إن الاعتماد على مسحة عنق الدورية كوسيلة لاستثناء احتمالية الاصابة بالورم السرطاني لعنق الرحم أو بطانة الرحم يمثل الصورة السلبية المثلى للوهم وإنكار الواقع حتى لو صدرت عن مراجع علمية تحترم بالرأي لأنها ليست وسيلة تشخيصية للمرض السرطاني أبدا.
دكتور كميل موسى فرام*
يمثل عنق الرحم بصفته التشريحية, البوابة الرئيسية للتجويف الرحمي ,كما أنه يحتل خطاً دفاعياً لحماية الرحم والأعضاء الداخلية من الاصابة بأي من الالتهابات والأمراض التي تبدأ بمنطقة المهبل وذلك للطبيعة الفسيولوجية والوظيفية لذلك الجزء من الجسم الذي يفتقر للمساهمة باي نشاط جنسي يُذكر أثناء ممارسة الحياة الزوجية.
يتكون عنق الرحم - تشريحيا- من نوعين من الخلايا المبطنة للجهاز التناسلي يتقابلان بمنطقة وسطية غنية بالخلايا النسيجية ،غير محددة المعالم حتى بلوغ الفتاة سن الثامنة عشرة سنة والتي تعلن صراحة اكتمال المرحلة الأولى من النضوج بوضوح معالم الحد الفاصل بسبب المفعول السحري لهرمون الاستروجين.
ضوابط الشيفرة الوراثية
لا يمكننا الجزم أو الحصر بأسباب تكون سرطان عنق الرحم، واقع يحرمنا من فرصة تقديم النصيحة لمنع حدوثه ولكن المشاهدات العلمية تؤشر للعديد من الظروف الحياتية المساعدة والمؤثرة على فرصة النشاط الباثولوجي بمستوى الخلية والتي ربما تتمرد على أوامر التحكم العصبية ضمن ضوابط الشيفرة الوراثية بسلوك غير منتظم واستقلال يمهد لبراكين صحية بسنوات العمر القادمة، فالزواج المبكر وقبل اكتمال مرحلة النضوج الأولى يمثل خطأً اجتماعيا وعائليا بصفحته الأولى وخطرا صحيا مدمرا بصفحته الثانية ،حيث أن ممارسة الحياة الزوجية بمراحل المراهقة والطفولة المتأخرة يمثل جريمة بحق الفتاة من الزاوية السرطانية ويفتقر لمبرر يغفر أو يخفف الأثر الناتج عن هذا الزواج.

انتقال العدوى بين الأفراد
كما أن زيادة فرصة الاصابة بالالتهابات الفيروسية المهبلية نتيجة الممارسات العشوائية , سيمكن أنواعا محددة من الفيروسات التي تجد بيئة عنق الرحم والمهبل مثالية للنمو والتكاثر، خصوصا أن جزءا من الفتيات يرتبط برجال أصحاب تجارب وأسفار بحكم الوظيفة أو الظرف أو زيادة مساحات السفر ومهما كان مبررها دراسيا أو ترفيهيا أو جهلاً أو غيرها، حيث أن الثوابت العلمية تحققت من فرضية انتقال العدوى بين الأفراد نتيجة الممارسات الجنسية بغير الأصول الصحية.
الخوف من المرض والبخل أحيانا يساعدان على تخطي المرحلة المرضية للبدايات الأولى، كما أن التفسير الحميد لجميع أشكال الشكوى المرضية بمنطقة المهبل وخصوصا المرتبطة بمرحلة الانسجام الجسدي وتحديدا بحدوث نزيف مهبلي بعد انتهاء اللقاء الجنسي يمثل عقبة أخرى تساهم بتأخير التشخيص وانتقال المرض لمراحل متقدمة تحتاج لجهد أكبر بالتشخيص والعلاج. ربما تمثل العلاقة بين الطبيب والسيدة محطة صعبة التوفيق مهما كان مبرر غبارها وانخفاض اسهم ملامحها، فيتكون جدار صعب وغير نافذ يمنع التواصل وقطف النصيحة بالتوقيت المناسب ؛خصوصا إذا ارتبطت الفتاة لرجل يعيش على أمجاد اندثرت ويسمح بالزيارة الطبية المقننة لسبب مرضي وضمن شروط يفرضها وعنوانها الأشمل مجموعة من الممنوعات، ناهيك عن أن هناك إنعداما لتعميم فرصة الكشف المبكر عن هذا النوع من الورم السرطاني أو تبني البعض (أفرادا ومؤسسات) لفكرة التسويق بصورة ترهب الفئة المستهدفة التي تؤمن بإرتداء قناع الابتعاد عن الأيدي الطبية خشية التورط بنفق تنيره شموع الندم ويترطب بدموع الحسرة على مغامرة يصعب التجرد من نسائمها.

عثرة صحية عابرة
مؤشرات الشكوى ،التي تحذر من الاصابة بالمرض قد تكون مشتركة مع أورام لأعضاء مجاورة أو قد تكون نتيجة عثرة صحية عابرة لا ترتبط بورم سرطاني، لكن الإجراء الطبي لكلا الحالتين يعتبر أساسيا وإلزاميا، فالزيارة الطبية بشكوى من حدوث ألم متكرر بمنطقة المهبل وإفرازات نسائية غير مألوفة، أو تلك التي تحمل هموم نزف مهبلي غير مرتبط بالدورة الشهرية أحيانا ومهما كانت كميته خصوصا ذلك النوع المرتبط بالممارسة الزوجية وحتى النزيف المهبلي المنتظم وغير المألوف بمواصفاته، أو هناك شكوى متكررة بألم وحرقة أثناء التبول، فكلها أسباب تستحق التحليل والبحث عن السبب الذي يبدأ بتحليل مفردات التاريخ الزوجي والمرضي والتركيز على ظروف الممارسات الجنسية لكلا الطرفين بإعتبار أن الفيروس الأشهر الذي ثبت تواجد فصائله بمعظم نتائج الفحوصات النسيجية هو من النوع الذي ينتقل أساسا بظروف الممارسات.

التشخيص النسيجي
ان إدراك هذا الاعتراف سيسبب نوعا من الحرج أو الانكار، ولكن رحلة البحث عن الشفاء من المرض الخبيث تتطلب الجرأة والاعتذار المتبادل للمغفرة، فالحقيقة قد تكون مفتاح العلاج.
الفحص النسائي والمهبلي بالتحديد يعتبر ركنا أساسيا من أركان التشخيص والذي يبدأ بالفحص التلفزيوني وفحص منظار المهبل للمشاهدة بالعين والتعليق على بيئة المهبل وعنق الرحم قبل الانتقال لمرحلة تنظير عنق الرحم لتحديد المنطقة المشبوهة لأخذ خزعة بهدف التشخيص النسيجي، وفي ذات الوقت يجرى الفحص المهبلي للرحم ومحيطه للمساهمة بتحديد مرحلة الاصابة التي تؤثر في رسم الخريطة العلاجية للشفاء، يتبعها الفحص التشخيصي تحت التخدير العام إضافة لأخذ خزعة من الأنسجة المبطنة لقناة عنق الرحم وخزعة منفصلة من بطانة الرحم إضافة لتنظير المثانة البولية وفحص البول لاشتباه وجود خلايا خبيثة، على أن يرافق ذلك إجراء الفحوصات التشخيصية المساعدة وأهمها صورة الرنين المغناطيسي بهدف التعرف على حدود الانتشار المرضي والذي يهدف بالأساس لتحديد مرحلة الاصابة خصوصا بوجود فرصة لتأثر الغدد اللمفاوية بالمنطقة الحوضية أو وجود تضخم ضاغط بعنق الرحم يؤثر على سلوك ووظيفة الحالب فيتسبب بنوع من تضخم الكلية المعنية كمقدمة لدخول المريضة بالفشل الكلوي لو استمر الحال بدون علاج.
ومن باب الأمانة العلمية أريد التنبيه أن الاعتماد على مسحة عنق الدورية كوسيلة لاستثناء احتمالية الاصابة بالورم السرطاني لعنق الرحم أو بطانة الرحم يمثل الصورة السلبية المثلى للوهم وإنكار الواقع حتى لو صدرت من مراجع علمية تحترم بالرأي لأنها ليست وسيلة تشخيصية للمرض السرطاني أبدا.
ويحضرني هنا أن أذكر أن الفحص الموضعي لعنق الرحم بمنظار المهبل والتعليق على مظهره بصورته الطبيعية لن ينفي أبدا احتمالية الاصابة فوجود نتوء أو ورم أو قرحة يؤشر لمرحلة أبعد من حود الأمل، مبرر لمزيد من توظيف المهارات التشخيصية للوصول للحقيقة فوجود تلك النتائج لا يشخص المرض لأن التشخيص يعتمد على صاحب الكلمة العليا وهو التشخيص النسيجي المخبري.

الحقائق والأسماء بمسمياتها
التشخيص المرضي الدقيق وتحديد حدود الانتشار والتأثير يمثل الحلقة الأولى بالخطة العلاجية لمن تبحث عن الشفاء ولديها الجرأة بنطق الحقائق والأسماء بمسمياتها، خصوصا أن مختبرات الأبحاث العلمية تعمل على مدار الساعة لمحاصرة المرض اللعين بواقع يطور الوسائل العلاجية من باب القضاء على المرض وتأثيراته وبأدنى مستوى للآثار الجانبية لأي وسيلة علاجية على أن أبين سلفا أن الوسائل العلاجية تهدف للشفاء ولكنها تنتج بعض الأعراض الجانبية ذات التأثر المزعج وخصوصا العلاجات الكيماوية منها.
تعتمد الخطة العلاجية على العديد من العوامل والتي تؤثر في ترتيب استخدام الوسائل العلاجية حسب أولويات التأثير والمبرر، والتي تتراوح تطبيقاتها من حيث البدء بالاستخدام، وكلنا ندرك أن استئصال الورم بفنون المهارات الجراحية يحتل الصفحات العلاجية الأولى بكل الخطط العلاجية ولكن ذلك لا يبرر تطبيق مفردات الصفحة الجراحية على جميع الحالات لاعتبارات صحية وعلاجية حيث أن العلاج بالوسائل الإشعاعية ينافس من حيث التطبيق والتأثير الفكرة الجراحية ويعتبر مكملا لها بجميع مراحل المرض تقريبا بالاضافة للدور المساند والثانوي للعلاج الكيماوي الذي يحتل مساحة اسنادية بخطة العلاج.
المغامرة بالأسهم الصحية تنحصر بفئة اجتماعية تؤمن بالهروب من مواجهة الصعاب وتعتقد بوهم مقدر للقادم، ولكنني أجزم أن الجميع يتمنى الابتعاد عن فصول المعاناة التي تشكل صورة من صور الأسر والحرمان، فتذكرة الاستمتاع بجمال الطبيعة وركوب منطادها يفرضان على عشاق الجمال في الحياة الاهتمام ببيئتهم وصحتهم كمتطلب إجباري لرؤية الطبيعة وصفحات الأيام كما يجب أن تكون وهي خلابة وجميلة لمن يحسن الاستمتاع , وللحديث بقية.

*أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية.
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

www.kamilfram@com

JoomShaper