الحسكة – عبدالله رجا
التاريخ: 08 يونيو 2020
في ورشة داخل دمشق القديمة، تجلس عدة سيدات سوريات من أعمار مختلفة يعملن بهمة لتصنيع أساور ومنتجات يدوية مميزة يضعن فيها كل جهدهن وحبهن، لأنهن يعرفن بأنها بعد أيام ستجد طريقها لدول عديدة حول العالم، وستحمل سيدة فرنسية أو إسبانية حقيبة من صنعهن أو تتزين بعقد جمعن حجارته بأيديهن.
غالبية السيدات الموجودات هن نازحات، طالت الحرب بيوتهن وحياتهن، وبقين لفترة ليست قليلة من دون مسكن، وبعضهن بقين من دون معيل حتى وصلن لهذه الورشة التي وفرت لهن التعليم المهني، وفرصة عمل بإشراف من سيدة سورية تعشق الحرف اليدوية والأعمال التراثية وفي الوقت ذاته ترغب بمساعدة بنات بلدها لمواجهة أزمتهن الاقتصادية والاجتماعية.
رانيا كنج، هي فنانة سورية تحمل الجنسية السويسرية بقيت في سوريا رغم الحرب والظروف الصعبة، وأرادت أن تنقل ثقافة وحضارة بلدها لدول العالم، وترجع القصة لعام 2013 وكانت تعمل يومها على إنتاج مجموعة «دامسكاس كونسيبت» ضمن خط مجوهراتها، فزارت بعض أماكن تواجد النازحين ولاحظت الوضع السيء الذي تعيشه النساء هناك، فقررت تأسيس مبادرة اجتماعية توفر لهن فرص عمل كريمة ودخلاً ثابتاً، فعلمت عدداً منهن صناعة المجوهرات وابتكرت علامة تجارية متكاملة من صنع النازحين، وبرأيها هذا الأمر خفف من وطأة خسارتهن لمنازلهن وأعاد اندماجهن بشكل جيد في المجتمع.
طورت رانيا مجموعتها فأصبحت منصة للتدريب لإحياء الإرث السوري في الحرف اليدوية، ونتج عنها علامتها التجارية «أحب سوريا» ، ولا تنكر المعاناة الكبيرة التي عملت ضمنها رانيا ابتداءً من الحرب وقلة الكهرباء والمياه والقذائف والطبيعة الاجتماعية المحافظة لمجتمع النازحين، والتي كانت تحرم عمل المرأة وخروجها.
لم يكن طموح رانيا متواضعاً مع السيدات اللواتي شكلن فريقها، البالغ عددهن مئة سيدة، بل كانت تحلم بالانتشار وتقديم منتج مميز، فبدأت بالتسويق لأعمالها خارج سوريا، ونجحت بذلك بالفعل، وتقول إنها في المرة الأولى التي نشرت فيها صورة للأساور التي صنعتها النسوة داخل ورشتها على موقع فيسبوك، باعت 15000 إسورة في طلبية واحدة.
ثم توسع نطاق عمل الفريق ليشمل محافظات أخرى، فقررت رانيا إدخال خط جديد فقدمت حقائب الكروشيه والقمصان الطويلة المزينة بالخط العربي، وبعدما كانت ورشتها عبارة عن غرفة في منزلها ببداية رحلتها، توسع الأمر لورشتين بدمشق القديمة وورشة ثالثة تأسست مؤخراً في اللاذقية.
عُرضت بعض أعمال رانيا وفريقها، في مجلات الموضة مؤخراً تحت بند «قطع يجب اقتناؤها»، كما عُرضت إحدى حقائب الكروشيه في عرض أزياء مرموق في ماربيا في إسبانيا، وشاركت شركة «شواروفسكي» في تقديم التدريب على الإنتاج وإرسال بعض من أحجارها وخرزها لاستخدامها في الأساور.
تطمح رانيا إلى الوصول إلى 1000 امرأة نازحة داخلياً خلال السنوات القليلة القادمة، وتتحدث بفخر عن شريكاتها بأنهن انتقلن من نازحات داخلياً إلى مدربات معتمدات من الأمم المتحدة.