د. صالح هويدي
يمكننا تجاوز الدخول في نقاشات أكاديمية لا يتسع لها المقام هنا، بالقول إن جوهر مفهوم الموهبة، الذي يشكل قاسماً مشتركاً بين الباحثين، إنما يتمثل في القدرة أو الاستعداد أو السمات الخاصة التي تمكن الفرد من تحقيق إنجاز عال في مهارة أو مجال أو أداء ما.
ما يهمنا هنا، هو إثارة السؤال عما إذا كان ثمة في بلداننا أساليب ناجعة للكشف عن الموهبة، أو آليات منهجية لرعايتها، أو وسائل علمية لتنمية تلك المواهب وتطويرها، والأخذ بيدها، كي تتبلور وتعطي ثمارها الناضجة في أرض ملائمة وممهدة.
لا ريب في أنه لا يكفي لمجتمع ما، أن يكشف عن وجود مواهب فيه، ما لم ينجح في تهيئة البيئة القادرة على احتضان تلك المواهب ورعايتها وتنميتها. مما يُؤسف له أن آلافاً من المواهب سرعان ما تجهض، ولا يتاح لها أن تكمل نموها، في وطننا العربي، في وقت نجح فيه الغرب، في جعل بيئته ومؤسساته مفقساً دائماً للمواهب الواعدة.
وإذا كانت الأسرة أول من يمكن أن يُحمّل مسؤولية أمانة مواهب أبنائنا، فإن هذا الدور لا يمكن له أن يتحقق من دون توافر شرط الوعي والثقافة، الذي يتيح للأسرة تلمس مظاهر الموهبة واكتشافها أولاً، والنجاح في توفير البيئة الملائمة لتفتحها وعدم إهمالها ثانياً، والسعي إلى البحث عن سبل نموها وتبلورها ثالثاً.
ومما لا شك فيه، إن شيوع أجواء التفاهم الأسري وحرية التعبير عن الرأي، وممارسة النقد والنقد الذاتي، والبعد عن ممارسة أساليب قمع الرأي وعدم التفرقة بين الأبناء، كل ذلك من شأنه أن يوفر بيئة صحية لانتعاش الموهبة وتبلورها ونموها. ويبقى للمدرسة الدور الأكثر تقنيناً وتنظيماً وتأثيراً وعناية بالموهبة وتنميتها، والإشراف عليها إشرافاً مبرمجاً وتهيئة الفرصة لزجها في ممارسات تدريبية موجهة، فضلاً عن إشراكها في المسابقات والمعارض.
إن ما يحدث في مجتمعاتنا، من قصور ونكوص وتقصير في المجال التربوي أو المجالات الأخرى المتصلة بها، إنما يعود إلى ثقافة التخلف التي نعيشها وتطغى على سائر إدارتنا لمؤسساتها العلمية والثقافية والتربوية والاقتصادية.

JoomShaper