عبدالكريم الملا
الشرق القطرية
هناك مراحل صعبة جداً تمر على الإنسان سواء في مرحلة الطفولة أو الشباب أو كرجل. وهي متعلقة بعلاقاتنا مع الآخرين سواء علاقة صداقة أم بين الأب والابن أو بين الزوجين أو بين أصحاب في العمل. وفي هذه المرحلة لا بد وان تكون صاحب قرار لأنك أمام أمرين إما أن تخسر صديقك أو تواصل معه الدرب، وهذا ينطبق على الزوجين وبين الأب وابنه..
أحد الآباء يحدثني عن مشكلته مع ابنه المراهق، فليس هناك نقطة اتفاق ابداً، فإذا دخل الأب المنزل تجده يخرج منه فوراً، وإذا جلس في غرفة الجلوس إذا به يدخل غرفته، وإذا اراد أن يتحدث إليه بدأ الابن في الهجوم عليه "نعم أنا ولد عاق وسيئ وأدخن وفاشل دراسياً... وأنت إنسان متفوق وناجح وما تدخن أنت نبي وانا فرعون... خلاص" ويدخل غرفته في حالة من الغضب.
هذه النقطة حرجة جدا للأب وللابن والكل يريد الحل ولكن لا يتقن الوصول إليه حتى وصل الحال إلى ماهو عليه الآن، نقطة حرجة لأن المواصلة في نفس الطريقين المعارضين والمختلفين تكون العاقبة وخيمة جداً لكلا الطرفين.
هذا الموقف يذكرنا بموقف آخر بين أم وابنتها حيث تم الخصام قرابة سنة كاملة حتى في المناسبات والأعياد لم يتم التحاور بينهما أو التهنئة بالعيد، بل الصمت المطبق، قد يجلسان في مكان واحد ويشاهدان مسلسلا معينا ولكن لا حديث بينهما، بل يأكلان الوجبات الثلاث معاً ولكن بدون أي رد، أو حوار بينهما بل صارت البنت تخرج من المنزل ولا تريد أن يحاسبها أحد أو يسألها، تأمل معي حال الأم لا حوار ولا حديث وليس من حقها أن تسأل عن ابنتها، يتم التعامل معها انها سبب كل مشكلة وعليها أن تقبل بكل الأمور. إذا استمرت هذه الحالة ماذا تتوقع نهاية المطاف؟.
نفس المشكلة بين الزوجين عندما ينعدم الحوار، نجد أن الرجل يعيش معزولاً عن الطرف الآخر فبرنامجه عمل في الفترة الصباحية ونوم بعد الرجوع من العمل وسهر مع الأصحاب إلى منتصف الليل، والزوجة مع الأطفال وبيت أبيها أو مع صديقاتها أو من مجمع إلى آخر ومن كوفي شوب إلى سهرة مع الصديقات.. فماذا تتوقع نهاية المطاف بين الإثنين؟.
ويتكرر الحال بين الأصدقاء من علاقة قوية ومحبة بل لا يفترقان، من حضورهما للعمل وخروجهما لأي مجمع أو قضاء مصلحة معينة وزيارة للأهل والأصحاب... ولكن قد يحدث خلاف بينهما أو وشاية بين الطرفين أو شعور بالإهانه، وإذا بالأمور تتغير 180 درجة ويتحول الحب إلى عداء وكراهية... وتستمر الأمور بعكس ما كانت عليه.
نعم هذه مواقف من واقع حياتنا تمر علينا ويتحسر الإنسان على هذا التغير بل يصبح الحليم حيرانا، لماذا هذه الكراهية؟ كنا في حالة حب وسلام كنا متزوجين يحسدنا الناس على مدى الحب بيننا، كنا اصدقاء.. وآباء نعيش مع بيوتنا في حب وسلام لماذا تغير الحال؟... السؤال المهم كيف نتدارك أوضاعنا...؟
هذه حالات حرجة تحدث كثيراً بين الناس، والحل ليس في التفكير في أخطاء الآخرين ولا في الحديث عن الأحداث الماضية، الحل في اتخاذ قرار إما الاستمرار في إرجاع الأمور إلى نصابها وإصلاح ذات البين؛ أو فراق وعدم التقاء الطرفين.
إذن هذه أحداث تحتاج إلى موقف وإلى قرار والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعرض لنا الحل في حديث عظيم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري.
حل عملي يعالج الموضوع بوضوح وشفافية نعم هناك خلاف وأخطاء من قبل الطرفين، ولكن إذا كنت جاداً تبحث عن حل فالحل بكل وضوح هو أن تبدأ بالسلام وتتنازل عن بعض الحقوق.
والقضية بعيدة عن الكرامة لأننا إذا تحدثنا عن المشكلة إنها متعلقة بالكرامة وتقليل من شأن الطرفين، ضاع الأمر وتمسك كل طرف برأيه، وعلت الأصوات ولن نصل إلى حل، فمن القوة أن تتحكم في رغباتك الشخصية وحض النفس، فتوقف النفس عند حد معين، وتقول كما قال الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، إنه لموقف شجاع وانتصار عظيم على النفس ورغباتها واتباع وتسليم إلى أمر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم.
النقطة الحرجة
- التفاصيل