تابعت المقابلة التي تمت في قناة ''الجزيرة'' منذ أسابيع مع ربيعة قدير زعيمة الأويجور في إقليم تركستان الشرقية المسلم في شمال غرب الصين، وهي تتحدث عن المحنة التي يمر بها المسلمون هناك, واتهام الصين بالمسؤولية في وقوع أعمال العنف بين الأويجور من ناحية والسلطات الأمنية وعرقية الهان (العرق الغالب في الصين) من ناحية أخرى بسبب تبنيها قضية الدفاع عن حقوق الأويجور في الإقليم الذي كان قبل 60 عامًا دولة إسلامية باسم تركستان الشرقية، قبل أن تحتله الصين وتسميه شينجيانج, أي المقاطعة الجديدة. ودخل الإسلام تلك البلاد في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (86 هـ - 705م).

وكان المسلمون الأتراك في صراع دائم مع الصينيين، إلى أن نجحت العائلة الصينية نفسها في احتلاله مجددًا بمساعدة البريطانيين عام 1876, ومنذ ذلك الوقت والإقليم خاضع بالكامل للصين، التي عمدت إلى تغيير اسم تركستان الشرقية إلى ''شينجيانج''، ومعناها: ''الجبهة الجديدة''.وبعد الحرب اليابانية - الصينية في منتصف القرن العشرين، وبعد عدة ثورات نشأت جمهورية تركستان الشرقية كجمهورية إسلامية في شمال الصين، ولكنها لم تستمر طويلاً، حيث قام ماوتسي تونج (الزعيم الصيني المعروف) بفرض سيطرته على المنطقة كلها عام 1949، وإن كان قد أعطى الإقليم - بعد تغيير اسمه - صفة إقليم متمتع بالحكم الذاتي ثقافيا وإثنيًّا ودينيًّا ولغويا، إلا أنه من الناحية التطبيقية حدث العكس تمامًا، وقامت الحكومة الصينية بضرب الإقليم بيد من حديد.

وإلى جانب عمليات الاعتقال، وكبت الحرية الدينية، فإن أشد ما يخافه مسلمو الإقليم حاليا هو اختفاء هويته الإسلامية أمام المد الشيوعي الذي يغذيه مشروع حكومي جار منذ عشرات السنين بتوطين مئات الآلاف من عرقية الهان الصينية الشيوعية في الإقليم.

وكما نشر في موقع لجينيات الذي استفدت من المعلومات التي نشرت هناك مع موقع مفكرة الإسلام, نقلا عن صحيفة ''كريستيان ساينس مونيتور'' فإن الهانيين صاروا يسيطرون على كل الوظائف الرئيسة والنشاط السياسي للإقليم الذي ضمته الصين عام 1949 بعد أن كان دولة مسلمة مستقلة تسمى تركستان الشرقية.

ما يحدث هناك من تدمير للوجود الإسلامي عبر عنه أحد المعلمين الأويجوريين بقوله: ''نشعر بأننا غرباء في بلادنا .. نحن مثل الهنود الحمر في الولايات المتحدة, إنهم يحاولون تدمير التوازن الديموغرافي باستقدام صينيين لمنطقتنا.. يريدون لجنسنا أن يختفي من الوجود، إنهم يجففون منابع جذورنا، يريدوننا عبيدا لهم''. تماما مثل سياسيات العدو الصهيوني في استجلاب المرتزقة من أنحاء العالم وتوطينهم في الأرض الفلسطينية المحتلة. ونتيجة لهذه السياسات الحكومية، ارتفعت نسبة الهان من 7 في المائة إلى أكثر من 40 في المائة، حسب إحصاءات رسمية. وبالطبع بمساعدة الحكومة، صار أتباع الهان هم المسيطرون على غالبية المصانع والشركات، ولا يقبلون عمالة فيها من غيرهم؛ مما اضطر الأويجوريون إلى امتهان أعمال متدنية مثل الخدمة في المنازل.

وأصبح الأويجوريون مواطنين من الدرجة الثانية، فهم ممنوعون حتى من مجرد تمثيل هامشي في الهيئات الحكومية، كما لا يُسمح لهم باستخدام لغتهم في المدارس.

كما أنهم وضعوا في موقف صعب للغاية؛ فهم بين خيارين إما فقدان ثقافتهم وإما تهميشهم اقتصاديا، فالمساجد والمدارس الدينية تواجه حملات إغلاق؛ بحجة عدم وجود تراخيص، وتمنع السلطات الشباب دون الـ 18 عاما من الصلاة في المساجد.

وسنت الحكومة الصينية جملة من القوانين التي رأى الأويجور أنها تستهدف استئصال قوميتهم ودينهم على غرار قرار منع اللغة الأويجورية في الجامعة في 2002, وبحث قانون يمنعها في المدارس الثانوية.

ومنعت الحكومة الصينية تعليم الإسلام للأطفال دون سن 18 في الإقليم كما يتهمها الأويجور بهدم دور العبادة والتضييق على ممارسة العبادات.

ولنقارن هذه الأساليب التعسفية من قبل الحكومة الصينية لتدمير هوية الأويجوريين بما يحدث لدينا (طواعية) !! وتمر به مجتمعاتنا الخليجية علي وجه الخصوص من الحرص علي تدمير اللغة العربية واستبدالها تدريجيا باللغات الأجنبية! وهو مؤشر خطير لتمييع الهوية العربية والإسلامية, فاللغة هي الذات التاريخية للفرد فكيف إذا كانت (لغة القرآن)؟

ولتحقيق مزيد من التدمير البيئي للمنطقة هناك نجد أن منظمات دولية تتهم الحكومة الصينية بإجراء أكثر من 40 تجربة نووية شمال الإقليم, ما أدى إلى إصابة عديد من سكانه بالإشعاعات النووية وانتشار الأمراض وتلوث التربة والهواء.

وعندما تبحث عن الأسباب الحقيقية للضغوط الصينية على الإقليم يذكر المحللون أن موقعه الاستراتيجي القريب من دول وسط آسيا، ومخزونه الكبير من البترول والغاز الطبيعي، إضافة إلى استراتيجيتها في منع أي محاولة استقلال لأحد الأقاليم عن سيطرتها، وذلك على الرغم من أن الإقليم يتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1955.

هذا الوضع المأساوي للمسلمين رفضته ربيعة قدير التي كانت إلي عام 1995م أغنى امرأة في إقليم تركستان الشرقية تعيش مع زوجها وأولادها الـ 11 وعدد من المناصب السياسية المرموقة، ولكن بعد سلسلة من التحقيقات التي أفضت إلى سجنها ووضعها تحت الإقامة الجبرية بتهمة ''إفشاء أسرار الدولة''، تم نفيها إلى الولايات المتحدة، وهناك تزعمت ''مؤتمر الأويجور العالمي'' الذي يتولى مسؤولية الدفاع عن حقوق الأويجور في المحافل الدولية والتعريف بما يشكون منه مما يقولون إنها انتهاكات صينية واسعة ضدهم.

ذكرت ربيعة قدير أن نحو عشرة آلاف من الأويجوريين الذين شاركوا في الاحتجاجات أخيرا اختفوا في ليلة واحدة، مشددة على ضرورة إجراء تحقيق دولي في هذا الأمر. ومفندة أكاذيب وإحصاءات الحكومة التي توقفت أعداد القتلي لديها عند 971 شخصا وأن معظمهم من الهان!

بسبب نشاطها الحقوقي ضد سياسات الحكومة الصينية فإن من يعيش من أبنائها وأحفادها في الصين يتعرضون للسجن وتعرض عدد من أبنائها في السنوات الماضية للسجن أو الاحتجاز رهن الإقامة الجبرية لسنوات، وفرضت غرامة على ابنها الأكبر كاهار، وأجبرته السلطات على تصفية أعمال أمه. وكما ذكرت أنهم حاليا يمارسون ضغوطا نفسية على أبنائها وإجبارهم على الظهور على شاشات التليفزيون لتحميلها مسؤولية ''تدبير أعمال الشغب العرقية'' التي وقعت الشهر الماضي.

وأوضحت أنها أُجبرت على الاعتراف بأشياء لم تفعلها عندما كانت في السجن، وقالت: ''عندما كنت في السجن أجبرت على الاعتراف بأشياء لم أفعلها.. من الصعب علي أن أتخيل أي أنواع التعذيب النفسي الذي مارسوه ضد أبنائي''. إعلاميا لم تحظ هذه الكارثة التي حدثت هناك بما تستحقه من إضاءات, وكان هذا مثار تعليقات عدد من الناشطين السياسيين في مصر والأردن وأيضا محام أمريكي من أصل أويجوري يدعى نوري توركل. حيث انتقد نوري بشدة القادة الغربيين لموقفهم من أزمة الأويجوريين, قائلا ''في إيران حيث يتعرض أمنها القومي إلى الخطر, سارع الزعماء الغربيون إلى إدانة تصرفات النظام القمعي, لكن عندما تعلّق الأمر بالصين فإن اعتبارات المصلحة القومية تجاوزت حقوق الإنسان كقيمة''. وأضاف ''كنا نتوقع أن يبدي رجال الدولة رأيهم جهارا, إلا أنهم خذلونا. وفي غضون ذلك, أخذت وسائل الإعلام العالمية, التي ترتاب في الرواية الصينية حول أي قضية من التبت إلى تايوان, ادعاءات الحكومة بظاهرها''.

** منظمات حقوق الإنسان صوتها ضعيف في هذه القضايا ولكنه صاخب لملاحقة ومنع تطبيق التشريعات الإسلامية في مجتمعاتنا الإسلامية ومجتمعنا على وجه الخصوص تحت ستار أننا وقعنا على اتفاقية مناهضة التعذيب ! حيث ترى أن تطبيق الحدود من قتل وتعزير وجلد أحيانا هو (تعذيب) !

 

 

د.نورة خالد السعد
صحيفة الاقتصادية الالكترونية
JoomShaper