الرابطة الأهلية لنساء سورية

بدون مقدمات نستطيع أن نقرع الجرؤ54س. أن نقول لكل الآباء والأمهات، والشباب والشابات أيضاً انتبهوا هذا رأس جسر أو موطئ قدم في بنية الأسرة، أو في غرفة النوم..
في أكثر القنوات العربية هناك برنامج  تبشيري  خطير. مع اعتذارنا الشديد لمفهوم التبشير الديني بكل أبعاده. برنامج تبشيري يتمثل في مسلسلات لا تكاد تنقطع عن حياة المراهقين والمراهقات الأمريكيين. جرعة مسائية يومية يصطحبها معه الفتى أو الفتاة إلى أحلام وتطلعات ما قبل النوم.


البعد الجنسي حاضر وخطير ولكنه ليس هو الأخطر فيما نظن، ففيما يقدمه هذا الإعلام رسائل كثيرة مدروسة بعناية ومبرمج وتُسوّق بفنية بارعة. يقال إن الملحقيات الثقافية الأمريكية هي التي تقدم هذه البرامج لمحطات التلفزيون، لوجه الإنسانية..
نبدأ مع هذا الإعلام بمقارنات خفية بين العقائد والأفكار والمذاهب والأعراق. ويؤسس، من خلالها، لعالم من القيم تفرزه الرأسمالية الأمريكية وتصدره مصبوغا بالألوان. قيم الكثير منها موضع نظر، أو موضع رفض  وليس لنا في مقال أن نحكم لها أو عليها. وإنما علينا أن نقرر أن من حقنا أن نتفحص في ثناياها لنعرف الذي لنا والذي علينا..
ستلحظ في ثنايا هذه البرامج مقارنة خفية، ليست عابرة، بين أسرة صغيرة، وحيدة الولد أو البنت، وبين أسرة كبيرة فيها ثلاثة أولاد، وسيعجبك بالتأكيد حجم الرعاية التي يلقاها الولد الوحيد المدلل. ومستوى الرفاه الذي تعيشه الأسرة. لن يقول لك المسلسل بالطبع أن ثمن هذا الرفاه هو حرمان شقيقين كان يمكن أن يكونا شريكين من حق الحياة. إنها الرأسمالية في ثوبها البشع للاستئثار. على قاعدة أسرة أصغر شركاء في ثروة العالم أقل.
تلتفت يميناً، لتلحظ دعاية سيئة أخرى لنمط العلاقة بين الزوجين. الأم والأب. الوجبة السريعة الملهوفة.. الأب اللامبالي، الأم  المتعجلة إلى عملها أو على فستان سهرتها أو على قصة شعرها..
خطوة أخرى إلى الأمام، لتجد طرازاً جديداً من العلاقة بين الأبناء والآباء. علاقة قوامها الرفض والتمرد، والخروج من الطاعة، أو نفي لمبادئها أصلاً. ثم صورة ثالثة للعلاقة بين الطالب والطالبة أو المدرِّس والمدرِّسة أو الزملاء والزميلات في الصف. أو العلاقة مع الجيران وأهل الحي. والبائع في الجوار..
كل (لقطة) أو (مشهد) أو (حركة درامية) أو (قفشة كوميدية) موظفة بعناية. رسالة إعلامية لخدمة هدف كامن وراءه كاتب سيناريو والمخرج والمصور وإدارة القناة التي تبث وتختار الوقت الأنسب للبث بحيث تصل الرسالة إلى الفئة المستهدفة منها..
ومن المسلسلات الأمريكية التي لا توفر عالم الأطفال والشباب والكبار تُشتق المسلسلات القومية أو المحلية التي تخدم نفس الأهداف، وتدق على نفس المسمار..
بل ربما ما تُقدم عليه بعضه المسلسلات والبرامج المحلية يتقدم أو يتفوق على ما تحمله إلنيا الملحقات الثقافية الأمريكية أو المنظمات الإنمائية الدولية..
كيف نتصور أماً أو أباً يجلسان مع أبنائهما وبناتهما وهي تذرف الدمع وهو يعلن الأسف تعاطفا، مع بطلة مسلسل ، حملت خارج إطار الزواج، ثم ها هي تتعرض لمشكلات مع ما يسميه البرنامج (حبيبها!!) أو (أسرته!!)؟!!
ألا تتساءل الأم أو الأب كيف يمكن أن ينعكس هذا (التعاطف) المقيت على نفسية الفتى والفتاة اللذين يشدهما إلى المسلسل ليس فقط عقدته الدرامية أو لمساته الإنسانية المصنوعة بعناية بدون شك، وإنما جمال العينين في بطل المسلسل وقصر الثوب أو التنورة التي ترتديها البطلة وشريكاتها البريئات
وننتقل من المسلسلات التي هي عالم من الدعاية أو الإعلام الاجتماعي لا تنقضي تفصيلاته.. إلى البرامج الإعلامية التي تكون أكثر مباشرة وصرامة في مناقشة (الرسائل) التي مهدت لها المسلسلات. برامج حوارية يحضرها خبراء متخصصون يمشون على الخطوط الحمر، أو يتجاوزونها، أو يتداولون عليها وهم يقدمون ويؤخرون، ولا مانع أن يكون بينهم معارض حقيقي مقموع، أو مزيف مأجور، لتمرير الأفكار المريبة وتسمية الجرائم بغير أسمائها ثقافة وفن وحرية وتقدم..
ومن المسلسل والبرنامج إلى الأغنية والفيلم والمسرحية والمجلة والصحيفة. موكب متكامل، شبكة من المؤثرات تعمل يومياً بل لحظياً على تحطيم الأساس الصلب الذي قامت عليه مجتمعاتنا
يتحدثون في عالم السياسة عن التطبيع مع الكيان الغاصب في فلسطين. والأخطر في رأينا هنا هو التطبيع مع العقوق والتمرد والفجور هذا ما يتابعه بعضنها كل يوم مستمتعين مستبشرين. بل بعضهم ينتظر فصول المأساة على أحر من الجمر. كان في أجدادنا من يقول أول ما رأيت المعصية بلت الدم..

 

JoomShaper