دي برس – تحقيق: خلود شحادة
سوسن ذهبت إلى المشفى بملء إرادتها ودخلت ماشية على قدميها بكل سرور وثقة لكن خروجها كان مختلفاً، فحلت "النقالة" مقام أقدامها وهي محمولة في طريقها إلى المقبرة، فقد سقطت سوسن بذلك ضحية الجمال المنشود, ورغبتها في التخلص من البدانة والسمنة والحصول على جسم نحيل أوقعتها بيد طبيب مجاز في الجراحة العامة وليس له أي دخل في الجراحة التجميلية، وخبرته الضعيفة تلك سمحت له أن يقوم بعملية شفط واسع جداً استمرت لأكثر من سبع ساعات انتهت بحدوث خلل طبي أودى بحياتها فوراً.
سوسن ليست الحالة الأولى التي فقدت الحياة بدافع التجميل مع مسببات أخرى كان منها تداخل الاختصاصات وتسلل الدخلاء على المهنة، ما يعيده طبيب التجميل معين اسبر إلى السعي وراء الربح المادي الكبير الذي دفع أطباء من اختصاصات أخرى إلى دخول هذا الباب متناسين مبادئ وأخلاقيات المهنة..

في حين لا يرى نقيب أطباء دمشق الدكتور عبد الحميد القوتلي مانعاً من دخول أطباء من مختلف الاختصاصات مجال التجميل في حال عدم توفر أطباء التجميل المختصين، مغفلاً أن أطباء التجميل باتوا منتشرين بكثرة.

تشخيص ذاتي

معايير العمل في عيادات التجميل تختلف تماماً عما اعتدنا رؤيته في العيادة الطبية الأخرى، "فالمريضة" هنا هي التي تملي على طبيبها المعاينة والتشخيص المفضل لديها، في حين يقتصر دوره على إجراء العملية حسب الطلب، فتكون "المريضة" متورطة بالنتائج المأساوية للعملية في بعض الأحيان، يقول عبد الحميد القوتلي "يصل إلى النقابة حوالي 80 شكوى سنوياً يكون من ضمنها (30-40) شكوى موجهة ضد أطباء التجميل تقريباً"
وكأي عمل جراحي قد تذهب الأخطاء الطبية فيه إلى مخاطر لا تقف عند التشوهات، والخطأ الطبي حسب تشخيص قوتلي هو نتيجة غير مرغوب بها تحدث نتيجة للإهمال والتقصير الطبي، الأمر الذي تؤكده الحالات الواردة إلى عيادات الجميل، فيقول الدكتور إسبر " بين كل أربعة أنوف تأتي إلي اثنان أو ثلاثة منها بحاجة لإعادة إصلاح نتيجة لأخطاء سابقة، حيث أن عدد الأطباء المجازين في الجراحة التجميلية يتراوح بين20 و30 طبيب في سورية، إلا أن أكثر من مئة يعملون في الجراحة التجميلية من اختصاصات أخرى (جلدية-أنف أذن حنجرة -جراحة عامة....)".
وقد تخرج نتيجة العمل الجراحي عن إرادة الطبيب على الرغم من اتخاذه لكافة الأسس الطبية السليمة بحسب القوتلي، فيحدث نوع من الاختلاطات، فلا علاقة لها بجراح تجميلي أو طبيب جراحة عامة بل هو موضوع بيولوجي بحت.

تجميل قاتل

قائمة العمليات المطلوبة يتصدرها تجميل الأنف وتكبير الثدي وشفط الدهون وفقاً لأطباء التجميل، وهذه الأخيرة أخذت منحى جدلياً كبير بما تحمله من مخاطر ومخاوف، مما يدفع المريض للتفكير جيداً قبل الإقدام على العمل الجراحي، ويشرح الدكتور عبد الحميد القوتلي مخاطرها, حيث أن الشفط قد يحمل في طياته اختلاط "الصمة الشحمية", بانطلاق نقطة شحمية إلى القلب أو الرئتين، فتحدث الوفاة ويرتبط حدوثها بحجم الشفط.

طلب عالكتلوك!

زيارة طبيب التجميل لا تختلف كثيراً عن زيارة "الكوافيرة" بالنسبة لكثير من الراغبات بإجراء عمل جراحة تجميلية، وليس من المستغرب بالنسبة للطبيب إسبر أن تأتي مريضة ومعها صورة لفنانة تريد أن تحصل على أنف مشابه لأنفها، وأخرى تريد الحصول على شفاه مشابهة لشفاه ممثلة أخرى، وعندما يحاول إقناعها بإجراء ما تحتاج له فقط عادة ما ترفض نصيحته وتصرّ على رغبتها، ثم تتجه نحو طبيب آخر.. يتابع إسبر "ولنفرض أني قبلت عرضها فليس بالضرورة أن تحصل على نتيجة مشابهة للصورة، حيث أن نتائج العملية الجراحية ترتبط بالتركيبة البيولوجية لجسم المريض فتختلف النتيجة من شخص لآخر".

من عمليات التجميل المنتشرة أيضاً شد البطن وحقن الوجه بالسيليكون، بالإضافة إلى تقشير الجلد الكيماوي، وهي العملية التي أفضت إلى حالة وفاة حدثت نتيجةً لتقشير جلد كيماوي واسع جداً يتحدث نقيب أطباء دمشق عنها, تحول الطبيب على إثرها للقضاء، واتخذت النقابة كذلك إجراءاتها في هذا الموضوع، ومنها توجيه تنبيه أو إغلاق العيادة لفترة معينة، غير أن النقابة عادةً ما تخفف عقوبتها على الطبيب بعد تحويله للقضاء.
إلا أن القضاء لا يتخذ أي إجراء بتوقيف الطبيب حتى تثبت إدانته عن طريق "خبرة طبية" كما يقول المحامي بسام يغمور، فبعد معاينة الحالة تتخذ اللجنة المؤلفة من خمس أو ثلاث أطباء الإجراءات القانونية.
ويقول نقيب أطباء سورية الدكتور أحمد قاسم "إننا في النقابة قمنا بعدة إجراءات لتنظيم القطاع الطبي عن طريق القانون رقم (12) لمزاولة العمل الطبي والقانون رقم(31) لتنظيم العمل النقابي".

حجة للاعتراض

ولأن المرضى دائماً يتوقعون نتائج أكثر من الممكن فكثيراً ما تحظى النتيجة باستيائهم، فيقوم المريض بالاحتجاج على النتائج ويتوجه للقضاء بحجة أن التكاليف الباهضة، يقول المحامي بسام يغمور "إن القضاء يكفل للمتضرر الحصول على التعويض المادي, فيتكفل الطبيب بدفع كامل نفقات التضرر ويكون ذلك إما حسب دعوى مدنية تتعلق بالتعويض المادي فقط أو الدعوة الجزائية وهي دعوة الحق العام والحق الشخصي, ومحاكمة حسب المادة (541) التي تنصّ: إذا نجم عن الأذى الحاصل تعطيل شخص عن العمل مدة تزيد عن عشرة أيام عوقب المجرم بالحبس مدة لا تتجاوز السنة وبغرامة مئة ليرة سورية على الأكثر أو بإحدى هاتين العقوبتين".
وبالإضافة إلى المحاسبة القضائية تقوم النقابة وفقاً لقوتلي باستدعاء الطبيب وقراءة وجهة نظره وفي حال ثبت وجود خطأ طبي من قبله توجه النقابة تنبيه له بسب سوء الممارسة وعند تكرار أخطاء الطبيب أثناء الجراحة ينظر في اختصاصه ويتخذ إجراءات أقوى.

حلال ولكن

الدين الاسلامي يعارض عمليات التجميل "غير الموجبة" فيقول الدكتور محمد الحبش رئيس مركز الدراسات الإسلامية "إن القيود التي نضعها على الجراحة التجميلية هي ألا تكون بهدف تغير خلق الله عزوجل وبدون أسباب حقيقية وموجبة".
فيما لا يجزم الدين المسيحي بالسلب أو الإيجاب في موضوع التجميل حسب رأي الأب فادي الحمصي من كنيسة ابراهيم الخليل في برزة، وتدعم الكنيسة عمليات التجميل من أجل إزالة التشوه أو زراعة الأعضاء أو إزالة العيوب الخلقية وآثار الحوادث.
وهذا ما اتفق مع رأي الدكتور محمد الحبش عندما قال "إن الجراحة التجميلية هي نوع من التداوي، وقد أمرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالتداوي، فقال (ياعباد الله تداووا فان الله ما أنزل من داء إلا وأنزل له دواء)، فلا يوجد مانع شرعي من إجراء عمل جراحي لإزالة التشوهات سواء كانت خلقية أو مكتسبة.

تشوه نفسي

وكأي مرض جسدي له ارتباط بالحالة النفسية للإنسان يتصل التجميل بالحالة النفسية لكل مريض، فالطبيب النفسي محمد الدندل يرى بأن عملية التجميل استطباب من الممكن أن يخلف آثار نفسية وقد يسبقه مشاكل نفسية أيضاً, فالمريض الذي لديه عاهة أو تشوه معين قد يتولّد لديه نوع من الإحباط والعزلة يقوده للاكتئاب, وفي نفس الوقت عندما يقدم على عمل تجميلي ويصادف الفشل ويحصل على شكل أسوء من الشكل الذي كان عليه يتكون لديه اكتئاب أيضاً، فيصبح احتمال الانتحار وارد جداً..
غير أن الجراحة التجميلية هي الحل للتخلص من القلق والحصول على التوازن النفسي عندما تكون الاضطرابات النفسية متعلقة بمراحل سابقة وتراكمات نفسية مرتبطة بالأسرة أو الأصدقاء وفقاً للطبيب النفسي محمد الدندل.

غيرة نسائية وسماسرة تجميل

وعندما تتطلب المظاهر الاجتماعية أن تكون المرأة جميلة وجذابة في كل مناسبة يصبح التجميل هو الحل الوحيد المطروق، وتقول الدكتورة سوسن عدوان أستاذة علم الاجتماع في جامعة دمشق: "إن عمليات التجميل أصبحت تقليد أكثر من كونها علاج، ونوع من التباهي والمفاخرة حول من هي المرأة الأجمل في التجمعات النسائية, إضافة إلى دور ارتفاع نسبة العنوسة في مجتمعاتنا الشرقية، فتلجأ المرأة إلى التجميل للحصول على زوج, وحتى المرأة المتزوجة تلجأ للتجميل لتحافظ على زوجها وتضمن بقاءه بجانبها".

الثورة الإعلامية وصناعة السينما إضافة إلى الإعلانات التجارية جعلت من المرأة سلعة في هذا السوق الإعلامي دفعها للبحث عن الجمال بشكل دائم، مما جعل الرواج الإعلامي المفاجئ لهذا العلم القديم المستحدث مستساغ بكثرة، وقد اتفق على هذا الأمر كل من أطباء التجميل وطبيب علم النفس محمد الدندل.
ولم يعد غريباً في "سوق التجميل" استخدام أطباءه للسماسرة كأي مهنة تجارية, فأصبحت الدعاية لطبيب تجميلي معين تنطلق من صالونات الحلاقة النسائية أو مراكز العناية بالبشرة أو حتى النوادي الرياضية.

تجميل رجالي وعلاج بالسم

من غير المألوف أن حصة الرجال من عمليات تجميل الأنف تصل إلى 50%، ويقول الدكتور إسبر "ماعدا هذه العمليات تكون النسبة حوالي90%للنساء و10%للرجال تقريبا".
وقد يغفل عن الكثير من النساء أن بعض عمليات التجميل تحتوي على مواد سامة يتم حقنها في المنطقة المطلوبة، وهذه العملية رائجة جداً عند الشابات والمسنّات للحصول على بشرة نظرة، يضيف إسبر "إن حقن البوتوكس عملية تقوم بالتأثير على التضاد لعمل العضلات أي التعاكس، وعن طريق الإبرة البوتوكسية تشل العضلة ويعطل عملها فتشد الوجه وتقضي على ترهلاته, إلا أن البوتوكس مادة سامة أتت تسميتها من بوت وهو اسم لبكتريا وتوكس من كلمة توكسين وهو السم".

عرض خاص

أسعار عمليات التجميل منخفضة في سورية مقارنة بالدول المجاورة، حيث أن تكلفة عملية تجميل الأنف بأغلى أسعارها في سورية لاتصل إلى خمس سعرها في أوروبا، وعلى الرغم من ذلك فإن الطبيب إسبر يؤكد أن لهذا النوع من الجراحة مفهوم عميق له ثلاثة أبعاد، جراحة طبية بحتة وذوق فني فضلاً عن الحكمة والالتزام بأخلاقيات مهنته.

وفي نهاية حديث كل منهم لم ينس أي من أطباء التجميل وكذلك مختصو النفس والاجتماع أن يبدي اقتناعه بأن "الجمال جمال الروح"، والإنسان الذي لديه ثقة وإيمان بشخصيته وشكله ويعرف القدر الذي يمتلكه من الجمال هو إنسان سوي ومتوازن نفسياً، ولا يعاني من أي اضطرابات داخلية..

JoomShaper