لا أحد يستمع لي.. لا أحد يفهمني.. لا أحد يفكر بي!
خالد الحارثي - كاتب سعودي
صرخات دائمًا نسمعها من فتياتنا، فهن يعتقدن أن الجميع قد تخلى عنهن، ولا يوجد من يفكر فيهن أصلًا، فتجد البعض منهن يسلك مسلكًا خاطئًا كنوع من ردّة الفعل، فحرصنا على أن نعالج قضاياهن وهمومهن من خلال هذا البحث مع مجموعة من أساتذة علم النفس:
كيف يكون شعور الفتاة تجاه الآخرين في مرحلة المراهقة؟
- تقول الدكتورة أماني غازي أستاذة علم النفس: الفتاة في هذه المرحلة تكون قد وَدَّعت عالم الطفولة، ودخلت في عالم الخيال الحالم، فهي عادة ما تجد صعوبة في هذه الفترة في إقناع مَنْ حولها أنها لم تعد طفلة، بل إنها فتاة لها رأيها، ولها ثقافتها وخصوصيتها وأحلامها التي تطمح للحصول عليها، فهذه المرحلة هي مرحلة إثبات الذات، فتبدأ منها الفتاة بتكوين شخصية خاصة بها، وتحاول تبني آراء وأفكار وأذواق ولو كانت مخالفة، المهم أن تكون معبرة عن قناعاتها وعن شخصيتها.
وهذه المرحلة العمرية لها صفات وسمات، ويمكن أن تستغل فتتحول إلى إيجابيات، أو أن ينظر لها نظرة تشاؤمية فتكون حينئذ سلبيات، وقد تكون مدمرة.
وللأسف إن غالبية فئات المجتمع ينظرون لهذه المرحلة نظرة تشاؤمية وسوداوية، وكأن الفتاة قنبلة موقوتة قد قرب وقت انفجارها، فيبدؤون بناء الأسوار حول هذه الفتاة لكيلا تنحرف وتنجر وراء أهوائها.
إذن ما أبرز سمات هذه المرحلة ؟
- تقول الدكتورة أماني: الفتاة عادة تتسم بسمات كثيرة في هذه المرحلة، فمنها على سبيل المثال لا الحصر:
1- عاطفتها الجياشة.
2- حماسها المتوقد.
3- إرادتها وإصرارها.
4- ذاكرتها الحافظة.
5- نشاطها الملتهب.
6- ترددها في اتخاذ القرار.
7- خيالها الواسع.
8- أحلامها المثالية.
9- قلة الخبرة، وعدم النضج.
10-عدم وضوح الرؤية المستقبلية، وذلك لانعدام الجدية في مرحلة الطفولة.
11- ثقتها الزائدة بكل من حولها.
وهذه السمات منها ما هو جيد، ويساعد الفتاة على بناء شخصيتها، وتحديد رسالتها، والوضوح لرؤيتها لتكون بعد ذلك فتاة فاعلة مبادرة ذات معنى، وتعيش على مبدأ.
هل بالإمكان أن تذكري لنا أسباب انحراف سلوك بعض الفتيات في هذه المرحلة؟
- يعلو صوت الدكتورة أماني وتقول: عندما نتكلم عن الانحراف فلا بد أن يكون حديثنا منصفًا عادلًا، فالانحراف ليس مختصًا بهذه الفترة، بل إن هذه الفترة مظلة انحراف، لكنها ليست بيئة للانحراف، لأن الانحراف راجع لمبادئ وقيم ونظرة وتفكير، فالانحراف ليس بسبب!
الفترة العمرية التي تعيشها، تجدها فى المراهق– الرجل، المرأة– فسبب الانحراف: خلل في صحتها النفسية، وليست المرحلة العمرية هي السبب.
صحيح أن هناك من الفتيات من تنزلق وتنحرف في مطلع حياتها، لكن بنظري أنها لم تنحرف لأنها أصبحت فتاة، فلا يحسن بنا إسقاط سبب الانحراف على هذه المرحلة، فعلى العكس، هذه المرحلة تتسم بالانطلاق نحو الاتزان والانبثاق على التميز، لكن على أية حال فقد تمر الفتاة بحالة من الانحراف بسبب ظروف نفسية، أو أسرية، فمثلًا: فتاة تعيش في بيئة تعاني من التفكك الأسري، ففرت هاربة من هذا الواقع، ولأنها صاحبة نظرة تشاؤمية، وإنسانية سلبية هرعت إلى إقامة علاقة محرمة لتشبع هذه الجوعة التي تعيشها، ولو أنها مثلًا غيّرت في طريقة تفكيرها، وكانت إنسانة إيجابية تحب التفاؤل لحركت هذه العاطفة التي لديها لتغدق الحب والحنان على من حولها، فمن يحتاج ويعيش جوعة في مثل ظروفها من والدين وإخوة، فإنها بذلك تشبع جوعتها، وتخلق بالحب أجواءً تساعد على حل مثل هذه المشاكل، أو حتى تخفف وطأة المعاناة على الأقل.
خلاصة الأمر: إن كل شخص يملك صفات وسمات تتسم بها شخصيته، وهو وحده من يستطيع أن يجعلها إيجابية أو سلبية، فنظرته وطريقة تفكيره هي ما يجعله يقرر ما سيكون عليه منحرفًا أو منضبطًا، ولا أظن أن هذه المرحلة سبب رئيس للانحراف.
كيف يمكن للفتاة أن تستغل مواهبها وطاقاتها في وقت طغت فيه الفتن، وتوفرت فيه وسائل الترف واللهو؟
- تردُّ الدكتورة أماني فتقول: الفتاة أمامها فرص كبيرة وكثيرة، وخصوصًا أنها في مطلع حياتها، فبإمكانها الحصول على ما تريده متى ما خططت لذلك تخــطيـــطًا جيدًا ومثمرًا، والفتاة تمتلك مواهب عديدة، فعليها أن تتأمل في شخصيتها لتعرّف بشكل واضح نقاط قوتها وضعفها، ولا بد أن يكون لكل فتاة مشروع تتبناه، ليصل صوتها إلى العالم من خلال هذا
المشروع، فكم من مشروع ضخم بدأ بإنسان واحد لكنه كان مبادرًا،
وموضوع مثل هذا يحتاج لأوراق كثيرة وساعات إضافية، ولكن أختصر هذا كله بما يلي:
لا بد أن تحدد الفتاة مسار حياتها، وذلك من خلال رسالتها الشخصية، وما تهدف إليه، وما تود الوصول إليه، وإستراتيجية الوصول بحيث تخرج بإنجازات، وتترك فيمن حولها بصمات.
فمثلًا: لو كانت الفتاة تملك حافظة قوية وشغفًا بالعلم، فإننا حينئذ ننصحها بأن تتوجه لحفظ القرآن الكريم، وأن تثري ملكتها بمفردات لغوية كثيرة من خلال الاطلاع والقراءة، وحفظ أبيات الشعر المفيد، ودراسة الأحاديث والسيرة النبوية، فتقضي وقتها بين الكتاب والشريط حتى تنمو شيئًا فشيئًا فتصبح موسوعة علمية تمشي على الأرض.
بينما لو كانت الفتاة لا تملك هذا، لكنها تمتلك شخصية جذابة وقدرة في التواصل مع المجتمع، وتكون شخصيتها ذات طابع قيادي واجتماعي، فإنها تستثمر ذلك بأن تنظم لقاءات وتحضر المجالس، وقد تكون مناسبة لقيادة مجموعة من الفتيات في تأسيس مشروع يخدم الفتيات.
وهكذا فيمن تجد نفسها في مجال الإعلام أو التدريب، وغير ذلك الكثير، ودعيني أضرب لك مثلًا بفتاة صغيرة استطاعت أن تخدم دينها، وأن تخلد اسمها بعمل شجاع استغلت فيه ذكاءها وقدرتها على التخطيط بنجاح والعمل بجدية، وأعني بذلك ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق– رضي الله عنهما– عندما كانت تحمل الطعام لرسول الله " صلى الله عليه وسلم" وصاحبه في الغار- أبيها أبي بكر الصديق رضوان الله عليه- حتى لقبها الرسول " صلى الله عليه وسلم" بذات النطاقين.
فالفتاة تستطيع أن تؤثّر في مجتمعها، وأن تكون ذات بصمة، لكن فقط عندما تقرر أن تكون كذلك، والتاريخ مليء بنماذج من أولئك الفتيات اللواتي صنعن تاريخًا مجيدًا ومواقف خالدة بأنفسهن.
كيف تستطيع الفتاة أن تحدد رسالتها في الحياة؟
- وتجيب الدكتورة نادرة شكري وتقول: تحديد الرسالة في الحياة لا بد له من معرفة نوع الشخصية وتطلعاتها وقدراتها، والشبكة العنكبوتية مليئة باختبارات الشخصية، والكتب الخاصة بتطوير الذات واكتشافها، والتعرف على القدرات تزدحم بها أرفف المكتبات.
ومهما كانت شخصية الفرد، فإنه يحتم عليه أن يجعل له ساعة من كل يوم للاطلاع، واكتساب الخبرات وإثراء المعلومات وصقل المهارات، ومازلت أقول لمن هم حولي: فَرِّط في ساعة نومك وأكلك، ولكن إياك أن تفرط في ساعة قراءتك واطلاعك، يكفيكم أن أول آية نزلت من القرآن الكريم هي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1: العلق).
في الختام ما الأسباب المطلوبة لحماية الفتاة من الانحراف؟
- تقول الدكتورة نادرة: هناك عوامل داخلية وأخرى خارجية، فالأسباب الخارجية تتمثَّل في دور الأسرة والمدرسة والصديقات، فللأسرة دور كبير في مسار الفتاة، فإذا استطاعت كل أسرة من أسر المجتمع إغداق الحب على الفتاة ومنحها الثقة، وتعزيز المراقبة الذاتية لها، فلا شك أنها ستساعد على حفظ الفتاة من الانحراف، وكذلك المدرسة، وبخاصة المعلمة فكلمات المعلمة يكون لها الأثر البالغ في نفس الطالبة، ومازالت أصداء كلمات معلماتنا تتردد في مسامعنا.
والصديقات.. فللصديقات أثر عظيم، لأن المرء لا يكتشف عيوبه من خلال منظاره الخاص، بل أصحابه هم من يُبَصرونه بعيوبه ليقوم بإصلاحها، وليس هناك من سبيل للاستغناء عن الصحبة، ودائمًا أتأمل قوله تعالى: { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ…} (الأنعام: 25)، فإذا كان رسول الله " صلى الله عليه وسلم" مأمورًا بأن يصبر نفسه مع جماعة من أهل الخير، فنحن أولى وأحرى.
أما العوامل الداخلية، فإنها تنبع من ذات الفتاة نفسها، وتتلخص في كلمة واحدة وهي (طريقة تفكيرها) فمتى كانت طريقة تفكير الفتاة إيجابية وتفاؤلية، فإنها (بإذن الله) ستحفظ نفسها عن الانحراف، فإيجابياتها تدفعها لكثرة دعاء الله تعالى بأن يحفظها، وبإيجابيتها ستبادر لتجميل نفسها بالمبادئ والقيم.
«صرخة مراهقة»
- التفاصيل