د. مصطفى عابدين
تناولنا في مقالنا السابق البخل والبخلاء وتطرقنا إلى أنواع البخل والآثار النفسية والاجتماعية السلبية المترتبة على هذه الصفة المكروهة فى كل المجتمعات.. وتوصلنا إلى أن خير الأمور الوسط.
هذا عن البخل المادي.. وقد يتساءل البعض .. هل هناك بخل في غير المادة؟
والإجابة نعم كبيرة .. فهناك نوع آخر من البخل لم نتطرق إليه ولا أعتقد أن هناك بعض الكتاب قد تناوله .. وهو البخل العاطفي .. أو البخل الإنساني .. وهو -على سبيل المثال- بخل الرجل تجاه شريكة حياته بالمشاعر الرقيقة والكلمات الحانية أو حتى المعاملة الإنسانية الكريمة.
وهذا النوع من البخل نجده سائدا في المجتمعات الشرقية أكثر منها في المجتمعات الغربية ويرجع ذلك إلى الاعتقاد السائد لدى الشرقيون وخاصة الرجال منهم أن البوح بالمشاعر الإنسانية أو حتى مجرد إظهارها يعتبر نوعا من أنواع الضعف الذي لا ينبغي أن يكون سائدا وسط الرجال.
والغريب في هذا الأمر أن معظم الرجال – إن لم يكن جميعهم – يشكون من أن الزوجات لا يمنحونهم المحبة والاهتمام بدرجة كافية حيث تذهب كلها إلى الأبناء متى صارت الزوجة أما .. ويصبح البيت ورعاية الأطفال هو الشغل الشاغل لهذه الزوجة والتي تزوجها الرجل لتظل له حبيبة ورفيقة وتحافظ على تلك الصورة الجميلة التي يرغب في الاحتفاظ بها من حيث الجوهر ناهيك عن المظهر وتلك التغيرات الجسدية التي تظهر بشكل واضح بعد تكرار عمليات الحمل والولادة وزيادة الوزن لدى السيدات الشرقيات .. لاحظ هنا عزيزي القارئ أنني لا أسوق وجهة نظري الخاصة ولكنني أردد ما يسوقه الرجال الشرقيون لتبرير بخلهم العاطفي.
وللبخل العاطفي - من أي من الزوج أو الزوجة - آثار اجتماعية ونفسية في غاية الخطورة تهدد كيان الأسرة وقد تؤدى بها إلى التفكك .. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العديد من المشكلات الأسرية غالبا ما يكون السبب الأساسي لها هو افتقار المودة والرحمة بين الزوجين حيث يكون أحد الطرفين بخيلا من الناحية العاطفية أو الإنسانية .. وعلينا – نحن معشر الرجال – أن نعترف بأن معظمنا يجامل أصدقائه وزميلاته فى العمل بأكثر مما يفعل مع الزوجة القابعة فى المنزل والمحملة بمسئوليات البيت والأولاد بكلمة حانية أو لمسة محبة أو حتى نظرة شكر .. لا شك أنها تنتظر ذلك وأكثر .. ونهمس فى أذن صاحبنا - الرجل الشرقي - أنك ستثاب على معاملتك الحسنة لزوجتك.
وفى الوقت ذاته من الواجب أن تكون الزوجة متفهمة لما قد يكون لدى زوجها من ضغط أو مشاكل تحول دون تواصله معها بالشكل الذي تنتظره .. ومن ناحية أخرى فإن الزوجة مطالبة أيضا بأن تمنح زوجها الاهتمام الكافي ولا تهمله ولا تهمل نفسها لانشغالها في الأمور الحياتية مثل البيت والأبناء فالزوج أيضا مثلها يحتاج إلى الدفء العاطفي.
وللوصول إلى ما يكفل السعادة للزوجين .. يجب علينا التسليم بأن الدفء والمحبة والاهتمام بمثابة الغذاء لقلب المرأة وروحها وأن الرجل لا يختلف عنها في ذلك .. وأن الله تعالى جعل المرأة سكنا للزوج والعكس صحيح .. فكلاهما يحتاج إلى المشاعر الإنسانية والمودة والرحمة وأن يكون كل منهما على ثقة من حب الطرف الآخر وإخلاصه.
فإحذر البخل العاطفى عزيزى القارئ وإحذريه كذلك عزيزتى القارئة وليرفع كلاكما شعار المودة والرحمة والتفاهم .. فهذا أفضل لكما ولأطفالكما حتى يشبوا عن الطوق فى صحة نفسية متوازنة .. واعلما أن اليوم الذى يمر لن يعود فاحرصا على أن تكون حياتكما يملؤها الود والصفاء .. مع أطيب التمنيات للجميع بالسعادة والهناء.
وإلى موضوع جديد ولقاء قادم بحول الله.

JoomShaper