هناء المداح
شرع الله عز وجل الزواج لإعفاف النفوس وإشباع الشهوات وتحقيق الفطرة الإنسانية وإنجاب الذرية وإشباع غريزتي الأمومة والأبوة وتحقيق السكن  النفسي والروحي وتحقيق الستر للرجل والمرأة وصيانة الأعراض وحفظ الأنساب..حيث يقوم على أساس العدل في الحقوق والواجبات وعلى السمو في الأهداف والغايات والسكن في العلاقات الاجتماعية..
وبما أن الزواج حق مشروع للفرد المعافى في بدنه وعقله، فإنه أيضًا حق مشروع وضروري  للشخص صاحب الإعاقة ما لم تكن إعاقته تمنعه من القيام بواجباته وتحقيق أهداف الزواج، وذلك انطلاقًا من المنظور الإسلامي والإنساني الذي يحث على ضرورة إشباع رغبات الفرد كي يسلك السلوك النفسي والاجتماعي السليم..
فالإعاقة الجسدية - خاصة الحركية والسمعية والبصرية - لا تقلل بأي حال من الأحوال من قدرة الشخص على الاستمتاع بحياته إلا بالقدر الذي يعجز ذو الإعاقة عن القيام به نتيجة قصوره الجسدي.. ومهما كان شكل هذا القصور فيمكنه استبداله بنمط استمتاع يتوافق وطبيعة إعاقته، كما  يستطيع صاحب الإعاقة رجلًا كان أو امرأة الاندماج في المجتمع والتأثير فيه - إذا ما قَبِله المجتمع وأتاح له فرصة الاندماج وقدر مشاعره وساهم في توفير الوسائل التي تمكنه من الاندماج والتفاعل الإيجابي..
أما إذا أصر المجتمع على انتقاص حقوق ذي الإعاقة والتعامل معه باعتباره عاجزًا وعبئًا ثقيلًا لا يمكنه ممارسة حياته بشكل طبيعي كسائر البشر، وحكم عليه بالموت حيًا وحرمه من أبسط حقوقه الشرعية وفي مقدمتها الزواج لظل أسير وحبيس إعاقته، يعاني ويلات الحرمان من إشباع دوافعه ورغباته الفطرية الأساسية، ويشعر دومًا بأنه كائن ناقص منبوذ لا مكان له في هذه الحياة، ما  يضاعف من آلامه ومعاناته ويتسبب في حدوث اضطرابات نفسية وسلوكية تؤدي بدورها إلى فشله اجتماعيًا وعمليًا في أحايين كثيرة..

المرأة صاحبة الإعاقة تعاني في مجتمعنا - وللأسف الشديد - أكثر من الرجل ذي الإعاقة، حيث يضاعِف من انتقاص حقوقها والحكم عليها بأنها غير أهل للزواج  والإنجاب رغم أن لها مشاعر وأحاسيس وقدرات لو تم توظيفها بشكل إيجابي لاستطاعت العيش مع زوجها مستقرة متوازنة لأن إعاقتها الجسدية لا تعيقها عن أداء واجباتها الزوجية الشرعية..

ورغم أن المجتمع يقف سدًا منيعًا وحائلًا أمام زواج غالبية ذوات الإعاقة إلا أن منهن من تزوجن وأنجبن ونجحن نجاحًا باهرًا في حياتهن الزوجية ونلن حظًا من السعادة لأنهن تحدين إعاقاتهن بإرادة وعزيمة وصبر ولم يستسلمن للألم واليأس والإحباط الذي يصر المجتمع على زرعه بداخلهن وداخل أُسَرهن..

نعم، تكابد وتعاني الزوجة صاحبة الإعاقة أكثر من الزوجة سليمة الجسد، خاصة لو كانت متزوجة من شخص ذي إعاقة أيضا، ولذلك تحتاج إلى مزيد من الدعم من جانب أسرتها ومجتمعها حتى تتمكن من ممارسة حياتها الزوجية بشكل يحقق لها ولزوجها الاستقرار والراحة والسكن..

ويتمثل هذا الدعم المرجو فيما يلي:

أولًا:  رضا  أُسَر ذوي الإعاقة بقضاء الله وقدره واستمرار دعمهم النفسي والمعنوي والمادي إن أمكن لأبنائهم وإيمانهم بقدراتهم ومساعدتهم على العيش مثل الأسوياء  وعدم حرمانهم من حقهم الشرعي في الزواج بحجة الخوف الزائد عليهم.

ثانيًا:  تغيير نظرة المجتمع السلبية القاسية تجاه ذوي الإعاقة

والتعامل معهم باعتبارهم بشرًا لهم حقوق فطرية وشرعية ينبغي عونهم على الحصول عليها، كما أن عليهم واجبات يمكنهم القيام بها على أكمل وجه إذا أتيحت لهم الفُرَص ومُهِدت لهم السبل، ويتأتى ذلك بقيام وسائل الإعلام المختلفة بتثقيف وتوعية المجتمع بحقوق هذه الفئة وكيفية التعامل معها وحثه على توفير سبل التمكين والتأهيل التي تعينها على الزواج.

ثالثًا: أن يحرص أولو الأمر من المسؤولين على  توفير فُرَص عمل لذوي الإعاقة تدر عليهم دخلًا يعينهم على العيش وتلبية مطالبهم ومطالب أبنائهم، إضافة إلى توفير مساكن ملائمة لهم ووضعهم تحت مظلة التأمين الصحي الشامل.

رابعًا:  إنشاء مراكز تأهيلية وإرشادية تساعد ذوي الإعاقة قبل وأثناء الزواج على تحقيق التوافق والاستقرار، وإقامة دورات تثقيفية لذوي الإعاقة الراغبين في الزواج من بعضهم البعض.

JoomShaper