بات مصطلح الترابط الأسري متداولاً في مجتمعاتنا بكثرة، حتى أنه أصبح مصدر قلق حقيقي. ففي ما مضى من السنوات كان هاجس الخوف من المجتمعات الغربية معمماً، وكنا كثيراً ما نستغرب مصطلح التفكك الأسري لأنه قلما يخطر ببالنا أن تكون هناك أسرة مفككة. بيد أنّ ظروف الحياة تبدلت وما كانت تعاني منه المجتمعات الغربية من التفكك لم يكن أكثر من مرض ما لبث أن انتقلت عدواه إلينا.
لا يخفى ما للترابط الأسري من دور في ترابط المجتمع، وحتى يتحقق الترابط الأسري بمعناه الحقيقي لا بد من توافر العناصر الأساسية والمساعدة على قيامه، وحيث أن الحديث متعلق بالأسرة بوجه خاص يبدو نجاح أو فشل الارتباط بين الأب والأم محوريا في لم شمل الاسرة من خلال تحقيق وسائل الترابط أو عدمها..
ونظراً لأهمية الموضوع وزيادة الحاجة إلى تسليط الضوء عليه، فقد تمت مناقشته في المستشارية الثقافية الإيرانية تحت عنوان( الترابط الاسري في سيرة النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم) يوم السبت الذي صادف السابع من آذار الجاري.
دارت الندوة حول مفهوم الترابط الأسري وتطبيقاته في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ومدى تركيزه على أهمية الأبوين في تحقيق التناغم المطلوب في الأسرة، سلّط الدكتور الشيخ محمد خير الشعال الضوء على صور كثيرة من تعاملات الرسول مع زوجاته ومدى لطفه ومراعاته لمشاعرهن ومدى تأثير ذلك على جو الأسرة وخلق الدفء الذي يجذب الأطفال إلى الارتباط بها والانضواء تحت ظلالها، وما لكل ذلك من تأثير إيجابي على نفسية الأطفال ونشأتهم نشأة سليمة..
فتساءل عن سبب الازدياد الكبير في حالات الطلاق؟ ثم أرجأها إلى الأبوين اللذين بدأا اختيارهما منذ البداية على أسس خاطئة، وأضاف إلى ذلك جهل كل من الزوجين بحقوق الآخر من أبسط الأمور إلى أعقدها ...مشدداً على ضرورة تفهم كل من الزوجين للآخر وتجنب الأنانية والتحلي بالصبر، كما استذكر أمثلة كثيرة من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام لبيان صبره وحلمه مع أهل بيته ليكون مدرسة للمسلمين اللذين تزداد حلالات الطلاق بينهم ومنها:
- سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في البيت؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الآذان خرج ..
وتساءل الدكتور محمد خير عن عدد الرجال اللذين يقدرون تعب زوجاتهم؟؟؟
- وعن عائشة قالت: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة. وإني لم أدركها. قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول " أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة " قالت، فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني قد رزقت حبها " .
فأين يا ترى الإخلاص والوفاء الآن مقارنة مع الإخلاص والوفاء الذي كان يتحلى به الرسول الكريم؟؟
- كما استذكر صور المداعبة والملاطفة التي لم يكن يبخل بها النبي على زوجاته فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى فِم امرأتك.. وكان يطبق ذلك في حياته اليومية ..
- سُئل عليه الصلاة والسلام: من أحبّ الناس إليك؟ قال: (عائشة) قيل: فمن الرجال؟ قال: (أبوها).
- هنا ذكر الدكتور أمثلة من الواقع عن رجال يحبون زوجاتهم في الوقت الحاضر لكن لا يصرحون بذلك لهن وعلق الدكتور على تحجج الرجال بأن المرأة تتمادى إذا صرح الرجل بحبه لها، وأضاف أن هذا التفكير خاطئ فالتصريح بالحب يزيد الترابط والمحبة بين الزوجين مما يؤثر إيجاباً على الاطفال...
- في حين بدأت الأستاذة والداعية الإسلامية حنان اللحام كلمتها بالجملة التالية:
ليس للزوج حق وليست للزوجة حق وإنما هناك حقوق للأسرة... نحن لابد أن نضحي أكثر، فنسب الطلاق في دمشق في ازدياد وتصل إلى أكثر من 60% في بعض الإحصائيات، إذن نحن نعاني من ظاهرة التفكك الأسري والأسرة عندما تهتز، تهتز الأمة كلها، هناك نقص علمي وثقافي في المجتمع ..أشعر في لحظات أننا حقاً بحاجة إلى ثورة ثقافية ..
يقول أحد المرشدين النفسييين أنّ أكبر مشكلة تعاني منها الأسرة هي انسحاب الأب من دوره في التربية واقتصاره على التمويل فقط ومن المعلوم ان الأسرة لن تقف على قدمٍ واحدة..
في حين تقول متخصصة أخرى أن جهل الأم وعدم معرفتها بأصول التواصل الأسري والتربوي هو السبب فهي الركن الاساسي في تثبيت دعامة الأسرة.
وأرجأت أهم أسباب ظاهرة التفكك إلى:
تراجع الأخلاق، التأثر بقيم الحضارة الغربية مثل إيثار اللذة العاجلة، الفردية...
وأشارت أن عناصر الأسرة هي: الزوجان، الأبناء، الوالدان الإخوة وسائر الأقارب
نحن يمكنننا العمل على العنصرين المؤسسين كقاعدة للانطلاق.
والإجراءات منها ما يسبق الزواج ومنها ما يلي الزواج.
وتتمثل إجراءات قبل الزواج:1- التأكيد على حسن اختيار الشريك ... 2- وجود مثل أعلى موحد بين الزوجين ..كيف يفهم كل منهما الزواج؟ ..كيف ينظر إلى الطرف الآخر؟ ..لابد أن تبنى الاسرة على أسس واضحة وصريحة من البداية؟؟
في حين تتجلى أبرز الإجراءات التي ينبغي مراعاتها بعد الزواج في:
1- التدقيق في مركزية الهدف المشترك...2- الاحترام المتبادل والمعاشرة بالمعروف ( ومن الأمثلة التي تبين حرص النبي على ذلك):
1- إرواء الحاجة إلى الحب عند الزوجة.
2- احترام حق الآخر في الاختلاف والتعبير عن مشاعره.
3- التضامن مع الشريك إلا في حالة الخطأ.
4- التعليم والتطوير المشترك بين الزوجين.
وبالنسبة للبند الرابع فقد أشارت الأستاذة حنان اللحام أن كثيراً من الزوجات يتأخرنّ عن التطور الفكري بسسب الانشغال بتربية الأطفال لذا لابد للزوج هنا من مساعدتها على تطوير فكرها ومساعدتها على متابعة تعليمها ..
أما بالنسبة للأطفال فلابد من مراعاة عدة نقاط أهمها:
1- حسن اختيار الاسم.
2- الحب والإكرام.
3- كون الأبوين قدوة حسنة.
4- تجنب التوجيه المباشر: من خلال التمييز بين التوجيه في العادات السلوكية وبين باقي التصرفات التي يترك فيها لاجتهاده.
5- لابد من وجود توازن في التربية من خلال تربية أطفال أقوياء ذوي شخصيات مستقلة وقدادرة على اتخاذ القرار إلى جانب اتسمهم بالتفاهم والاحترام لبقية أفراد الأسرة..
وفي السيرة النبوية أكبر الأمثلة على هذه التربية المتوازنة، وصورة السيدة فاطمة والسيدة زينب أكبر مثال على ذلك ولا يخف ما كان لهما من دور رائد واتسامهن بالشجاعة حتى أن السيدة فاطمة كانت تزيل عن أبوها الأذى وتتصدى للكفار، والنبي حتى مع أحفاده كان مربياً ناضجاً فقد حاول أن يضع لهما هدفاً منذ الصغر لكيلا يشعرا بالضياع ويشعرا بمكانتهما في المجتمع، كان يشير إلى الإمام الحسن وهو طفل صغير قائلاً:( إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)!
ختمت الأستاذة حنان اللحام المناقشة بالتركيز على ضرورة إجراء دورات تدريبية للزوجين لتهيئتهما قبل الإقبال على الحياة الزوجية..
كما أشارت إلى ضرورة عدم تحجج الأبوين بالانشغال عن الأطفال لأي سبب كان،
الحياة الأسرية وتربية الأطفال من الأولويات وهم مسؤولية كبيرة......
المصدر: مجلة الثرى الالكترونية