رشا كناكرية
عمان - يشعر الإنسان أحيانا بوجود شيء عميق في نفسه يؤثر بشكل مستمر على سلوكه وأفكاره، سواء كان ذلك رغبة في التفوق، أو خوفا من الرفض، أو إحساسا بوجود نقص داخلي. قد تكون هذه المشاعر ناتجة عن عقد نفسية لا يدرك البعض أنها حاضرة في أعماقهم.
ومن جهة أخرى، فإن معرفة هذه العقد النفسية وفهمها يمكن أن يساعد الفرد في التعامل معها بطرق صحية وبناءة. فالوصول إلى الشفاء يبدأ بالوعي والتفهم، والأهم هو إدراك أسباب هذه العقد وطريقة التعامل معها.
تلعب العقد النفسية دورا كبيرا في حياة الفرد، وتؤثر بشكل ملموس على حياته اليومية. وبين عقدة الضحية، والخوف من الرفض، والرغبة في التفوق، والشعور بالنقص، وغيرها من العقد التي يمر بها البعض، يبقى السؤال: هل يستطيع الإنسان التعامل معها بطريقة صحية وبناءة؟
يذكر يوسف (33 عاما) أنه لم يكن راضيا عن نفسه سابقا، إذ كان يعتقد دائما أن جميع من حوله أفضل منه. في البداية، لم يكن يدرك أنه يعاني من عقدة النقص، معترفا بأنه لم يعرف كيف يتعامل مع هذا الشعور الذي سيطر عليه وأثر على حياته اليومية وعلاقاته.
يشير يوسف إلى أنه كان دائما في سباق لتحقيق الرضا عن نفسه والشعور بقيمة ذاته. وعلى الرغم من النجاحات التي حققها في حياته العملية، كان يشعر بالدونية مقارنة بمن حوله، ويقول: "كنت دائماً غير راض عن نفسي وأشعر أن جميع من حولي أفضل مني".
يوضح يوسف أنه كلما تعاظم هذا الشعور بداخله، شعر بحاجة ملحة لفهمه والتخلص منه. وهنا توجه إلى اختصاصي نفسي، فسر له هذا الإحساس وأخبره بأنه يعاني من عقدة النقص. وعندما شرح له الاختصاصي المزيد عن هذه العقدة، أدرك يوسف حقيقتها، وطلب منه إرشاده إلى طرق للتعامل معها بحيث لا تؤثر سلباً على حياته ونجاحاته.
وبالفعل، تمكن يوسف من ذلك؛ إذ أصبح متصالحا مع نفسه ويقدر ذاته وإنجازاته، من دون أن يسمح لعقدة النقص أن تؤثر على شعوره أو تتحكم به.
أما عرين (27 عاماً)، فتدرك تماما أنها تعاني من عقدة الضحية، موضحة أنها ترى نفسها ضحية في كل موقف أو مشكلة تواجهها، مما يجعلها بحاجة إلى الكثير من التعاطف والاهتمام من المحيطين بها.
ووفق عرين، فإنها اعتادت تضخيم المشكلات التي تمر بها، حيث تعتبر حتى أصغر المضايقات بمثابة نهاية العالم. إضافة إلى ذلك، تشعر بالعجز وعدم القدرة على التعامل مع المواقف الصعبة، مما ولد لديها إحساسا بوجود شيء بداخلها، ودفعها للبحث والتعمق أكثر في فهم حالتها وطبيعتها.
تؤكد عرين أنها تدرك تماما ما تعاني منه، وتحاول التكيف مع هذه العقدة ودراستها للحد من تأثيرها السلبي عليها. فهي تسعى للتخلص من الجانب المؤذي لها، الذي يؤثر على صحتها النفسية.
ومن الجانب النفسي، أوضح الدكتور باسل الحمد أن الشعور بوجود ذات أخرى أو عقل آخر يقرر عنا، أو أننا نقوم بتصرفات وأقوال لا ندرك معناها وأسبابها، يعود إلى بنية اللاشعور المتكونة لدى كل إنسان، ولا تقتصر على العقد النفسية سواء أكانت واعية أم غير واعية.
ويبين الحمد أن شخصا ما قد يقول: "لدي عقدة من الأمر الفلاني"، فهو يدرك أن هذا الأمر يسبب له مشكلة ويعجز عن التعامل معه. قد يكون على علم بالأسباب، ولكنه لا يرغب في تغيير طريقة تعامله مع هذا الأمر. هذا الشخص، وفق التحليل النفسي، واعٍ بالعقدة أو يظن أنه واعٍ بها، أو بظاهرها، إلا أن المشكلة قد تكون مرتبطة بعقدة أخرى لا يمكن إدراكها.
وفقاً لذلك، يعرف الحمد العقدة بأنها مسألة أو مشكلة حياتية لا يستطيع الإنسان التعامل معها، وتنشأ نتيجة صدمة نفسية محددة أو تراكم خبرات نفسية سلبية مرتبطة بسبب معين.
ووفق الحمد، فإن العقد النفسية تتكون نتيجة الألم النفسي المصاحب لتجربة معينة، وقد يكون هذا الألم ناتجاً عن تجربة صادمة واحدة شديدة. فعلى سبيل المثال، قد يتعرض الفرد لحادث سيارة لمرة واحدة، مما يؤدي إلى تشكل "عقدة" لديه تجاه قيادة السيارات، فيمتنع عن قيادتها تماما.
وقد تتشكل العقدة نتيجة خبرات صدمية سلبية لكنها ليست شديدة، وإنما ممتدة لفترة طويلة. على سبيل المثال، قد تشعر فتاة ما بـ"عقدة" تجاه الزواج ولا ترغب فيه، بسبب تجارب سلبية اختبرتها في علاقاتها. ورغم أن هذه العلاقات قد لا تكون صادمة أو تتسم بالعدوانية، إلا أنها أسهمت في تشكيل عقدة لديها تجاه الزواج.
ويشير الحمد إلى أنه من المهم فهم أن أهم عقدة في تاريخ العلاج النفسي تعرف بـ"عقدة أوديب" أو "الموقف الأوديبي"، حيث يمر الأطفال بتجربة تتعلق بالواقع وبالعلاقة مع الوالدين خلال مرحلة النمو الأولى. وبناء على هذه التجربة، تتشكل لديهم هذه العقدة.
وينوه الحمد إلى أنه إذا كانت العلاقة مع الأبوين صحية ولم يكن الطفل موضعا للخلافات والصراعات اللاشعورية لعقد الوالدين ومر من الفترة بسلام، تشكل لديه نمو طبيعي يمكنه من التعامل مع كلا الجنسين في حياته بشكل طبيعي.
أما إذا كان الموقف الأوديبي "معقداً" وصادما وإشكاليا، فإن تبعات ذلك ستكون صعبة في المستقبل، حيث سيعاد إنتاج هذه العقدة في مختلف العلاقات والمواقف، مثل العلاقات العاطفية، والعلاقات مع الزملاء، ورؤساء العمل، وحتى مع رموز السلطة.
ويؤكد الحمد ضرورة التعامل مع العقد النفسية من خلال البدء بالحديث عنها، ثم الاعتراف بوجودها، وبعد ذلك البحث في مكوناتها وتاريخ تشكلها عبر العلاج النفسي المناسب. ويقترح الحمد التحليل النفسي كمدخل فعال للتعامل مع العقد النفسية، خصوصاً تلك الناتجة عن الصدمات الطفولية.