محمود القلعاوي
احمد ربك من أعماق قلبك. احمد ربك على نعمه وآلائه. احمد ربك على صحة في بدنك، وأمن في وطنك، على طعامك وشرابك، على زوجك وأولادك.
احمد ربك على عينك التي ترى بها، وأذنك التي تسمع بها، وأنفك التي تشم بها. ورجلك التي تمشي عليها. ويدك التي تمسك بها.
احمد ربك على صحتك من مرض، وعلى شرابك من ظمأ، وعلى شبعك من جوع.
أتستقل أيها الحبيب أنك تمشي على قدميك، والآلاف محرومون من ذلك؟!. أتستهين بأنه قد رزقك الولد، وعشرات الآلاف قد حرموا من الولد؟! أحقير أن تنام ملء عينيك، وقد أطار الألم نوم الكثير؟!. أبسيط أن تملأ معدتك من الطعام الشهي، وأن تشرب الماء البارد، وهناك من عكر عليه الطعام، ونغص عليه الشراب بأمراض وأسقام؟!
أيها الحبيب: احمد ربك بكل ما تملك، بلسانك، بقلبك، بعقلك، بمشاعرك، بمالك. قل بكل ما تملك الحمد لله، الحمد لله رب العالمين.
وإليك موكب الحامدين وعلى رأسهم الأنبياء: فكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام شاكراً دائم الشكر لربه: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" سورة النحل: 120-121.

وأما نوح فوصفه ربه بأنه شكور فقال: "ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا" سورة الإسراء: 3.

وأما الحبيب صلى الله عليه وسلم فقد علمنا أن نقول دبر كل صلاة "اللهمَّ أعِنِّي على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك" كما في حديث معاذ رضي الله عنه "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أخذ بيده وقال يا معاذُ واللهِ إني لَأُحبُّك واللهِ إني لَأُحبُّك، فقال: "أوصيك يا معاذُ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ تقول: "اللهمَّ أعِنِّي على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك" رواه أبو داود وصححه النووي وابن حجر وغيرهما.

وتحكي السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل، ويصلي لله رب العالمين حتى تتشقق قدماه من طول الصلاة والقيام؛ فتقول له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيرد عليها النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: أفلا أكون عبدًا شَكُورًا" متفق عليه.

وإليك عجائب الحامدين: حيث يحكى أن رجلاً ابتلاه الله بالعمى وقطع اليدين والرجلين. فدخل عليه أحد الناس فوجده يشكر ربه على نعمه. ويقول: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به غيري. وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلاً. فتعجب الرجل من قول هذا الأعمى مقطوع اليدين والرجلين. وسأله: على أي شيء تحمد الله وتشكره؟ فقال له: يا هذا، أَشْكُرُ الله أن وهبني لسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا وبدنًا على البلاء صابرًا.

ويحكى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء. وشكا إليه فقره. فقال العالم: أَيسُرُّكَ أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟ .. فقال الرجل: لا.
فقال العالم: أيسرك أنك أخرس، ولك عشره آلاف درهم؟.
فقال الرجل: لا.
فقال العالم: أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم؟.
فقال الرجل: لا.
فقال العالم: أيسرك أنك مقطوع اليدين والرجلين ولك عشرون ألف درهم؟.
فقال الرجل: لا.
فقال العالم، أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك نِعم بخمسين ألف درهم.
فعرف الرجل مدى نعمة الله عليه. وظل يشكر ربه، ويرضى بحاله ولا يشتكي إلى أحد أبدًا.

وفى النهاية: أراد رجل أمريكي أن يبيع بيته؛ لينقل إلى بيت أفضل. فذهب إلى أحد أصدقائه وهو رجل أعمال وخبير في أعمال التسويق. وطلب منه أن يساعده في كتابة إعلان لبيع البيت، وكان الخبير يعرف البيت جيداً، فكتب وصفاً مفصلاً له، أشاد فيه بالموقع الجميل، والمساحة الكبيرة ووصف التصميم الهندسي الرائع، ثم تحدث عن الحديقة، وحمام السباحة، و.. و.. إلخ .. وقرأ كلمات الإعلان على صاحب المنزل الذي أصغى إليه في اهتمام شديد، وقال: أرجوك أعد قراءة الإعلان. وحين أعاد الكاتب القراءة صاح الرجل: يا له من بيت رائع. لقد ظللت طول عمري أحلم باقتناء مثل هذا البيت، ولم أكن أعلم أنني أعيش فيه إلى أن سمعتك تصفه. ثم ابتسم قائلاً: من فضلك لا تنشر الإعلان فبيتي غير معروض للبيع!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*)عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، وإمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية.

JoomShaper