صدر عن كتاب البيان ضمن سلسلة الحركة النسوية في العالم العربي في 2006/1427 كتاب (الحركة النسوية وخلخلة المجتمعات الإسلامية : المجتمع المصري نموذجاً ) لمجموعة من الباحثين، وحرر الكتاب الهيثم زعفان، ويقع الكتاب في سبع فصول هي الفكر النسوي وثنية جديدة، والمجتمع المصري بين الحركة النسوية والمنظمات غير الحكومية، وقراءة في فاعليات الحركة النسوية المصرية، والفكر النسوي وتشكيل الخطاب السياسي، والآليات السياسية والتشريعية للحركة النسوية في مصر، والتمويل الأجنبي وأجندة الحركة النسوية، ومدافعة الفكر النسوي الضال.
ونستعرض في البداية تعريف النسوية بأنها دعوة إلى رفض التنوع البشري بين الذكر والأنثى والسعي بكل جهد في مهاجمته، والسعي في إلغائه أو إلغاء نتائجه، وما يترتب عليه، معتمدين في هذا على ما يدعونه من ضرورة المساواة التامة بين الذكر والأنثى في جميع المجالات، وإلا كان اظلم والبعد عن قيم التحضر والإنسانية.
وفي هذا الكتاب رصد الأحوال الفكرية التي يرجع إليها الفكر النسوي الغربي والحركة النسوية القائمة عليه.
وبلغ الشطط بالفكر النسوي إلى أن اتجه إلى الدعوة إلى الوثنية، وعبادة الطبيعة انطلاقاً من أن الطبيعة أنثى، ومن ثم فإن المرأة من خلال عبادتها لأنثى مثلها يمكن أن تحقق وجودها.
الفكر النسوي وثنية جديدة
يعرض الفصل الأول تحت عنوان الفكر النسوي وثنية جديدة لأعماق الفكر النسوي الموجه للحركة النسوية العالمية ليستخرج الفكر المكون لهذا العقل وأسسه وجذوره ومضامينه وموقفه من الرسالات السماوية ومستقبله، كما يكشف عن مدى ارتباطه بالوثنية وطبيعة العبادة الجديدة التي استحدثها هذا الفكر والتي يرى أنها كانت تمثل العبادة الأولى للبشرية.
يوضح الكاتب جهد الفكر الغربي النسوي لوضع فلسفة اجتماعية خاصة بالمرأة، وأن هذه الفلسفة أخذت في البحث والتقصي عن أسباب تدني منزلة المرأة، وتشويه صورتها في التاريخ قديما وحديثاً. ويعرف النسوية وجذورها، موضحاً أن الفكر النسوي ظهر كفلسفة ورؤية في فترة الستينيات من القرن العشرين، وكان المقصود به كما جاء في تعريف قاموس كامبردج للفلسفة، النسوية هي تلك الفلسفة الرافضة لربط الخبرة الإنسانية بخبرة الرجل ودون خبرة المرأة.
وتحت عنوان "النسوية الوثنية وتأليه الطبيعة/المرأة" كتب قائلاً : لقد حاول الفكر النسوي أن يجد في تاريخ الشعوب البدائية احترام وتقدير وتقديس للطبيعة التي كانت تجلب الخير وتهب الحياة، ولما كانت الطبيعة –في نظرهم- هي التي تنجب الإنسان عن طريق المرأة، أصبحت المرأة هي "الطبيعة في صورة إنسان"، ومن ثم صارت المرأة راعية للحياة وحامية لها وداعية إلى الخير، والخصب والنماء، مما أدى إلى تقديس المرأة ومن ثم تقديس الطبيعة، فهما شيء واحد، تقدم لهما القرابين، ويقام لهما الاحتفالات والطقوس،فحلت عبادة الطبيعة/المرأة.
وزعم الفكر الوثني أن الرجل ارتفع شأنه في العصور البدائية، عندما سيطر على النار، وعرف كيف يستغلها، ويحتفظ بها مشتعلة فترة طويلة، وبعد اكتشاف المعادن وصنع الأسلحة والإغارة على القبائل المجاورة وسلب ثرواتها كل هذا أعلى من شأن الرجل الذي أصبح هو المتحكم في الثروة والاقتصاد، وحتى لا تذهب هذه الثروة التي يجمعها الرجل إلى أولاده الذين ينتمون إلى الأم، شن الرجل حرباً على المرأة فزادت سطوته وسلطته فأصبحت المرأة من جملة الأشياء التي يملكها، فانهارت قدسية المرأة، وانهارت معها عبادة الطبيعة.
عبادة الإلهة الأنثى
وتحت عنوان "النسوية الوثنية وعبادة الإلهة/الأنثى" كتب المؤلف : أثار الفكر النسوي والوثني موضوعاً في غاية الخطورة، وهو خاص بتحديد جنس الله"سبحانه عما يصفون" هل هو ذكر أم أنثى؟ وهل يمكن أن نتحدث عن صفات أنوثية لله كما نتحدث عن صفات ذكورية له؟
يذهب الفكر النسوي إلى أن الرسالات السماوية تستخدم لغة ذكورية عندما تصف الله "سبحانه"، ففي زعم هذا الفكر فإن تحديد جنس أو نوع الله-سبحانه- يعتمد على اللغة التي يكتب بها نصوص هذه الرسالات، فإن كنا نستخدم لغة ذكورية –حسب الزعم النسوي- عند كتابة النص فإننا سنجد أمامنا إلهاً ذكراً يبغض المرأة ويعلي من شأن الرجل، أما إذا استخدم كُتاب هذه النصوص لغة أنثوية فسيكون أمامنا إلهة أنثى، لهذا يزعم الفكر النسوي أن الله –سبحانه- حسب اللغة الذكورية هو الأب وهو السيد وهو الملك ويرمز له بضمير الغائب المذكر هو He .
المجتمع المصري والنسوية
ويتناول الفصل الثاني تحت عنوان المجتمع المصري بين الحركة النسوية والمنظمات غير الحكومية الآلية التي تنتقل بها أجندة الحركة النسوية إلى المجتمع المصري من خلال تفكيك تلك الآلية لفهم استراتيجيتها داخل المجتمع وعلاقتها بالسلطة وطبيعة القائمين عليها والأدوار التي تقوم بها في مصر من أجل تطبيق تلك الأجندة.
ويكشف هذا الفصل حقيقة التمويل الأجنبي للمشروعات النسوية داخل المجتمع المصري قائلاً : وإذا كان التمويل الأجنبي يمثل "بنزين" أجندة الحركة النسوية، فإن المنظمات النسوية بمثابة السيارة التي تقوم بتوصيل الأجندة للمرأة المسلمة.
وواقع المنظمات غير الحكومية المصرية في ظل القوانين الاشتراكية لم يكن يسمح بالقيام بهذا الدور الاستراتيجي، ومن ثم كان لابد من إحداث التحول، هذا التحول الذي أخذ أشكالاً عدة، منها : ممارسة الضغوط لتغيير قانون الجمعيات الأهلية رقم 32 لسنة 1964، وكذا استحداث منظمات جديدة تلتف على القوانين، وذلك في صورة شركات أطلق عليها مدنية، والأهم من ذلك إحداث التحول في فلسفة المنظمات الخيرية من عمل تطوعي غير هادف للربح إلى "دكان" يدر دخولاً منتظمة لأصحابها بصورة يقول عنها رضا هلال: "الأمر المؤكد أن التمويل الأجنبي أفسد جمعيات المجتمع المدني في مصر فتحولت إلى بيزنس "
ومارست المنظمات النسوية غير الحكومية أدوارها وفق استراتيجيات منهجية وضعتها نشيطات الحركة النسوية، واجتهدت في تطبيق الأجندة النسوية وتنفيذ مقررات المؤتمرات الدولية، خاصة القاهرة للسكان، ومؤتمر بكين، وذلك بكفاءة عالية تضمن بها استمرار حياة الرفاهية من خلال التمويل الأجنبي.
ويوضح الفصل استراتيجيات عمل المنظمات النسوية في مصر، وهي تقسيم المجتمع ونسونة الجمعيات المصرية، والتشبيك، والاتصال على مرحلتين، ونظرية المحاكاة، والإقراض الربوي. كما يوضح الفصل الثاني الوضع القانوني للمنظمات غير الحكومية في مصر، وجهود المنظمات النسوية في تنفيذ مقررات بكين في مصر.
ويأتي الفصل الثالث تحت عنوان قراءة في فاعليات الحركة النسوية المصرية، ويتناول قراءة في الفاعليات التي تجريها المنظمات الأهلية في مصر، سواء كانت غير حكومية أو شبه حكومية، تلك الفاعليات المتمثلة في المؤتمرات والندوات وورش العمل والدراسات التي تجريها تلك المنظمات، ويصل الكاتب إلى العديد من الحقائق التي توضح تطابق الخطاب المحلي مع الخطاب الدولي والتي يحاول البعض أن يوضح أنها نابعة من ثقافتنا وليست مفروضة علينا.
ويلقي الضوء حول آليات الحركة النسوية في مصر ويبين مدى تأثيرها على المجتمع المصري، سواء بالسلب أو بالإيجاب، مع قراءة لأوراقها ورصد ما تطرحه هذه الآليات من أفكار ورؤى.
خطة الحركة النسوية
ويقول الكاتب أن الدول الغربية تعمل على استغلال سبل المؤتمرات والندوات وورش العمل والأبحاث، والدراسات للوصول إلى تنفيذ مخططاتها ونشر الفكر النسوي داخل البلدان الإسلامية، وبهذه الآلية استطاعت الدول الغربية تدعيم المنظمات النسوية المختلفة والربط بينها، لتشكل رابطة ضغط على الحكومات.
وبالنظر إلى ما تطرحه هذه المؤتمرات والندوات النسوية في مصر نجد أنها تعمل على عدة أمور منها:
1.نشر الانحلال الخلقي والدعوة إلى الحرية الجنسية.
2.استهداف الجذور بمعاداة الدين والتقاليد والهوية واللغة تحت مسمى تغيير القوالب الثابتة.
3.نشر ثقافة الاستسلام والقبول بالأمر الواقع باسم السلام.
4.تأليب النساء وتحريضهن ضد المجتمع باسم المطالبة بالحقوق.
5.العمل على معاداة الشريعة أو تأويل النصوص لتتفق مع أطروحاتهم.
6.تنفيذ الأجندة الغربية بالتعاون مع السلطة والنخبة.
7.القياس بمقاييس علمانية.
8.تخريب المجتمع من الداخل.
9.ممارسة الاحتيال الفكري وخداع الجماهير.
توصيات
وتوصل الكاتب إلى مجموعة من التوصيات هي:
1.إقامة المؤتمرات المناهضة للحركة النسوية، وعمل الأبحاث والدراسات وورش العمل التي تتناول كيفية مواجهة هذا الخطر النسوي الموجه.
2.تعرية الرموز النسوية والفكر النسوي بإلقاء الضوء عليه وفضح مخططاته من خلال الأبحاث والدراسات وورش العمل.
3.إبراز مجموعات من النساء المسلمات المثقفات للعمل على نهوض المرأة المسلمة والمطالبة بحقها وفق الشرع كبديل للجمعيات النسوية العلمانية التي تنفذ المخطط الغربي.
4.إنشاء مجلس عربي إسلامي للمرأة يعمل على دعم المنظمات والجمعيات الإسلامية المناهضة للنسوية.
5.استغلال الإعلام كأحد الوسائل المهمة التي تستخدمها الجمعيات النسوية.
6.التمسك بالإسلام كدين وعقيدة وثقافة كحائط صد أخير أمام هذه الهجمات.
النسوية والخطاب السياسي
ويتعرض الفصل الرابع لدور الفكر النسوي في تشكيل الخطاب السياسي المحرك للسلطة الفوقية، وذلك من خلال توضيح كيفية صناعة خطاب سياسي نسوي، ويذهب الكاتب إلى تشكيل خطاب السيدة الأولى من خلال نموذج السيدة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويوضح الفصل أن الفكر النسوي أراد أن يضع استراتيجية عامة تسير عليها المجتمعات البشرية عامة والمجتمعات الإسلامية خاصة.
آليات الحركة النسوية
أما الفصل الخامس فيأتي بعنوان الآليات السياسية والتشريعية للحركة النسوية في مصر، ويحاول هذا الفصل إلقاء الضوء على كيفية توظيف الشخصيات التي تم تشكيلها للآليات السياسية والتشريعية من أجل تهيئة المناخ للوصول لمواقع صنع القرار، كما يشير إلى ما حققته من تغييرات داخل المجتمع المصري على المستويين السياسي والتشريعي.
وينتهي الفصل إلى مجموعة من النتائج منها أنه من الواضح مع بداية الألفية الثالثة تبني القيادة السياسية مطالب الحركة النسوية نحو تجديد ثقافة المساواة ووضع تلك المطالب على سلم أولويات الحكومة، ومن ثم حدوث تحول من اتجاه "الممانعة" إلى اتجاه القبول الصريح ولكن بشكل تدريجي، وعلى نحو غير تصادمي، خاصة مع علماء الدين. أما في المجال السياسي فتسعى الحركة النسوية في مصر للترويج لاستراتيجيتها بالإعلان عن أنها تنطلق من فكرة فك الاشتباك بين الشأن العام والشأن الخاص وتعزيز ومساندة دور المرأة ليصبح العام خاصاً والخاص عاماً، إلا أن الحقيقة هي انحياز الحركة النسوية للعام على حساب الخاص بالحديث عن تمكين المرأة في مواقع صنع القرار، وضرورة تبوئها أعلى المناصب القيادية كرئاسة الجامعات والوكالات النيابية، الوزارات والقضاء.أما في مجال التشريعات، وانسجاماً مع العمل على صعيد السياسات تسعى الحركة النسوية إلى الغاء التحفظات المصرية على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ومن ثم إجراء تعديلات في العديد من القوانين وإصدار تشريعات جديدة تعزز وضعية المرأة وتحقق المساواة بينها وبين الرجل"وفقاً لرؤية الطرح النسوي الغربي".
النسوية والتمويل الأجنبي
أما الفصل السادس فيكشف حقائق التمويل للحركة النسوية المصرية تحت عنوان التمويل الأجنبي وأجندة الحركة النسوية، مجيباً على أسئلة مثل من أين تأتي الأموال المحركة لكل ما سبق، وما هي طبيعتها؟ ولماذا يمن الغرب علينا بها؟ وهل تحمل في طياتها أهدافاًَ تضر بمصالح العالم الإسلامي بصفة عامة ومصر بصفة خاصة؟ وهل هناك فعلاً أرقام يمكن رصدها في هذا الصدد؟ ويعدد الجهات المانحة لمصر ويذكر أسماءها.
مقاومة الفكر النسوي
ويتناول الفصل السابع والأخير بعنوان مدافعة الفكر النسوي الضال، وسائل مقاومة ومواجهة الفكر النسوي ، ويضع الفصل بعض البدائل والتصورات في كيفية مدافعة الفكر النسوي، ففيما يتعلق بالمجال الفكري النظري، تقوم المرجعية للفكر النسوي على مجموعة من الأفكار والتصورات منقولة عن الغرب النصراني، فهي لا تمثل احتياجاً حقيقياً للمرأة المسلمة أو المجتمع المسلم، وإنما تمثل في حقيقتها الرغبة في التقليد وإتباع الأمم الظاهرة الغالبة، وقد أشار إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله ! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟". وعلى ذلك فإن الجانب النظري في مدافعة هذا الفكر يعتمد على عرضه أو عرض القضايا الكبرى فيه، وبيان مخالفتها لشريعة المسلمين.
أما في المجال العملي فيعرض الكاتب وسيلة تعتمد على طول النفس ويسميها التربية الوقائية، وهذا بتلقين الأطفال في صغرهم قبل ذهابهم إلى المدارس مجموعة من الجمل الصحيحة التي تحتوى على معارف الدين ومبدأ قال الله وقال الرسول حتى تترسخ في وجدانهم، مع مراعاة المرحلة السنية التي يمر بها الابن أو الابنة، بحيث يمثل هذا حائط صد أمام أي فكر مخالف للشريعة.
ويعرض الكاتب بعض وسائل المواجهة مع الفكر النسوي مثل استخدام الإعلام، وكتاب الطفل لمقاومة الفكر النسوي، وإقامة الندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي تبين حقيقة الفكر النسوي وأخطاره، ومعاداته للدين والشريعة.
ولاء الشملول
المصدر: موقع لها أون لاين