ريمة راعي
يقال إن مارلين مونرو نجمة الإغراء التي شغلت العالم بجمالها و أنوثتها الطاغية كانت ترى نفسها غير جميلة. و حين كان طبيبها النفسي يطلب منها النظر في المرآة كانت تشيح بوجهها و تقول لا أريد و كان التشخيص هو اضطراب وهم التشوه الجسدي و قد خصصت مقدمة البرامج أوبرا وينفري إحدى حلقاتها لتسليط الضوء على هذا المرض، و استضافت مجموعة من الأشخاص المصابين به و شرح كل منهم المعاناة التي يعيشها حيث أن الواحد منهم كلما نظر إلى المرآة يرى صورة أخرى غير صورته حيث يركز على العيوب الموجودة أو يتخيل وجودها و يضخمها لتغدو تشويها ًصارخا ً و قد وصف أحد المرضى الصورة التي يراها في المرآة بأنها صورة وحش مشوه و بشع , و أحد الشبان قال إنه يقضي حوالي الثلاث ساعات أمام المرآة قبل أن يخرج إلى أي مكان و أحيانا ً بعد أن يصل إلى المكان الذي يقصده يعود أدراجه لأنه يخشى أن يرمقه الآخرون باستهزاء لأنه قبيح جداً. و هو فكر بالانتحار مرات عديدة لكنه تراجع خوفا ً على عائلته التي تهتم لأمره كثيراً. و قد ترك هذا الشاب المعهد الذي كان يتعلم فيه الرقص لأنه لا يستطيع تحمل أن ينظر إليه أحد و يرى قبحه رغم أنه شاب وسيم و كما قالت له أوبرا هو يملك قوام و شكل الراقص بامتياز لكنه لا يرى ذلك.. تقول الدراسات إن حوالى أربعين إلى خمسين بالمائة من الناس مصابون بنوع من الهوس بأشكالهم يجعلهم يعتقدون أنهم بحاجة لتدخل جراح التجميل. و يصبح المصاب بهذا الاضطراب عبدا ً لهذه الفكرة التي تدمره تدريجياً، لأنه يربط هويته و كيانه بمظهره الذي هو غير راض ٍ عنه و بالتالي يؤثر هذا على كامل حياته، و الأكثر ألماً هو أن يصل هذا الشخص إلى حافة الانهيار و يقرر الانتحار لينهي حياته نتيجة سوء فهم .. إذ أن هذا الاضطراب يتحول إلى إعاقة اجتماعية قد تصل بالشخص إلى حد عدم الخروج من البيت بتاتاً و بالتالي يخسر عمله أو يتأخر دراسياً إذ أن غالبيتهم يصابون بحالة من الارتياب المرضي في أن الناس يستهزؤون بهم في غيابهم و يتناولون عيوبهم الجسدية.
و رغم أن من حولهم قد يمتدحون أشكالهم إلا أنهم لا يصدقونهم حتى لو كان من يمتدحهم جراح التجميل و من العقبات أمام علاج هذا الاضطراب صعوبة العثور على إحصائيات دقيقة حوله لأن معظم المرضى يتجهون نحو أطباء التجميل و لا يعلمون أن منشأ الحالة نفسي إلا بعد إجراء العديد من العمليات و استمرار الشعور بعدم الرضى و بأن التشوه مازال موجوداً. لأن المشكلة ليست في شكل المريض و إنما في إدراكه لهذا الشكل. وغالبية الشكاوى المقدمة بحق جراحي التجميل تكون من المصابين بهذا الاضطراب لأن أملهم خاب في أن يقدم لهم الطبيب السعادة التي كانوا ينتظرونها .. وهكذا يكون الطبيب النفسي هو الملجأ الأخير لهؤلاء المرضى .السؤال المطروح هنا هو كم طبيب تجميل يملك الأخلاقية الكافية كي يخبر المريض بأنه ليس بحاجة لتجميل ؟ و هنا أنا لا أقصد الخطابات التي يلقيها الأطباء في الحوارت التلفزيونية بل عن الواقع و هذا يتعدى موضوع التجميل إلى مجالات الطب الواسعة و إلى الحالة المؤسفة التي بلغها بعض الأطباء الذين يبحثون عن علاج مشاكلهم المادية في أوجاع مرضاهم المجهولة الأسباب، و يأخذ كل طبيب المريض في اتجاه تخصصه، و هنا السؤال الأهم هل يمكن أن ننادي جميع الأطباء باللقب القديم الجميل : يا حكيم ! لا أعتقد لأن الحكمة و الجشع لا يجتمعان إذ يلتهم أحدهما الآخر و يبقى أما الحكيم الذي ننحني أمامه أو الجشع الذي ندعو الله ألا يوقعنا في شباكه .
الوحدة