تغريد السعايدة
عمان- خوفا من المرض وتزايد التوتر يوما بعد يوم من حدوث مضاعفات جسدية عند الشعور ببعض الأوجاع، يجد الكثيرون أنفسهم يدورون في دائرة المرض وغرف الانتظار عند الطبيب، بسبب ما يصيبهم من حالة نفسية تسمى "التوتر المزمن".
وأظهرت العديد من الدراسات في علم النفس والطب البشري الكثير من الأرقام والحالات التي تؤكد أن التوتر، وبخاصة التوتر المزمن، يمكن أن يكون سببا في حدوث الأمراض. وقد تبين أن الخوف من المرض فيما بعد هو أمر أكثر خطورة على الصحة الجسدية والنفسية على حدٍ سواء.
دراسة أجريت في جامعة ييل الأميركية قبل عام تقريبا بينت أن "المجتمع يعاني من إجهاد وتوتر أكثر من أي وقت مضى"، وأن هذا الإجهاد يؤدي إلى نتائج سلبية نفسية وجسدية. وأوضحت أن المرونة النفسية ترتبط بمدى التوتر الذي يعيشه الجسم. وعلى المدى القصير، يمكن أن يكون التوتر مفيدا أحيانا إذ يساعد على التحفيز، ولكن عندما يستمر على المدى الطويل، تبدأ الآثار الصحية السلبية في التراكم. الأكثر خطورة هو أن التوتر يمكن أن يجعل الشخص "يشيخ بشكل أسرع".
يعبر أيمن عبدو عن قلقه الكبير من عدم قدرته على السيطرة على حالته النفسية من توتر وقلق شديدين، حتى في أقل تفاصيل حياته العملية والعائلية. يعود إلى البيت حاملا معه "هموم العمل"، الأمر الذي يجعله دائم العصبية والشعور بالتعب الجسدي، والحاجة إلى النوم طيلة الوقت، بالإضافة إلى شعوره بأعراض "القولون العصبي".
في الوقت ذاته، يتحدث فيه العديد من الأطباء والدراسات الطبية العالمية عن أكثر الأمراض شيوعا التي تتزامن مع التفكير والتوتر المزمن، والتي قد يكون أبرزها الشد العضلي، والأزمات القلبية، والسكتات الدماغية.
من خلال مراجعته المتكررة للأطباء، يقول أيمن إنهم عادة ما ينصحونه بتخفيف توتره وغضبه، وإتاحة المجال لجسده وعقله للاسترخاء والراحة، وعدم التفكير بطريقة تجهد العقل. لكنه يؤكد عدم قدرته على ذلك، حيث اعتاد على هذا الأسلوب في تحليل الأمور والتفكير بالمستقبل، أو الخوف من الأمراض الخطيرة عند تعرضه لأي وعكة صحية.
ويؤكد اختصاصي الصحة النفسية والعلاج النفسي، الدكتور أحمد عيد الشخانبة، أن التوتر مرتبط بشكل كبير بالإصابة بالأمراض الجسدية، خاصة الأمراض الباطنية مثل قرحة المعدة والإثنا عشر والارتجاع المريئي، وأمراض الصداع مثل الشقيقة أو الصداع النصفي، والتي ترتبط جميعها بالتوتر الذي يزيد تأثيره على الإنسان بشكل متزايد.
ويوضح الشخانبة أن التوتر ليس إلا نتيجة لتفكير سلبي يشعر به الإنسان، خاصة في حالات التوتر المزمن. فهناك أشخاص يميلون إلى التفكير بطريقة سلبية عندما يتصورون المستقبل والأحداث، مما يؤدي إلى التهويل والتضخيم، ويزيد ذلك من إفراز هرمون الأدرينالين، المعروف أيضا بـ "هرمون الخوف". ويتم إفرازه في الجسم نتيجة الإجهاد الجسدي أو النفسي، مثل التعرض لحوادث أو الخوف والتوتر، مما يزيد من مستويات القلق والتوتر والخوف.
هذا التوتر والخوف، كما يؤكد الشخانبة، مرتبطان بظهور أعراض جسدية أخرى، وبمثال عن ذلك، خوف الأمهات على أطفالهن بسبب التأخر عن البيت، وتوقع حدوث شيء ما سيئ لهم، مثل وقوع حادث، أو اختطاف، كما تفكر الأمهات في كثير من الأحيان، فإن هذه اللحظات التي تشعر بها بالخوف وتوقع الأسوأ، يبدأ هنا جسم الأمّ بإفراز هرومن الأدرينالين، بسبب التفكير والتوقع السلبي، ويفرز الهرمون في الدم من خلال الغدد الصماء، ويعمل حالة توتر، وتزداد نبضات القلب، وسرعة التنفس وجفاف الحلق، والارتجاف، وهي ما يطلق عليها أعراض التوتر.
ويضيف، نظام استجابة الجسم للتوتر قد يعيق قدرة الفرد على ممارسة حياته بشكل طبيعي، بسبب ارتفاع هرمونات التوتر المختلفة في الجسم. هذا يشكل تهديدا للأعضاء الحيوية في الجسم، ومن ثم تظهر باقي الأعراض مثل القلق، مشاكل الجهاز الهضمي، أمراض القلب بدرجاتها المختلفة، الصداع، مشاكل النوم، وزيادة الوزن بسبب الاكتئاب أحيانا، ومشاكل النوم المتقطع التي تؤثر على طاقة الجسم وقدرته على ممارسة الحياة اليومية.
ولكن في حال ازداد التوتر حتى بات مزمنا وأسلوب حياة لفترات طويلة ومتكررة، يتضاعف إفراز هذا الهرمون، وفقا للشخانبة. وهنا تبدأ أعراض التوتر بالتحول إلى أمراض جسدية حقيقية وليست وهمية، وتسمى "السايكوسوماتيك"، وهي أمراض جسدية أسبابها نفسية، وبخاصة التوتر.
لذا، ينصح الشخانبة، بأنه يجب على الشخص أن يحمي نفسه من هذه الأمراض من خلال الوقاية من حالات التوتر الشديد، وذلك من خلال التفكير الإيجابي والتوقع لما يحدث في حياة الشخص، وعدم التهويل للأحداث، وتقبل حدوث الأزمات والأحداث السلبية التي قد تحدث في حياته، وأنها ستنتهي مع مرور الوقت.
من جانبه يرى أختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، أن التهويل في تلقي الأخبار وتحليلها والتوقعات التي تنجم عنها، هي من الأسباب الأولى التي تؤدي إلى حدوث التوتر والخوف من القادم، سواء كانت توقعات صحية تتعلق بالشخص أو المجتمع، أو توقع حدوث أمر سيئ للمحيطين من حوله، كما في العائلة، وهذا من شأنه أن يساهم في حدوث تغييرات في نمط حياة الإنسان، وتأثر صحته فيما بعد.
ووفق جريبيع، فإن الواقع الاجتماعي وتركيبة المجتمع بشكل عام، لها تأثير في مدى حجم التوتر الذي قد يشعر به الإنسان بين الحين والآخر، فالمجتمعات التي تعاني من ظروف اقتصادية، ومعيشية، وكوارث على اختلافها، من شأنها أن تكون سببا في زيادة حدة التوتر والقلق لدى الإنسان، والأحداث المحيطة هي المحرك الرئيس للحالة النفسية، ومع الاستمرار في هذا الحال، فإن ذلك سيكون له آثار على المدى البعيد، وتأثر الصحة العقلية والبدنية لدى الشخص الذي يعيش في دوامة التفكير السلبي والتوتر.
كما يعتقد جريبيع، أن الحياة التكنولوجية التي طالت مختلف مناحي الحياة كان لها أثر كبير في تغيير أسلوب حياة الإنسان، وحاجته إلى مواكبة هذا التطور بمختلف أشكاله، ما ساهم في خلق أسلوب حياة مختلف نوعا ما، وزيادة حجم اطلاع الشخص على كل ما هو جديد في مختلف المجالات، الأمر الذي وضعه في دائرة من المستجدات بطريقة جديدة قد لا تتواءم مع الحياة الاجتماعية البسيطة أو العادية.