د. كميل موسى فرام -*
الحمل والإنجاب يمثل الدرجة الثانية على سلم الحياة الزوجية بعد مرحلة التعارف والإعجاب والقبول المتبادل لقطبي التكوين، بل ويعتبر المفصل الأهم لاستقرار واستمرار قطار الزوجية إذا ما كُتب له الانطلاق بالتوقيت العمري المناسب باعتبار الأبناء أحد أعمدة البنيان والضمان، ليبدأ الحديث عنه بمرحلة التعارف والخطوبة بتصور لعدد أفراد العائلة ضمن قالب النموذجية والأحلام، فالحمل كواقع يمثل نتيجة منطقية بعد الارتباط، لكن نسبة من الأزواج لا توفق بالنتيجة ضمن المسار المعروف، وكأن قاربها يصطدم برياح تجريفيه ضمن زوابع شتاء زوجي قارس بزمهرير غير ممطر، فيبدأ الزوجان برحلة البحث عن الأسباب، حيث تحذف العربة بوابل من عبارات التشكيك والنصائح المبنية على فنون التحليل المُكفنة والتي تمثل لمعشر الأطباء فكرة تقاطع مع الواقع النفسي المؤسف للزوجين، يمثل بحقيقته منعطفا حياتيا مؤثرا بزمن السرعة والتغير. سحر وشعوذة
احتلت فحوصات العقم وعلاجاته باهتماما بحثيا مكثفا في السنوات الأخيرة كرد فعل متطلب للواقع، تمخض عن تطور مضطرد بهذا المجال بالقدر الذي ساعد بالكشف عن كثير من مفاصل الغموض التي كانت تغلف العقم لفترة طويلة، فجعلت من السحر والشعوذة والحجامة نصيب بأسهم المقاصة الصحية، وفي الوقت شهد انخفاض الخصوبة لتصبح ظاهرة عالمية يعانيها ما بين 60 و80 مليون شخص حول العالم، فإن أسباب العقم متعددة، وتحتل مركزا متقدما بتحديات القرن الحالي بصراعات العلم واكتشافاته، لأن احتمالاته كثيرة وتتطلب فحوصات دقيقة لتحديد طبيعته وأساليب علاجه، حيث تتراوح النسبة العالمية بين 10 و15%.
سر التأخير
السؤال الروتيني الجارح والمحرج للأزواج يتمثل عادة عن سر التأخير بالحمل والإنجاب مغلفا ببراءة التعبير لحسن النوايا، وواقع العيون تتحدث بواقع مغاير عن الطرف المعيب للحدث! فبعد عام كامل من الحياة الزوجية بفصولها الليلية وملحقاتها النهارية تحت ذريعة الحب، ليصطدم الزوجان بعدم الإنجاب ويدخلان بدوامة دائرة البحث عن المساعدة دون الإدراك بتحقيق نقطة البدء تحت فاصل الاجتهاد حيث تتعدد أسباب الإصابة بالعقم، فينسب 35% منها إلى الرجل، و35% منها إلى الأنابيب والأعضاء الحوضية الأخرى عند المرأة، و15% منها يعزى لمشكلة بالاباضة وما زال 10% من أسباب العقم غير مفسر حيث يكون فيها الزوجان سليميين بينما يرجع نحو 5% من الحالات إلى أسباب غير مألوفة. وقد أشارت بعض الدراسات إلى بعض الاحتمالات والتفسيرات، ومنها: وجود كمية معينة من الدهون تدعى الأملاح الدهنية في الحيوان المنوي، أو وجود كريات دموية بيضاء في عنق الرحم فضلا على العوامل الوراثية المتعلقة بالجينات، أو وجود عوامل مناعية في بطانة الرحم والبعض فسرها بنقص فيتامينات أساسية أو أسباب نجهلها حتى الساعة بالرغم من الثورة العلمية الكاسحة.
تتمثل الأسباب المتعلقة بالزوج، إما بغياب الحيوانات المنوية أو ضعفها، وقد تكون الحيوانات غائبة بسبب انسداد في الوعاء الناقل للحيوانات من الخصية إلى الخارج نتيجة التهابات، أو قد تكون الحيوانات غائبة بسبب فشل أولي أو ثانوي في الخصية.
سبب العقم
يرجع السبب في العقم لدى الزوج إلى عدم القدرة على أداء المهمة الزوجية نتيجة جهل بأصولها أو عدم التعاون بين الطرفين أو لأسباب مرضية أو لعامل نفسي ضمن أجواء معركة ذاتية يلتهب دخانها بسماء غابرة سوداء لموقف يبعث على الإيمان بدرجات التقوى للخلاص فيصطدم بواقع الضعف الجنسي وضعف الانتصاب بلحظات الحاجة ليدخل حديقة الأعذار بالابتعاد والخوف من الغائب أو نصيحة بغير توقيت سليم. فحوصات الزوج تمثل أساس الرحلة العلاجية بل وخطوة البداية وتشمل الفحص السريري الكامل، علاوة على فحص الأعضاء الجنسية فضلا على فحص أعراض نقص هرمون الذكورة. وتجرى للرجل مجموعة من الاختبارات والتحاليل، أولها وأهمها تحليل السائل المنوي، على أن يؤجل قرار الحكم بعد تحليل النتيجة والأخذ بمفرداتها السلبية إن وُجدت حيث لا يتم رسم خطة علاجية قبل إعادة التحليل لثلاث مرات بفاصل زمني حدوده الدنيا أسابيع الشهر كاملة، يتبعها فحص الهرمونات المنتجة من الغدة النخامية التي تحفز الخصيتين على تصنيع الحيوانات المنوية وإنتاج هرمون الذكورة «التيستيرون» إضافة لتحليل وظائف الغدة الدرقية بتأثيرها الصحيح على وضع الخصيتين كعضو متأثر باختلالها، وعندما لا توجد حيوانات منوية في العينة ويبدو حجم الخصية طبيعيا وتكون الهرمونات طبيعية مع توقع انسداد في الحبل المنوي أو غيابه في الجانبين، يتم أخذ عينة من الخصية، جراحيا أو بإبرة خاصة لتيقن التشخيص والمساعدة برسم خطوات الخطة العلاجية، إضافة للفحص الجيني كأساس للحكم.
غياب الاباضة
أما بالنسبة إلى الزوجة، فأكثر الأسباب شيوعا يتمثل بغياب الاباضة أو انعدامها وعدم الانتظام بالدورة الشهرية الذي يؤثر على موعد اللقاء الزوجي بقصد الحمل إضافة لمشاكل وظيفية بقنوات فالوب بدورها المحوري بحدوث الاخصاب والحمل إضافة لأسباب تتعلق ببيئة الرحم صاحبة الاختصاص بنجاح المحاولة مهما كانت طريقتها إضافة لأسباب أخرى متفرقة، مثل بطانة الرحم الهاجر أو وجود ألياف وغيرها. وعليه تستهدف فحوص العقم، التي يجب إجراؤها للمرأة، الكشف عن أي موجودات مرضية سواء بالفحص السريري، بعد أخذ وتحليل التاريخ المرضي ومن ثمة إجراء الفحوص التي تقيِّم وظائف كل من المبيضين والأنابيب والرحم وعنق الرحم ويتم تقييم وظائف المبيضين مباشرة من خلال فحص الهرمونات بالدم. وأحيانا، يتم ذلك بشكل غير مباشر بفحص نتائج تأثير الهرمونات المعنية في الأعضاء التناسلية مثل قياس درجة حرارة الجسم، وأخذ عينة من باطن الرحم، وعمل مسحة خلوية من المهبل، ومتابعة حجم ونمو البويضة في المبيضين بالأشعة فوق الصوتية، ورؤية مكان خروج البويضة من المبيض بعد موعد الاباضة المتوقع بالمنظار البطني، وتنظير تجويف البطن ورؤية الأعضاء التناسلية الأنثوية الداخلية. ويتم تقييم «البوفينة» أو الأنابيب والرحم من خلال حقن مادة ملونة في الرحم والأنابيب من الداخل تحت الأشعة السينية، وحقن مادة ملونة زرقاء اللون في الرحم والأنابيب تحت التنظير لتجويف البطن، وتنظير البوقين، وتنظير الرحم، بحيث يمكن رؤية تجويف الرحم والأنابيب من الداخل ومسار الأنابيب ومدى نفاذيتهما ومدى خلوهما من التشوهات والالتصاقات والانسداد أو وجود أمراض أخرى، ويقيني أن التنظير البطني والرحمي كتداخل جراحي لاستكشاف الخلل يتربع على قائمة الفحوصات الأساسية للحمل بعد الانتهاء من فحوصات الدم كخطوة أولى ويمكننا بنتيجتها الاستغناء عن فحص الصورة الملونة للرحم لتقييم باطنه والقناتين. كما يتم تقييم عنق الرحم بفحص المخاط العنقي بمنتصف الدورة الشهرية ودراسته تحت المجهر وأخذ عينة من المخاط العنقي بعد ساعات قليلة من الجماع، لدراسة حيوية ونشاط النطف في إفرازات عنق الرحم تحت المجهر وهي خطوات قد طواها الزمن بتقنيات وسائل المساعدة باستخدام وسائل المساعدة على الإنجاب.
غموض!
أما بالنسبة للجزء الغامض عن التشخيص، فليس للعقم فيه تفسير واضح عند الزوجين، وما زال العلم يبحث ويبحر في محيط هذا المجال لمعرفة المزيد عنه وكشف أسراره.
الواقع النفسي للزوجين يعتبر لاعبا أساسيا لحسم النتيجة حيث أن المحافظة على البيئة المثالية الداخلية بواسطة ضبط الجهاز الهرموني بوظائفه التناسقية يمثل مفتاح السحر لدخول بوابات السعادة الإنجابية، وحبذا لو يختصر أصحاب النصح والخبرات بحكم الزمن من قذف الزوجين بعبارات التشكيك على القدرات خصوصا بقفل الظهر أو فتحه بحجامة بالية فالزمن يكفل لمنطاد الحياة التحليق بفضاء السعادة فوق حديقة الأمل لقطف زهرة حمراء تحت أنغام الصوت الفيروزي، يدخل السكينة والراحة للقلب والعقل وهو ما نحتاج إليه كعلاج للقدر الأكبر من اعتقاداتنا، ناهيك أن استخدام فنون الإخفاء للحقائق يمثل قنبلة عائلية قاتلة لمستخدمها فالتضحية بالمال لصرفه بمجالات البحث عن الاستقرار والسعادة يعتبر فنا محتكرا لأصحاب التذوق والإبداع، وعدم حصولنا على كل ما نريد حكمة ربانية، فهل نركب القطار بعربة الأمان؟ سؤال بريء برسم الإجابة وللحديث بقية.

 

* أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية - استشاري النسائية والتوليد والعقم/ مستشفى الجامعة الأردنية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
www.kamilfram.com

JoomShaper