ماجدة ابو طير
لم تعد الاسرة هي المرجع الوحيد للابن او الابنة، فهنالك عوامل عديدة اصبحت تشارك بطريقة واضحة وكامنة في توجيه الانسان للهدف الذي يسعى اليه، ونتيجة التطور الذي وقع والانفتاح في وسائل الاتصال المتعددة، فأن الانسان يصبح لديه اكثر من مصدر لجلب المعلومة والتفكير بها ومن هنا  يظهر لديه اكثر من وسيلة للتفكير الجماعي ليصل في التفكير الفردي الى مايريد تقريره.
ظلت مشكلة مرجعية الإنسان موضوع تجاذب فكري وفلسفي بين مختلف المذاهب والتيارات الفكرية عبر التاريخ، وهو ما جعل الكتابة فيها مستمرة مع استمرار تفاعل الفكر وتحديات واقع الإنسان؛ الأمر الذي أنتج رؤى متعددة ومتنوعة، تبدو مكرورة أحياناً، لكنها تعبر في النهاية عن عمق المشكلة، واختلاف الرؤى الكلية النهائية لها.

تجربة
تقول فاطمة السالم وهي ام لاربعة اطفال، ومعلمة لغة عربية: عندما خضنا تجربة تربية الاطفال وتنشئتهم اكتشفت ان اطفال الجيل الحالي يختلفون تماماً بطريقة تفكيرهم عما كنا نعيشهم، في البداية يكون المرجع الاساسي للطفل اباه وامه، وبعدما يكتسب مهارات اللغة والتواصل، ويصبح قادرا على الذهاب الى المدرسة تلاحظ العائلة تدخل ادوار جديدة لم تكن موجودة في البداية، وهو ظهور دور الصديق في الدراسة وما يمليه عليه من اراء ومشورات، ودور المعلمة ايضاً، فكلهم يلعبون دورا واضحا وغير واضح في تغيير طريقة تفكير الابن، ليصبح الصديق يتدخل بشكل لطيف باختيارات صديقه».
وتضيف السالم: «دوماً الطفل يعرف بشكل فطري ان العائلة هي الاطار الاول الذي يساعده في تقرير اموره، وبعدما تصبح له علاقات مختلفة تصير دائرته في مرجعية تتوسع شيئاً فشيئا دون ان ينتبه هو ماذا يحدث، فتوسع دائرة المرجعية امر طبيعي، ولكن من المهم ان يصبح لديه معرفة بأن هذه المرجعية صحيحة او غير ذلك، وهذا يتطلب الكثير من الجهد المبذول من قبل الاسرة لتوعية ابناؤها كيف انهم يميزوا الصالح من الطالح».

التجرد من الوسط مستحيل
الانفتاح بوسائل الاتصال اوجد وسائل وادوات جديدة لم تكن موجودة لعبت دورا كبيرا لتصبح مرجعية من المرجعيات الاساسية لدى الانسان بعد سن الطفولة والفترة التي يلتحق بها الطفل في المدرسة، تبدأ طريقة التفكير تتغير، ويصبح الانسان لديه نظرة مختلفة عما كانت لديه مسبقاً وهو صغير، اذا يصبح لديه طريقة الحكم على الامور تعتمد على امور وعوامل كثيرة وليست سطحية وغير معمقة، يقول معاذ ابراهيم:» في البداية تكون المرجعية الاولى الاسرة، ومن ثم يصبح لديه توعية في الدين والعادات والتقاليد السائدة في مجتمعه، وبالتالي يصبح يفكر من هذا المنطلق بما يتناسب مع اسرته ودينه وفي ظل هذه العادات والتقاليد، لتصبح احيانا هذه العادات لجاماً عليه لتضيق على تفكيره، فالانسان لا يستطيع ان يتجرد من الوسط الذي يعيش به، وكأنه يعيش في فراغ، فهو في نهاية المطاف كائن اجتماعي، وان تم رفضه اجتماعياً او عزله فانه سيستحيل عليه العيش ولذا فأنه يفكر بخطوط عديدة اثناء اختياره لقرار محدد».

وسائل جديدة
ويضيف ابراهيم :» ايضاً من الوسائل الجديدة التي اصبح الانسان يعتمد عليها الانسان، وهي مواقع التواصل الاجتماعي، اذ الكثير من الاصدقاء يطرحون شكوكهم في قضية معينة، او يستشيرون اصدقاءهم بشكل علني على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة «الفيس بوك»، الا انه في نهاية الامر القرار يجب ان يؤخذ بشكل فردي وليس جماعي، ويجب ان يتحمل هذا الشخص عواقب هذا القرار لذلك يجب ان يفكر بشكل دقيق وعميق».

لا احتاج لمرجعية
هنالك اشخاص لا يعتمدون على المرجعية في حياتهم، اذ يفكرون بشكل فردي، ولا ينتظرون اشخاصا يستمعون لرأيهم، تقول سامية الحاج:» لماذا احتاج الى مرجعية لاقرر قضية معينة، فانا قادرة على التفكير لوحدي، واستطيع تمييز ماهو صائب او خاطئ، وماهو يناسبني او لا، لقد امضيت سنوات طويلة في الغربة وانا ادرس مراحل الماجستير والدكتوراة، وهذه الغربة علمتني انني استطيع ان اقرر وبشكل صحيح، من المهم ان لا يكون اتخاذ اي قرار بشكل سريع، لان السرعة في اغلب الاوقات لا ينتج عنها سوى الندامة، واصبحت اعرف ماهي الخطوط الحمراء التي يجب ان لا اتجاوزها، وجود اشخاص كثيرين اسألهم يشتتني ولا يجعلني افكر بشكل سليم، فكل شخص يملي علي تجاربه وخبراته».
وتضيف الحاج:» اخذ العديد من الاراء يعمل على تقييد التفكير، ومن الممكن ان الشخص قد عاش تجربة سيئة ويعمل على احباطي، بالرغم من انني قد انجح في هذا الامر الذي فشل هو فيه، ولهذا فان اخذ الانسان النصيحة وعاد بأموره لشخص يجب ايضاً ان لا يلغي التفكير الانفرادي حتى يصل الى نتيجة منطقية ويرضاها لنفسه ولحياته، تجارب الاخرين قد لا تنعكس علينا بمحتواها، فكل انسان لديه خبرات ومهارات متباينة عن الاخر».
وتقول الاخصائية الاجتماعية رانية الحاج علي:» الانسان كائن اجتماعي بطبعه، والطفل عندما يولد يكون بحاجة الى مرجعية بحياته حتى يستطيع التعايش وفهم ماذا يدور من حوله من احداث، الا انه خلال مرحلة الدراسة واكتسابة المهارات المعيشية وازدياد قدرته بالتفكير بشكل اكثر نضوجاً تصبح الجماعات المرجعية في حياته مختلفة عن مرحلة الطفولة، الا ان الاسرة تبقى من الجماعات الاساسية التي لا يستطيع التخلي عنها، كونها كانت المصدر الاساسي في تأسيس تفكيره ونظرته للحياة وطريقة قبوله او رفضه لامور عدة».
وتضيف الحاج علي:» وفي هذا السياق يبرز إسهام المفكر   عبد الوهاب المسيري في نقده للمرجعيات، وبحسب المسيري فان المرجعية نوعين:  المرجعية المادية الكامنة، التي ترفض كل شكل من أشكال التجاوز، فتتحول القيمة إلى المادة، وبذلك يتغير المطلق المعرفي. وفي المقابل فإن المسيري يطرح رؤية كلية عن الإنسان تصدر عن المرجعية التوحيدية التي اصطلح على تسميتها المرجعية المتجاوزة. وتظهر خطورة انحراف الرؤية المعرفية للإنسان في تمظهراتها على النظم السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والأخلاقية والجمالية، وفي الرؤية للحياة والكون، سواء أكانت الأمة متحضرة أم متخلفة».

JoomShaper