إسراء الردايدة
منذ اللحظة التي يولد فيها صغيرك تجدين فيها نفسك في مواجهة يومية مع تبعات التربية، والسيطرة في الوقت ذاته على نوبات الغضب التي تعتريك.
والأمومة، مهنة لا يمكن تعلمها وفي كل مرحلة منها ستواجه الأم مصاعب مختلفة، تتطلب منها التأقلم بطرقة مختلفة، وهي فطرة وميزة تحملها الأم بداخلها، وأشبه ببوصلة توجهها وسط بحر من المشاعر التي تعصف بها من كل حدب وصوب.
وبعض من الأمهات يجدن الأمومة أمر ممتع، فيما آخريات يجدنها متوترة ومعقدة وفيها نوع من التوتر. لكن في نهاية المطاف تبقى الأم هي من يوصل طفلها من خلال تجاوزها العقبات العاطفية إلى الأمومة لمرحلة جديدة مع كل يوم يكبر فيه.
الطبيبة النفسية والاختصاصية في علم الطفولة والأمومة، فاليري ديفيس راسكين، ومؤلفة كتابThe Making of a Mother: Overcoming the Nine Key Challenges — From Crib to Empty Nest، تبين أنه يمكن التغلب على متاعب الأمومة وتحدياتها والتجارب العاطفية.
وتبين راسكين في كتابها أنه لا يوجد دليل لتكون أما، أو كيف تواجهين العقبات واللحظات المشحونة عاطفيا، التي تتركك في حالة صعبة وحتى قد توصلك لحالة من الانهيار، إلا أن الاستراتيجيات التالية ستخفف من تلك المصاعب مع كل مرحلة تبدو صعبة في بدايتها:
- حين يقودك طفلك، في بعض الأحيان إلى حافة العصبية والانهيار وحتى الجنون، فتفقدين أعصابك، جراء بكائه وعدم استجابته لحنانك وعاطفتك، وحتى حين لا يستجيب لطلباتك وأوامرك، في تلك اللحظة تشعرين بأنه طفل غير مطيع وأن جهودك التي منحته إياها لم تجد نفعا.
والتعامل مع تلك الحالة، خصوصا حين يكون الطفل عنيدا، ومع ساعات طويلة من الصراخ والجدال العقيم، هو أن تدرك أن للطفل عالم مختلف، وما ترينه واجبا وطبيعيا بالنسبة له أمر غير مفهوم، وحين يخطئ الطفل لا تجعلي من زلته دراما عاطفية.
فقد تفقدين السيطرة، ولكن الطفل لن يفهم مشاعرك، بل سيفهم الخوف والقلق، وينشأ الشعور بالغضب عند الأمهات وفقا لراسكين جراء شعورهن بأنهن فقدن السيطرة، وهنا تقترح أن تكون توقعاتك كأم واقعية. ويجب هنا التفكير بطرق أخرى لضبطه، ما يجنبك الوقوع في الشعور بالكراهية والشعور بالذنب بعد نوبات الغضب الكبيرة والصراخ عليه وتوبيخه، وتذكري أنه طفل.
- الانصياع للوالد بدلا منك وتفضيله عليك: حتى يعيش الطفل في بيئة مثالية ويكبر بطريقة صحية، يحتاج لوجود كلا الأبوين حوله والإسهام في تربيته، واللعب معه والتواجد وقت النوم والدراسة كي يشعر بحنانه ومسؤولياته، ولكن حين لا يتواجد دائما، ويقوم طفلك بطلبه، فكيف ستتعاملين معه خصوصا حين تشعرين أنه قد يفضل والده عليك، برغم عدم تواجد هذا الأب طوال الوقت.
في هذه الحالة ما يمكن لك القيام به لتجنب الوقوع في هذا الفخ، هو دفع الأب لمشاركة الطفل أوقات راحته ولعبه، ولو مرات قليلة، وحين يصر الطفل على الاتصال بوالده أو حضوره، لا تقومي بالصراخ، بل اطلبي الأب ودعيه يشرح للصغير أنه يعمل، وحين يعود سيقبله حتى لو كان نائما، ويهذا تمنحين طفلك الشعور بالطمانينة، ويخف شعورك بالقهر والعصبية والخوف وحتى الغيرة ربما لأن صغيرك يفضل أباه.
- انفصال طفلك عنك: تلك المرحلة مؤلمة لكلا الطرفين للطفل والأم، فحين يتوجه طفلك لأول يوم في مرحلة ما قبل المدرسة، سيبكي ويمسك بيديه ويتشبث بين قدميك، وسيبدو خائفا ولن يكف عن الصراخ. ومهما حاول من حوله بجذبه تجدينه يذرف الدموع، ما يسبب لك الألم وتقررين أن ترسليه باليوم الثاني، بسبب تلك المشاعر التي جعلتك تشعرين بالحزن لذهابه وخوفك من أن يصيبه مكروه.أما بالنسبة للمبتدئين، فمشاعر الانفصال عن الطفل ليست سهلة لكلا الطرفين، وفقا لراسكين، وهنا تنصح بالتمييز بين مشاعر الحزن والقلق التي تتعلق بك وبين تلك التي تتعلق بهم. فصياح الطفل يجعلك تدركين أولا؛ أن أول لحظة يصرخ فيها طفلك هي أمر طبيعي، والثانية تكون في التحدي المتمثل في تكيف الطفل مع البيئة الجديدة، وهي واحدة من تجارب الحياة التي تساعده على التطور والنمو. وإن قمتي بحظر علمية الفصل، النتيجة هي تعزيز التبعية وفقا لراسكين. لذا تذكري حين ترسلين طفلك للحضانة لأول مرة، أنه سيكون طفلا مستقلا وسعيدا ولو قام بالبكاء هدئيه.
فالشعور بالحزن أمر طبيعي، فأنت ستشعرين أنك تفقدين طفلك على عدة مستويات. ولكن الحال نفسه بمجرد نمو الطفل وبلوغه 18، حيث سيغادرك للجامعة وستشعرين بنفس الشعور.
- قبول فشل طفلك، في تلك اللحظة التي تشعرين فيها بأن طفلك فشل في تحقيق ما دربتيه عليه بعد جهود كبيرة بذلتها من أجل تعليمه مثلا ركوب الدراجة أو السباحة، وحتى إلقاء كلمة أو حفظ كلمات أغنية معينة، والنتبجة هي فشله. وكأنه لا يرتقي لتوقعاتك، فتصيبك خيبة أمل كبيرة تظهر على وجهك وتنعكس على طفلك فيشعر بالحزن.
- شعورك بخيبة الأمل، وفقا لراسكين مرتبط بذاتك، لأنك جعلت من توقعاتك عالية بالنسبة لطفل وكأنه وسيلة لتحقيق أهدافك.
كل طفل فريد من نوعه، كما تقول راسكين، ولكن لكل منكما حق بأن يشعر بالفخر حتى لو لم يحقق النجاح، ففشله قد يجعله خجولا وخائفا، ويشعر بأنه خيب أملك، وهذا كفيل بكسر قلبه الصغير. والتعامل مع الوضع يكون بطمأنة الطفل بأنه سيقدم جهدا أفضل وبأنك سعيدة، لأنه حاول بذل جهدا وهذا كاف في تلك اللحظة.
لا تدعي توقعاتك العالية تفوق قدرات وطاقة صغيرك وتلهيك عن حقيقة أنه مايزال لدية وقت كبير حتى يحقق كل أحلامك ويسعدك بتفوقه ونجاحاته المقبلة.
- ترك الأبناء يختارون طريقهم، تلك اللحظة التي يغدو فيها صغيرك كبيرا وقادرا على اتخاذ قراراته بنفسه وحتى الخروج من حضنك لعالمه وينطلق بطاقة وحيوية، فيما أنت تشعرين بأنه يفلت من بين يديك ولم تعودي قادرة على حمايته وبأنه لا يحتاج إليك.
وهنا، كما تقول راسكين، لا يمكن للأم أن تبقي الطفل في فقاعة للأبد، فسيأتي يوم تكون له فيه حياته الخاصة وعالمه المختلف، ولكن هذا لا يعني أنه سيستغني عنك.
ما تحتاجين إليه فعليا هو أن تجدي فيه أملا وإنجازا كبيرا حققته، فهو لم يكن ليكبر لما هو عليه الآن بدون جهودك وحبك وحنانك. ومغادرته لعالمه وقدرته على اختيار واتخاذ القرار لا يلغي وجودك في حياته. فهو قادر لأنك منحته الثقة والأمان ليصبح قويا يميز بين ما يلائمه وبين ما يجب عليه فعله.
وكونك أما، ليس بالأمر السهل، وكل لحظة يكبر فيها صغيرك حتى يغدو يافعا، ستواجيهن عقبات كثيرة، ولكنك تتجاوزينها بشجاعة حين تلحظين ابتسامته. لا يمكن لك حمايته من كل ضرر، ولكنك تبذلين ما في وسعك كي تحققي ذلك، فاسعدي بلحظاتك وثقي بتلك الأم التي تحمل حبا يوازي العالم فأنت عالمه حتى النهاية.
عقبات تواجهها كل أم وتجتازها بفطرتها
- التفاصيل