار الأسري والنفسي الدكتور أحمد سريوي إن تعامل الأهل مع الطفل له تأثير مباشر في تكوين شخصيته في مرحلة الطفولة المبكرة وكذلك المتأخرة، فيكتسب الطفل سلوكه وعاداته من البيئة التي تربى فيها.

ويوضح أن اضطرابات القلق يندرج تحتها 11 نوعا من الاضطراب، مشيرا إلى مساهمة الأهل في تنمية هذه الاضطرابات وزيادة حدتها أو التقليل منها وتجنبها، وذلك وفق أسلوب التربية الذي ينتهجه الآباء والأمهات مع أبنائهم، فعندما يتعرض الطفل للقمع والإهانة أمام الآخرين من أبويه أو أحدهما فإن الأمر سيتحول في الأغلب إلى رهاب اجتماعي عندما يدخل مرحلة المراهقة المبكرة.

والطفل الذي يعيش مع أب وأم قلقين سينتقل القلق بطريقة أو بأخرى إليه ليصبح نهجه في حياته وأسلوبه في التعامل مع نفسه ومع الآخرين، مما يؤثر على سير حياته الطبيعية ويساهم في إخفاقات الدراسة والعمل والزواج لاحقا.

لذلك على الآباء الخضوع للعلاج النفسي المناسب للتخلص من مشكلتهم حتى لا يساهموا في نقلها إلى أبنائهم، علما بأن العلاج الدوائي -حسب سريوي- ليس الخيار الأول في جميع اضطرابات القلق، بل العلاج النفسي غير الدوائي، وقد يتدخل العلاج الدوائي كمدعم في بعض الحالات.

توريث القلق

تحت عنوان "هل تنتقل اضطرابات القلق من الآباء إلى الأبناء؟" نشر باحثون في موقع "هيلث لاين" (healthline) دراسة مفادها أن اضطرابات القلق من المرجح أن تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وكذلك من الأمهات إلى البنات.

ووفق الدراسة، فإن اضطرابات القلق تبدأ عادة في وقت مبكر من الحياة، وإن إصابة أحد الوالدين باضطراب القلق هو عامل خطر ثابت.

ويقول شين أوينز عالم نفس سلوكي ومعرفي في نيويورك -وهو أحد الباحثين المشرفين على الدراسة- إن الأطفال سيقلدون والديهم منذ الصغر، مضيفا "يتطلع الأطفال إلى الوالدين، وغالبا ما تنتقل صفات الوالدين -من الجنس ذاته- إليهم (…) ويمتد الأمر إلى السلوك، ولا سيما في أوقات الأزمات، فالصبي الذي يعاني من القلق سيتصرف مثل والده، والفتاة التي تعاني من القلق ستحاكي استجابة والدتها لظروف مماثلة".

ويحذر أوينز الآباء قائلا "على جميع البالغين أن يفهموا أن ما يفعلونه في وجود طفل من المرجح أن يتم تقليده مستقبلا".

JoomShaper