أم عبد الرحمن محمد يوسف
يتخيل الكثير من الناس حين يتزوج أن الأمور ستسير بطريقة أو بأخرى على ما يرام، وكأنه يقول في نفسه: سأكيف زوجي/زوجتي وفقا لما تقتضيه طباعي وأهوائي، ثم تبدأ المشاكل في الظهور، عاجلًا أم آجلا.. ولأن الزوجين لم يتعلما طرق حل المشكلات فهما سرعان ما يستسلموا، وربما ينتهي الأمر إلى الطلاق.. كدليل على الإفلاس الشخصي.
وهكذا تبدأ زيجات كثيرة عادة بحب عظيم، ولكن مع مرور السنين يفتر الحب في بعض الأسر، وتصبح العلاقات بين الزوجين باردة لا يظهر فيها أدنى دفء للحب، بل يشعر طرفاها أنهما غرباء تحت سقف واحد، يمنع تعارفهما جدر كثيرة اجتمعت لتكون ستارًا.. قد يكون حريريًا غير مرئي، ولكنه يحجب طرفي العلاقة عن التواصل، ولذلك فإن على الزوجين بذل الجهد معا في الطريق إلى تقريضه من خلال..
الفهم:
إن ما نعزفع عن الزواج ودور الزوجين هو في الحقيقة مما تعلمناه بشكل عفوي وغير موجه، وذلك من خلال ملاحظة من حولنا من الوالدين والأجداد والأصدقاء، ومن وسائل الإعلام، أو ما نقرأه في الصحف والروايات.. أو ربما أيضًا مما نسمعه من حكايات شعبية، هي في أكثرها تعطينا صورة لا تتفق مع الإسلام الذي عاشه الجيل الأول من المسلمين الذين كانت صورة المرأة والرجل عندهم هي صورة حيوية، تقوم على الفهم والاحترام المتبادل لإمكانات الجنسين، وتكاملهما، بحيث يشترك الاثنان في كثير من الواجبات والاهتمامات، واتخاذ القرارات الهامة في حياتهما.
"إن الحياة بعامة والحياة الزوجية بخاصة، لها أصول وقواعد تحكمها، ويجب الالمام بها ومعرفتها بشكل يمكن من ممارستها بكفاءة وفعالية، وإلا فإن الفشل سيكون غالبا النتيجة المتوقعة.فالإنسان إماأن يكسب وإما أن يخسر في حياته.. ومعرفة قوانين الحياة والسنن الكونية وأصول الحياة الزوجية وأسسها, يثمر في نجاح تلك الحياة الزوجية وبالتالي الحياة الأسرية، لأن من يدرك حقائق الأمور يستمتع بثمارمعرفته.. ومن ثم فهو ينسجم مع ما حوله.. إنه يمتلك زمام الأمور بحق إذ لا يرتكب أخطاء حمقاء، لأنه أدرك أن هناك صيغة محددة للنجاح، ولأنه اكتسب المعرفة اللازمة لإيجاد النتائج التي يريدها" [استراتيجيات الحياة ـ القيام بكل ما هو فعال ومفيد "د. فيليب ماكجرو ـ ص41،42 بتصرف].
فن الحياة الزوجية:
إن فن الحياة الزوجية ليس مجرد معرفة حقوق وواجبات الزوجين، إنه فن التواصل مع شريك الحياة.. هو طريقة علمية في إدارة الحياة الزوجية.. ولا شك أن الجهل بهذا الفن يتسبب في أخطاء تواصل بين الزوجين يقع فيها كلاهما، فمنها:
أولًا: من المرأة تجاه الرجل:
1-تقديم النصائح من الزوجة للزوج، ليتحسن حاله وواقعه.. وهذا يؤدي إلى شعور الزوج أنه غير محبوب، لأن زوجته لا تثق به.
2- عدم تقدير ما يقوم به الزوج لأجلها، والشكوى منه.. وهذا يؤدي الى شعور الزوج بأن أعماله غير مشكورة وغير مقدرة منها.
3-تصحيح سلوكيات الزوج وإصدار الأوامر له كأنه طفل.. وهذا يشعر الزوج أنه غير مستحسن، وغير محبوب.
ثانيًا: من الرجل تجاه المرأة:
1- تقليل أهمية مشاعرها، وذلك يجعل الأولاد أو العمل أهم منها.. وعندها تشعر الزوجة بأنها غير محبوبة؛ لأن زوجها لا يعطيها الأولوية في حياته.
2-يظهر الغضب لما يسمعه منها وهي في مقابل ذلك تشعر أنها غير محبوبة؛ لأنه لا يحترم مشاعرها.
3- يستمع الزوج الى زوجته ثم لا يعلق أو يمشي ويتركها.. وهي هنا تشعر بعدم الأمن لأنه لم يهتم بها.
فإذا امتلك الزوجان الفهم الذي ينتج التواصل الطيب بينهما فقد بقي لهما أمر في غاية الأهمية وهو التخلص من الشعور بالإحباط من شريك الحياة، بل ومحاولة تحويل مشاعر الاحباط السلبية الى مشاعر ايجابية ينمو معها الحب بينهما.
كيف تتوقف عن الشعور بالألم والاحباط:
"ذهبت امرأة إلى معلم لها تدرس على يديه فقالت له إنها تريد أن تعرف كل شيء.. أعطاها المعلم مجموعة من الكتب وتركها تتعلم وحدها، وطلب منها أن تعود اليه بعد أن تقرأما أعطاه لها، وحين عادت إليه سألها:هل تعلمتي كل شيء الآن؟
"فأجابته بالنفي"
وهنا ضربها المعلم بعصا كانت معه.. ثم أعطاها أخرى من الكتب وطلب منها أن تقرأها ثم تعود إليه.. وحين عادت بعد قراءتها سألها المعلم هل تعلمت كل سيء الآن؟ وأجابت بالنفي هذه المرة أيضًا، وضربها المعلم كما ضربها في المرة الأولى، وتكرر الموقف مرة ثالثة.. ولكن حين هم المعلم لأن يضربها أخذت المرأة منه العصا لتوقف إهانته.
وهنا قال المعلم: إني أهنئك لقد تعلمت الآن كل ما تحتاجين إلى معرفته، فسألته المرأة: وكيف ذلك؟ فأجابها: لقد تعلمت أنك لن تستطيعي معرفة كل شيء، كما تعلمت ما هو أهم، تعلمت كيف يمكنك إيقاف الألم. [حتى يبقى الحب، د. محمد محمد بدري، ص 460،461].
العبرة من القصة:
لابد أن نتعلم كيف نتوقف عن الشعور بالألم والإحباط.. وكيف يمكننا السيطرة على حياتنا وهذه هي الخطوة الأصعب في طريق تقويض الستار الحريري، إنها خطوة تحويل الأحاسيس السلبية إلى أحاسيس إيجابية، وهذا ما نتطلع للوصول إليه، فالأزواج السعداء يتبادلون ما بين أربع إلى أربعمائة إشارة إيجابية مقابل كل انتقاد، وذلك عند التعرض لأي مشكلة.
وهذه بعض الأمثلة:
"بدلًا من تدوين يعجبني اهتمامك اكتب: لقد أعجبني تصرفك عندما لاحظت أن كمية عصير البرتقال الطبيعي الموجودة في الثلاجة قد قاربت على النفاد، وتطوعك لشراء المزيد منه، وشعرت بالسعادة والطمأنينة عندما سالتني إذا كنت أحتاج شيئا آخرًا من المتجر.. أوسعدت جدًا عندما أخذت "عبد الرحمن "للحلاق وأتحت لي وقتا لمراجعة ما أحفظه من القرآن.. وهكذا فقد أضفنا المشاعر الايجابية التي أثارها كل تصرف، وفي هذه الحالة كانت الطمأنينة والارتواء العاطفي.. عندما نوجد أربعة أحاسيس ايجابية مقابل كل انتقاد" [النساء لا يسمعن ما لا يقوله الرجال ـ د.وارين فاريل ـ ص 37 بتصرف].
لا ينسى الزوجان:
ومما يساعد الزوجين على ذلك ألا ينسى الرجل والمرأة أن كلا منهما مختلف عن الآخر، وأن لكل منهما طبيعة خاصة به، فيتوقع من الآخر فعلا أو رد فعل معين يتناسب مع طبيعته هو، ثم يكون الفعل غير ما توقع لاختلاف الطبيعة، فالرجل يريد من المرأة أن تطلب ما يود هو الحصول عليه، وتتوقع المرأة منه أن يشعر بما تشعر هي به تمامًا.
ماذا بعد:
-بالتفاهم يتحقق التوافق والانسجام مع شريك حياتك.
-تحلى بالصبر والأناة المثابرة لتجنب دواعي المشاحنة وتلافي أسباب الخلاف.
-وفر الجو الملائم لنمو روح التعاطف والحب مع شريك حياتك.
الفهم أولًا
- التفاصيل