بدرية طه
الزواج رباط مقدس بين الرجل والمرأة، يعيشان بموجبه تحت سقف واحد، يتبادلان المودة والرحمة والسكن، كما يتبادلان أيضا الخلافات والمشاحنات التي قد تذوب في ظل العشرة الطويلة، أو تتراكم مع الزمن وتضفي بظلالها السوداء على الحياة الزوجية.
فالحياة الزوجية السعيدة.. ليست هي الحياة الخالية من المشاكل والخلافات، وإنما هي تلك التي يغض فيها الطرف عن الأخطاء والعيوب الصادرة من كل طرف تجاه الآخر.
والتغافل فن يضفي على الحياة الزوجية مزيدا من السعادة والمودة إذا ما استخدمناه في بعض المواقف حتى لا نجعل كل أوقاتنا تتسم بالتوتر والشد والجذب، وكما قال الحسن البصري – رحمه الله-: ما استقصى كريم قط!
وقال الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم لما أخطأت بعض أزواجه: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ...}. التحريم: 3.
ويقول الإمام أحمد بن حنبل "تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل".

تأثير التغافل
وعن أهمية دور التغافل تقول مريم حسين - متزوجة من 4 سنوات-: "عندما تزوجت فوجئت ببعض الصفات السلبية في زوجي والتي لم تتضح أثناء فترة الخطوبة، فما كان لي إلا أن اصبر وأذكر نفسي دائما بما فيه من صفات إيجابية، وأن أدعو الله أن يصلح لي شأنه، ومع الوقت لمست تغييرا كبيرا في صفاته التي كنت أرفضها فيه بشدة".

وكذلك الأمر مع محسن عيسي - المتزوج من عامين-، والذي يقول: "زوجتي كانت لا تجيد بعض أعمال المنزل،  وكنت ألمح لها أحيانا بأهمية تعلمها، وأتحدث معها في أحيان أخرى لها بشكل صريح، ومع الوقت استطاعت أن تجيد كل هذه المهام دون أن تنكسر العلاقة ما بيننا".

فالاختلاف بين الرجل والمرأة هو من آيات الله في خلقه، ولو علمنا الحكمة من كل اختلاف لرددنا دائما: الحمد لله؛  فمن الطبيعي أن يتسم الرجل بالقوة لكي يواجه الحياة الصعبة ومشاكلها، على عكس المرأة المليئة بفيض من المشاعر والأحاسيس وذلك للعناية بالزوج والأولاد، وهذا الاختلاف هو ما يجعل كلا منهما يتصرف في المواقف بطريقة مختلفة ويتعامل مع أحداث الحياة اليومية بأسلوبه الخاص.

و يقول أستاذ السنة وعلومها "د. صالح بن حمد الحواس": إن العاقل يتجاوز عن كثير مما يعلمه ويراه؛ لأنه يعلم أن باب الخطأ والصواب يعرض له التأويل والاختلاف، بل كلما اتسع عقل المرء ازداد عذره للناس".

وضيف الحواس: "امتدح النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتغافل عن الزلة كما أشار إليه القرآن؛ فيما أسر سيد البشر لبعض نسائه ممن أظهره على إفشائه فأخبر سبحانه أنه عرف بعضه وأعرض عن بعض، وإعراض الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن تعريف زوجه ببعض الحديث الذي أفشته من كرم خلقه - صلى الله عليه وسلم - في معاتبة المفشية وتأديبها؛ إذ يحصل المقصود بأن يعلم بعض ما أفشته فتوقن أنه يعلمه، وحتى يترك للعذر مقاماً ومقالاً"..

التغافل ليس إهمالا
و قال ابن حجر - شرعاً وحمية وألفة ومروءة أن يتفحص عن أهل بيته فإن عثر على ريبة حرص على إزالة مقتضيها، ولا يقول عاقل فضلاً عن عالم فاضل إن الإنسان ينبغي له التغافل عن أهل بيته وإهمال النظر في دواخل أحوالهم ليتمكنوا من فعل ما شاؤوا من ضروب الفساد ويستمر ذلك مستوراً عليه، واستكشافه لأحوالهم لا ينافي الستر المطلوب فإنه إن رأى ريبة كتمها وفارق أهله أو أدب سراً وحسم طريق الفساد "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".

وتحث المستشارة الأسرية "د. زهرة المعبي" الأزواج على التغاضي والتغافل عن بعض الأمور التافهة التي تخلق المشاكل وعدم التوقف عند التصرفات الغير المقصودة.

وقالت إنه لا يوجد إنسان يخلو من نقص، ومن المستحيل إيجاد زوجين متكاملين مع بعضهما البعض، ولذلك نصحت كل زوجة بالتغافل عن المناقشات العقيمة التي تجعلها تعيش في حزن مستمر.

وأضافت المستشارة الأسرية قائلة:"تلتئم قلوبنا على الحب والسعادة فكثرة اللوم تبعد الأحباب، فتغاضي عن الأمور التافهة"، مشيرة إلى أن بعض الرجال يدققون في كل صغيرة وكبيرة تفعلها المرأة، ويضايق زوجته في تصرف ما ويجرحها أمام أهلها او أهله، وبعض النساء تخطئ في حق زوجها وتضايقه لمجرد أن تفكر أنه لم يشتر لها هدية أو لم يتصل بها وكأنها تبحث عن المشاكل في حياتها.

وخاطبت الزوج قائلة: "لا تجعل عينك على زوجتك مثل المكبر وتضايقها بسلوكياتك ومراقبتك لها وحاول أن تستمع بحياتك معها، فلنتغاض قليلا حتى نعيش حياة سعيدة".

JoomShaper