ضياء الدين أديب
قرأت في العدد الثالث من السنة الثانية من مجلة التمدن الإسلامي الغراء، مقالاً للعلامة البيطار بحث في حكمة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأسباب الداعية إليه مدلياً بما يجعل القارئ يرى هذا التعدد لازماً فجزاه الله خيراً.
وقال في آخر المقال (وأذكر القارئ بأن تعدد الزوجات في ذلك العصر كان من الضروريات لكثرة القتلى من الرجال وحاجة نسائهن إلى من يكفيهن لأن أكثر أهلن من المشركين فالمصلحة فيه للنساء لا للرجال. ولذلك كن يسعين أو يسعى الآباء أو غيرهن لمن يقتل زوجها أو يموت بكفؤ يتزوجها وإن كان له زوج أو أزواج غيرها).
ذكر الأسباب الداعية لتعدد الزوجات في ذلك العصر وقد زالت تلك الأسباب وإباحة التعدد لا تزال مشروعة عند المسلمين مقبولة لديهم فلا يرغبون عنها بديلاً أبد الدهر.
فلكي لا يتوهم الضعفاء من تلك العبارة أن التعدد شرع للضرورة وقد زالت. وأن حكمة التعدد مقصورة على كثرة قتلى الرجال في ذلك العصر، رأيت إتماماً للبحث زيادة التوضيح والتوسع في حكمة التعدد وما فيه من الفوائد ملخصاً من محاضرة في (تعدد الزوجات) لمفتي جبلة الأستاذ المفضال الشيخ محمد راغب فأقول:
إن حكم إباحة تعدد الزوجات مطلق عام غير مقيد بزمان أو مكان أو أقوام عند وجود العدل. لقوله تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: 3]، وقد أباحت الشريعة الإسلامية تعدد الزوجات لحكم جليلة منها:
(1) تتعطل المرأة عن الوقاع مدة الحيض في كل شهر ومدة النفاس في كل سنة وتتعطل بسب مرض أو نحوه.
وفي هذه الحالات لا يحل للرجل إتيان المرأة. ومن الرجال من لا يصبر عن الوقاع مرة في الأسبوع أو أقل من الأسبوع فحرمان الرجل الوقاع في هذه الحالات الثلاث لولا إباحة تعدد الزوجات قد يدفع الرجل لاجتراح المنكرات.
(2) يتفق العقم لبعض النساء، والنكاح سبب للتكاثر، وأن في الرجال من يرغب بالولد ويتزوج أملاً به، ولولا التعدد لضاع أمله وبقي محروماً من نوال أمنيته، ولساءت العشرة بين الزوجين، وربما جر السعي لطلب الولد من هذه الزوجة مرضاة لزوجها لما لا تحمد معه العاقبة.
(3) إن عدد النساء يربو غالباً على عدد الرجال لأن الرجال يعانون الأعمال الشاقة التي تستوجب إنهاك القوى وإضواء الأجسام بل وإزهاق الأرواح من الاشتغال بالمناجم، والأسفار بالبحور، والأخطار بالحروب وهم معرضون للموت من لسع الأفاعي وافتراس الحيوانات الوحشية أثناء اشتغالهم بزراعة الوديان وقطع الأحراش إلى أمثال ذلك من الأعمال الخطرة التي يقوم بها الرجال، فإذا امتنع التعدد، وربا عدد النساء على الرجال بارت النساء فلا يجد كثير منهن أزواجاً يحضنونهن ويقومون بإصلاح شؤنهن، ويتكفلن لهن ما لا بد منه للحياة فإن لم يتم لهن الإحصان كثر الفساد، ولحق العار الأسر، وتمكنت منهن عوادي الدهر وغوائل الحياة.
(4) إذا اقتصر الرجل على زوجة واحدة ووصلت إلى سن اليأس وقف الحمل وفقد الولد حتماً، مع أن الرجل يولد له مهما بلغ من العمر إلى أن يموت. فتعدد الزوجات والحالة هذه يزيد في النسل. وزيادة النسل لها فوائد كثيرة كما سيأتي.
(5) بتعدد الزوجات يكثر النسل وينمو عدد الأمة، فتقوى شوكتها وتتعالى سطوتها. وتنفذ كلمتها فترهبها الأعداء وتتقيها الأمم فتعيش عزيزة الجانب ومنع تعدد الزوجات مفضٍ إلى تناقص عدد الأمة بقلة النسل. ومتى تناقص عددها لانت قناتها وطمع فيها أعداؤها، وامتدت إليها الأيدي والألسنة بالسوء وعاشت ذليلة مهانة تسير في طريق الاضمحلال والاندثار، ولا أدل على هذا من أن عقلاء بعض الأمم الغربية تسعى السعي الحثيث لارتباط بعضها ببعض بالمحالفات مؤثرين الارتباط بالعهود والمواثيق على حرية العزلة والانفراد. طلباً لنيل فائدة التكاثر وليحرز قصب السبق في مضمار المجد والقوة، وينالوا أكبر قسط من السيادة الدولية.
(6) دل الإحصاء في غير الأقطار الإسلامية على أن حظر تعدد الزوجات أدى لوفرة الأولاد غير الشرعيين مما حدا بعض المفكرين منهم أن ينظر بتوريثهم وأدى أيضاً إلى انتشار الأمراض الفتاكة التي أصابت النساء والرجال والأطفال التي عجز الطب عن مكافحتها.
هذه بعض الفوائد التي أدركتها بعض العقول البشرية من تعدد الزوجات. وربما كان للتعدد حكم هي أعظم مما جاء في هذا المقال أتيح لبعض الأفاضل الوقوف عليها، وبعضها لا يزال غامضاً، فمن أدرك شيئاً من فوائد التعدد غير ما ذكر نرجو منه إلحاقها بهذا البحث فتضم إلى ما سبق بهذه المجلة ليكمل هذا الموضوع الجليل. فمن هذا يتبين أن الإسلام بإباحة تعدد الزوجات سهل للمسلمين سبل التكاثر بالنسل. ودلهم على أن القصد منه إرشادهم بأن تعدد الزوجات حماية للجنسين من الانغماس في حمأة الرذائل ووقاية لهما من انتشار الأمراض الوبيلة بينهم وأنه موجب لرفاهية وإسعاد الرجال والنساء على السواء.
فخليق بخصوم الإسلام الجاهلين حكمه وأسراره، الذين يرمون إباحة تعدد الزوجات بالقسوة، أن يمعنوا النظر في الأسباب السالفة وفوائدها. فيروا أن تعدد الزوجات يجدر به أن يكون في بعض الأحيان واجباً لا مباحاً فقط. ﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 213].
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثانية، العدد الخامس، 1356هـ - 1937م
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/69517/#ixzz2zoh4PMvf
حكمة تعدد الزوجات
- التفاصيل