هناء المداح
يعد سفر الرجل إلى الخارج بمفرده دون اصطحاب زوجته وأبنائه معه  بهدف العمل وكسب المال لتوفير حياة كريمة لهم، من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تفشت بشكل ملحوظ في عالمنا العربي خلال العقدين الماضيين..
لاشك أن الكثير من أرباب الأسر في بعض البلاد العربية يعانون قلة فرص العمل المناسبة التي تدر عليهم دخلًا يعينهم على الإنفاق على أسرهم، نظرًا لسوء الحالة الاقتصادية بها.. الأمر الذي يدفعهم إلى السفر إلى بلاد أخرى للعمل بمقابل أفضل يساعدهم على سد احتياجات زوجاتهم وأبنائهم وتوفير سبل  الأمان لهم لمواجهة أعباء المعيشة دون عناء أو استدانة.. 
فمنهم من تتيسر  له ظروف الإقامة في البلد الذي يعمل به ويتمكن بالفعل من اصطحاب أسرته معه، وهذا هو الوضع الأفضل له ولأسرته لأنه سيكون مطمئنًا عليهم وعلى أحوالهم، يرعاهم رعاية فعلية ويحقق لهم الأمان العاطفي والاستقرار  النفسي والاجتماعي..
ومنهم من لم يتمكن من اصطحاب أسرته لأي سبب كان، فيضطر إلى تركها والسفر وحيدًا، فيقف دوره عند حد الإنفاق فحسب، ويصبح مع مرور الوقت مجرد "بنك" تسحب أسرته من خلاله ما تريد من أموال!..

هناك بعض الآثار والسلبيات الخطيرة التي تنجم عن اغتراب الرجل وسفره بمفرده إلى الخارج لفترات طويلة ومنها:

أولًا: حرمان الزوجة من حقها الشرعي في الجماع الذي يشبع رغبتها وغريزتها الفطرية ويحقق لها الأمان العاطفي والاستقرار النفسي ويعفها ويقيها شر الوقوع فيما يغضب الله ورسوله.

ثانيًا: إثقال كاهل الزوجة وتحميلها أعباء كثيرة لا طاقة لها بها، حيث  تقوم في حال سفر زوجها بدور الأم والأب في آن واحد، مما يرهقها كثيرا، ويجعلها في حالة اضطراب وخوف دائم على حاضر ومستقبل أبنائها، فلا أصعب على أي زوجة من أن تشعر بأنها المسؤولة المسؤولية الكاملة عن تربية ورعاية أبنائها، لأن صعابًا وأزمات لا حصر لها تواجهها وتكابدها لاسيما أثناء المراحل الأولى من حياتهم ، فهي التي تكون شخصيتهم وتشكل وجدانهم ووعيهم وتكسبهم السلوكيات والقيم والمهارات التي بها يتمكنون من الاندماج والعيش في مجتمعهم.

ثالثًا: حدوث فجوة عميقة بين الأبناء وأبيهم المغترب الذي ينفق عليهم فقط، والذي لا تأثير له في حياتهم ولا تربطهم به أي مشاعر حقيقية أو علاقة قوية، فضلًا عن افتقادهم الشعور بالأمان والاطمئنان، لأن وجود الأب يحقق نوعا من التوازن والاستقرار داخل الأسرة، ويعد في حد ذاته مصدر قوة وراحة في حياة أبنائه، فهناك بعض الأمور التي لا تستطيع المرأة تحقيقها بمفردها، وكما هو معروف أن تربية الأبناء لكي تتم بنجاح وتؤتي ثمارها ينبغي أن تكون بمشاركة الأم والأب معًا.

رابعًا: كثيراً ما يتسبب اغتراب الأب إلى انحراف أحد أو بعض أبنائه خاصة إذا كانت الأم ضعيفة الشخصية وذات وعي محدود، أو لا تجيد تربية أبنائها على الحميد من الأخلاق ولا تحسن التصرف والتعامل مع الظروف والمتغيرات التي تحدث لهم أثناء مرحلة المراهقة.. تلك المرحلة الخطرة والحساسة التي تستوجب التعامل بحكمة وحزم واحتواء في آن واحد..

فما أكثر الأبناء الذين انحرفوا ووقعوا في أسر المعاصي والمحرمات المختلفة بتحريض من رفقاء السوء الذين دمروا حاضرهم ومستقبلهم وزينوا لهم الحرام، وذلك  لغياب الأب وتقصير الأم أو عدم قدرتها على السيطرة عليهم بمفردها!..

إذن، ما جدوى المال والبيت الفاخر والسيارة الفارهة والملابس باهظة الثمن إذا ما انحرف الأبناء وضاع مستقبلهم وسقطوا في هاوية الانحراف؟..

وجود الأب واحتضانه لأسرته في مكان واحد حتى وإن عاشوا على القليل من المال أفضل وأعظم من تركهم فرادى يعانون تقلبات الحياة ويصارعونها دون حماية وقوة وتوجيه سديد.

JoomShaper