في استبانة أجريت حول دور الأب العربي في الأسرة في وقتنا الحاضر، وُجِّه هذا السؤال إلى بائع بسيط: في رأيك ما هو الدور الحالي للأب في أسرته؟
فأجاب:أن يكون موجوداً..!
لم يستطع هذا البائع لبساطته أن يحدد دوراً واضحاً وواجبات محددة للأب على الرغم من كونه أباً لثلاثة أبناء منذ 22 عاماً. ولكن إجابته الوجيزة كانت شاملة لكثير من المعاني متضمنة للأدوار المطلوبة من الأب الناجح، الذي لابد أن يكون موجوداً! عزيزي المربي
إذا كان الكثير يعتقدون أن دور الأم أكثر أهميّة في حياة الطفل من دور الأب، بينما الواقع يؤكد أن دور الأب يحمل الأهميّة عينها، إذ إن أصول التنشئة السليمة تقتضي وجود الأب والأم أثناء تطوّر الطفل ونموّه، فالطفل في صغره لا يعرف ولا يميز بين الخير والشر، والصواب والخطأ، إنما لديه دافع فطري نحو طاعة من يوجهه ويرشده، فإن لم يجد هذه السلطة الموجِّهة الضابطة لتصرفاته، فإنه ينشأ قلقاً حائراً ضعيف الإرادة والشخصية. (د.عدنان حسن باحارث: مسؤولية الأب المسلم في تربية ولده،ص:82).
لماذا يغيب الأب عن الأسرة؟
قد يكون غياب الأب قدراً محتوماً لا اختيار فيه في حالة الوفاة، وقد يكون غياباً عامداً للكثير من الأسباب، من أهمها:
- نوع العمل الذي يمارسه الأب قد يضطره أحيانا؛ لقضاء بعض الوقت في مدينة أخرى أو العيش فيها لفترات طويلة بعيداً عن أسرته.
- كثرة المشاغل، فقد يعمل الأب في المدينة نفسها، ولكن لكثرة مشاغله لا يتواجد مع أسرته إلا في أوقات النوم فقط غافلاً عن حياته الأسرية وأبنائه.
- كثرة الخلافات الزوجية، والجو المشحون بالتوتر بين الزوجين، والتي تدفع الأب للبقاء طويلا خارج المنزل تحاشياً للصدام مع الأم.
- اللامبالاة والاستهتار بمسؤولية تربية الأبناء، وعدم إدراك الأب لأهمية دوره التربوي في حياة أبنائه، وعدم إدراكه للعواقب الوخيمة لهذا التساهل. ومهما يكن من أمر، فإن غياب الأب يمهد الأجواء لظهور مشاكل واضطرابات عديدة، وفقدان الأم السيطرة على زمام أمور الأطفال، مما سيدفعهم نحو مستقبل مجهول، ويتّضح هذا الدور عند غياب الأب حيث يصبح الطفل خارجاً عن السيطرة. أهمية وجود الأب:
إنّ وجود الأب وسط أبنائه يدعم صورة الأسرة الصحيحة، ويرمز إلى السلطة والمسؤولية والأمان والاستقرار، ويحافظ على الانضباط والنظام داخل الأسرة، مما يكمل دور الأم الذي يتميز بإغداق المحبة والحنان.
ويحتاج الطفل إلى تواجد أبيه بجواره جسدياً وروحياً، ويمنحه هذا التواجد الاستقرار النفسي والقوة والقيم الأخلاقية، إذ يتصور الطفل أن أباه على علم بجميع المبادئ والقواعد، ونراه في الغالب يدافع عنه، ويفتخر به، ويشعر بالاستقرار إلى جانبه. (هداية الله أحمد الشاش: موسوعة التربية العملية للطفل،ص:104).
ويحتل الأب بجدارة مركز القدوة العملية الملقِّنَة للقيم في حياة الطفل؛ فقدرة الطفل على الالتقاط الواعي والغير واعي كبيرة جداً، وأحب شيء إليه أن يقلد أباه ثم أمه، فإذا غاب الأب بات مكانه شاغراً أو ملأته قدوة سيئة يقلدها الطفل، وكلاهما سيء الأثر على تربيته. (كريم الشاذلي: الآن أنت أب،ص:74 بتصرف).
ومعلوم أنّ حنان الأب يجنّب الطفل الشعور بالقلق والخوف، يزيد من إحساسه بالثقة بالنفس وتقدير الذات ويحدّ من شعوره بالعدائية، ومن خلال التوجيه الأبوي القائم على النصح والإرشاد وتقويم الأخطاء يتكوّن الضمير والمثال الأعلى للطفل.
كما يمثل الأب النافذة التي يطل منها أبناؤه على مجتمعهم ويتعرفون عليه من خلاله، وذلك لأن الأب بحكم مسؤولياته هو عضو الأسرة الأكثر تواجداً خارج المنزل، وبالتالي فإنّ أبناءه ينظرون إليه كصلة أساسية بينهم وبين العالم الخارجيً؛ فشكل الأب عند دخوله المنزل يعبر للأبناء عن نوعية الحياة خارج المنزل. هل هي حياة ممتعة سعيدة؟ أم أنها شيء كريه يثقل عاتق من يخرج إليه، إن مزاج الأب الذي يصل إلي المنزل يحدد سير حياة أبنائه.
كذلك يكتسب الطفل من خلال حديثه العادي مع والده الكثير من المعلومات عن الدين وقيم الصواب والخطأ، والاقتصاد والسياسة و التكنولوجيا، بل إنّ الكلمات التي يستخدمها الأب في تعبيره عن أحداث يومه تؤثر هي أيضاً تأثيراً كبيراً في الأبناء وفي نظرتهم للحياة والعمل.
غياب الأب قد يؤدي إلى الإعاقة..!
وإذا تعرّض الطفل لغياب الأب بشكل دائم، فقد يحدث له إعاقة في النمو الفكري والعقلي والجسمي، خصوصاً إذا كان هذا الحرمان من الأبوة في السنّ التي تتراوح ما بين الثانية والسادسة، وذلك لأن تطور الطفل ونموه بشكل سوي وطبيعي يتطلب وجود الأب، فهو الحامي للأسرة، والراعي والمسؤول عن توفير الاحتياجات الضرورية للطفل في هذه المرحلة الهامة من حياته. (مقال: الأبوة كنز لا يفنى دروسه، موقع مجلة: ولدي العدد 3/على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت").
وهذا يؤثر سلبياً على تحديد الهوية الجنسية للطفل:
يعتمد الطفل على والديه اعتماداً وثيقاً في إدراك الدور الذكري و الأنثوي، و الذي لا يتم إلا من خلال وجود كل من الأب والأم داخل الأسرة؛ ولذلك قد يتخلّل تصرفات الطفل نوع من التردد والالتباس في تحديد دوره الجنسي في غياب الأب.
فالأب يلعب دوراً كبيراً في تشكيل ملامح السلوكيات التي تتناسب مع جنس الطفل، فالطفل الذكر يستمد صفات الذكورة من الأب في ملبسه وطريقة كلامه ومعاملته للآخرين.
و يساهم الأب أيضاً في تعميق شعور الفتاة بدورها الأنثوي، عن طريق معاملته المختلفة لابنته عن إخوانها الذكور، وتذكيرها بما يجب وما لا يجب أن تفعله كأنثى، مما يرسخ الشعور الأنثوي لديها ويدعم تقبلها لذاتها.
وقد يفقد الأب نفوذه داخل الأسرة:
إنّ غياب الأب عن أسرته يقلل من نفوذه؛ مما يخلق شعورا عند الأولاد بأنه لا داعي للالتزام بقوانين الأسرة، أو إطاعة الأوامر والنواهي. وسوف يلجأ الطفل إلى التحلل من الضوابط الأخلاقية ويشتد ميله إلى نظرائه في السن فينعدم الاتزان في عملية التربية.
ما هو دور الأم تجاه أطفالها في غياب الأب؟
قد تضطر الظروف الزوجة إلي تحمل مسؤولية أطفالها وحدها، إما لسفر الزوج أو وفاته أو لانفصالهما، وعندئذ سيكون دورها مضاعفاً، في محاولة منها لتعويض دور الأب الغائب فكيف تستطيع القيام بهذا الدور وحدها؟.. يقدم لها الخبراء هذه النصائح:
- الاستعانة بالله تعالى في أداء مهمتها، وكثرة الدعاء للأبناء بالصلاح والتوفيق، وهذا اللجوء إلى الله تعالى يعد من أهم وأقوى الأسباب التي تعين الأم على أداء دورها في تربية الأبناء بنجاح في ظل ظروف غير عادية مع غياب الأب عن المشهد التربوي.
- حري بالأب المضطر لغياب طويل عن البيت أن يدعم مكانة الأم، ويقوي موقعها، ويحث الأطفال على طاعتها، وذلك للتقليل من أعراض الغيبة، أو أن يساهم في حل المشكلة التي قد تعترض لها الأم ويلزم ولده بإطاعة أوامرها والانتهاء عن نواهيها.
- استغلال الأب والأم كل وسائل الاتصال الحديثة - والتي قصّرت مسافات السفر بشكل كبير- في متابعة الأبناء عن بعد، من خلال الاتصال التليفوني، التواصل عبر الانترنت بالصوت والصورة، استغلال كل فرصة متاحة للتواجد مع الأبناء ولو لفترات قصيرة؛ لأن ذلك يدعم ويساند الأم بشكل كبير جداً.
- تدعيم علاقة الأبناء بأقرب شخص مناسب يمكن أن يؤدي دور الأب ولو جزئياً، ويعين الأم في متابعة الأبناء، مثل الجد، أو الخال أو العم.
- تتعرف الأم من خلال صديقاتها وقريباتها اللاتي تثق فيهن علي تجارب من تعرضت منهن لمثل هذه الظروف قبلها وكيف تغلبن عليها.
- على الأم أن تمنح أبناءها قدراً كبيراً من التفرغ، حتى يتسنى لها أن تتابعهم، وألا تشغل نفسها بأمور أو أنشطة غير ضرورية حتى لا يؤثر ذلك على رعايتها لأطفالها.
- التحلي بروح التفاؤل، والابتعاد عن الأحاسيس والمشاعر السلبي، مثل الشعور بالرهبة من قيامها بمسؤوليات لم تعتد عليها، مثل: توصيل الأبناء إلي المدارس أو النادي، أو حل المشاكل التي تقابلهم في حياتهم اليومية.
- لا يعني غياب الأب أن تنقاد الأم لكل طلبات الأبناء إشفاقاً عليهم؛ بدافع تعويض غياب الأب وذلك حتى لا تفقد السيطرة عليهم أو تفسد تربيتهم.
- من أهم ما ننصح به الأم في مثل هذه الظروف: المحافظة على صورة الأب الغائب؛ لأن الأب سيظل هو الرمز للكثير من القيم والمعاني الإيجابية في مخيلة أبنائه، وهم محتاجون لوجود هذا الرمز في حياتهم لأجل أن يشبوا بطريقة آمنة ويتمتعوا بنفسيات سوية. وأخيراً عزيزي المربي
قد يكون قاسيا على الطفل أن يتحمل غياب الأب في البداية، لكنه سرعان ما يعتاد على هذا الوضع الجديد.. وبالتدريج يضيق ذرعاً بوجود الأب.. وتنهار تربيته وإعداده. لقد آنْ الأوان لعودة الآباء إلى ممارسة دورهم الفعّال في أسرهم ومع أبنائهم.
لقد حان الوقت ليكون الأب موجوداً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع: مسؤولية الأب المسلم في تربية ولده: د.عدنان حسن باحارث. موسوعة التربية العملية للطفل:هداية الله أحمد الشاش. الآن أنت أب: كريم الشاذلي. موقع مجلة الأسرة على شبكة الانترنت.