أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
هناك اعتقاد سائد أن الدور المساند للرجل بفترة الحمل والولادة يتمثل بإنجازه الحصري لفقرته بلقاء الأنس في تلك الليلة التي تمتزج فيها العفوية مع الرغبة بنتيجة حدوث الحمل، لتبدأ الرحلة الأجمل بقطار الزوجية انتظارا لقدوم ضيف جديد للعائلة سيكون ذات شأن في المستقبل أو يترجم أحلاما لواقع، فالرحلة بقدر ما تحمل من بشائر وإجابات لأسئلة تحفر بوجدان الزمن، فإنها تمثل فترة زمنية مختلفة، حرجة، دقيقة وبدرجة من الحساسية تفرض تسخير جهوداً مضاعفة للمرور من نفقها بسلام، فهي عصيبة وخطيرة بنفس الوقت بسبب المضاعفات التي قد تعترض عربتها لتهدد حياة الأم والجنين، حيث البرامج التي تعتني بالأم الحامل ضمن خطة علاجية قد سهلت مرافقها بوسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائل الكشف المبكر عن الأمراض المرافقة أو الصامتة فتظهر بفترة الحمل تحت عنوان النتيجة أو السبب.
ضوابط البيئة الداخلية للحامل
تمثل فترة الحمل بمفهومها الطبي والفسيولوجي ظرفا طبيا دقيقا يحتاج لرعاية غير روتينية بل تنتفي صفة التعامل مع الشكوى والأعراض بالشكل المتداول بسبب ترافقها مع متغيرات كبيرة جداً خصوصا بضوابط البيئة الداخلية للسيدة الحامل، وهنا، لا بد من التركيز على معطيات المعادلة الهرمونية التي تتمثل بزيادة طبيعية عن الحدود المتعارف عليها خصوصا هرمونات الحمل الأساسية «البروجيستيرون والأستروجين» إضافة لهرمون الكورتيزون، بمثلث يسبب انقلابا جذريا بشتى السلوكيات يرافقه نتيجة وتأثرا تغير بعناصر المعادن الأساسية التي تحكم التفاعلات البيوكيميائية خصوصا بوجود تغيرات وظيفية بأجهزة الجسم المختلفة، واقع يفرض علينا تسميتها بإنقلاب مرحلي على المألوف ليناسب الظروف الصحية الجديدة التي تسمح بنمو الجنين بظروف مثالية.
إحدى نتائج المعادلة الهرمونية حدوث إضطرابات نفسية طبيعية بسبب اختلاف مؤشر الحساسية للسيدة الحامل وهي ليست مرضية أبدا، لتفرض على المعشر المحيط نهجا جديدا لشخصية جديدة، ظروف يجب أن تكون مقدرة من الزوج بالدرجة الأولى بإعتباره الأقرب نتيجة لكل التغيرات المصاحبة للأمر، فعندما بدأت قصص التاريخ فذكرت أن ولادة شكل من أشكال الشهية للمرأة الحامل يمثل بوابة رئيسية للتشخيص، فذلك ليس من فراغ أو محض تأليف بل نتيجة منطقية للواقع الجديد للحمل، محطة مراجعة لجميع مفاصل العلاقة العائلية ،تهدف بالأساس لاعادة توزيع الأدوار الأدائية خصوصا المتعلقة بالزوجين كوحدة متكاملة ويفضل أن يرافقها شكل من أشكال التغير السلوكي لبقية أفراد العائلة، بعد أن أصبح حدوث الحمل مناسبة تستحق الاحتفال فيها بالتهاني مرافقة لتغير بمعطيات البناء العائلي بعد أن اختلفت الظروف الحياتية والشخصية، فبعد أن كانت البساطة والطبيعة هي العامل الأساسي بتوافق الزوجين مشفوعا بالقناعة، لتتبدل الأمور بطلبات خيالية فرضت نفسها على المفكرين بخطوة الزواج، فارتفع سن الزواج وزادت نسبة العازفين عنه، إضافة لتعثرات تمثل إعاقات بوسائل التنفيذ لبناء العائلة النموذجية خصوصا في ظل الظروف الصحية والاقتصادية والعائلية لكلا الطرفين.
هموم الرحلة
الدور المساند للرجل بالحمل والولادة يتعدى حدود الدور المشجع بل يكون شريكا كاملا بهموم الرحلة، فعليه تقدير ظروف زوجتة بوضعها الجديد والتعامل مع الرغبات والتصرفات بروح من الايجابية التي تغلف سلوكيات قد فُرض عليها التغيير لمصلحة العائلة بالدرجة الأولى، فالزوجة الحامل - بل وغير الحامل- تحتاج لمراعاة زوجية تشعرها بالشراكة الحقيقية، مواقف لا يعادلها التعويض المادي أو الصرف المبعثر، فالشعور بتحمل الشراكة لا يمكن تقديره بمبلغ مادي وهو ليس كذلك ولا يمكن الاستعانة فيه لتعويض التفاعل الحقيقي مع الهموم وتقديرها، فربما وردة صباحية أو كلمة تحمل دفء المشاعر يكون وقعها ونتائجها عن صرف مادي بلا حدود، فأحيانا الواقع المادي والكرم غير المحدود لن يعوض كلمة جارحة أو تصرف ذكوري يعيدنا لحقبات الجاهلية بقيادة مركب العائلة، ويقيني أن السعادة توزع مكاسبها بالتساوي بين أفراد العائلة والحال كذلك لأمطار صيف غابر، فصاحبة المنزل تمثل مؤشر بورصة السعادة العائلية بكل أركانها، خصوصا تلك المحطة العائلية التي تمثل الانحياز الكامل لظروف ربة المنزل.
فراشات العمر
المساعدة بالأعمال المنزلية قد يكون شكلا آخر من أشكال الانتماء والمحبة ويبعث برسالة للزوجة تنقش حروفها بأثير العطاء والاخلاص ولا تحتاج أبدا لمعجم تفسير أو قيد اجتهاد أعمى يفسره البعض انتقاصا، فذلك لن يقلل من دور الرجولة الذي نمارسه، فصعوبات الحياة بمجملها تحتاج للتكاتف والتعاون لاجتيازها عبر محطات صعبة نحبها ونصنعها بطيب خاطر لأن تمثل وقود الاستمرارية بعالمنا المجنون، وتبرع الزوج بحمل جزء من هموم الزوجة أثناء الفترات العصيبة هو تنفيذ لنصوص الدستور العائلي الذي اساسه التعاضد على العمل بيد واحدة، فنسمات السعادة التي يحملها الجنين القادم للعائلة ، ستجعل من فراشات العمر ترتشف رحيق الاخلاص والتعاون، وأضيف، أن هناك مصلحة تتعدى الظرف المرحلي الذي سينتهي ويتكرر مرات، بنقشه سببا رئيسيا للمحافظة على روح الجمال والجاذبية بالزوجة الأم، أيقونة تشعرنا ببئر عطاء دائم، لشمعة تنير ظلمات القدر أحياناً.
تواجد الزوج مع زوجته أثناء المراجعة الدورية للاطمئنان على سلامة الجنين والأم يبعث برسالة متعددة المعاني تبدأ ببرهان الشراكة الحقيقية والحرص على وصول المركب لمحطته النهائية بسلام، إضافة لعربون التصميم بالبقاء بالمستشفى بجانب الزوجة أثناء مرحلة المخاض والولادة ليأخذ نصيبا من الألم كمؤشر قناعة أن الولادة محطة مغامرة صحية ليست سهلة كما يعتقد البعض وليست مسرحا للتمثيل بصعوبة فقراتها فيصعب الوصف أو الترجمة، فالعديد من الدول المتقدمة قد عدلت بقوانينها لمنح الزوج إجازة أمومة مدفوعة الأجر لتأكيد أهمية شراكته بتحمل أعباء المرحلة العمرية من الحياة الزوجية، وربما نحتاج لجهود مضاعفة لإقناع الرجال بمجتمعاتنا الشرقية بجلال الفكرة على أن تطبق على أرض الواقع حسب الدستور العائلي الذي يناصف بين الزوجين.
كثبان صحراوية تحجب الرؤية
يمثل استخدام الأدوية والعقاقير الطبية ،للسيطرة على التغيرات السلوكية والفسيولوجية بمحاولة تفسير الواقع الجديد بنسق مرضي، مغامرة للدخول بميدان مظلم غير محدد المساحة والظروف، فالعلاج يمثل حلا حصريا للاختلالات الصحية والتي يمنع الخلط بين أعراضها وتلك الأعراض الناتجة من خلل معادلات التحكم الداخلية، فشعور الشراكة الحقيقية بصعوبات الرحلة يترجم واقعا بمفعول السحر على السيدة الحامل، يصعب تعويضه وتزداد آثاره الخرابية ودماره بالاهمال أو حُسن النية بالتفسير بدون اتخاذ خطوة صحيحة لتحليل مفرداته من باب الاحساس الفعلي وليس مجاملة عابرة سرعان ما تتقطع وصالها بكثبان صحراوية تحجب الرؤية متسببة بشرخ شفافية زجاج العلاقة الزوجية بصعوبة الترميم بعد أن تتقصف الأطراف نتيجة نقص بالحاجة والمخزون العاطفي، خصوصا أن واحدا من محطات الرجل التي ربما يذكرها ويمارسها بفخر تتحدث عن أمجاد القدرة على الإطراء لأهداف خبيثة، فكيف سيكون سحرها لو تبرع بفعلها إكراما لزوجته وعائلته عن قناعة يؤمن فيها!
التجرد من الأنانية وحصر الهدف بإرتداء ثوب الأمان والاطمئنان يعتبر هدفا حصريا لمن يعلمون عن قناعة أن شهادة السعادة تبدأ بالعائلة وتنتهي فيها، فهل لنا أن نكون شركاء بكل محطاتها؟ سؤال قد يكون بريئا وجوابه المثالي عطفا على عنوانه بأنه أساسي وليس تكميلي، مقالة كتبتها هدية لكل زوجين يتقاسمان المعطيات والنتائج مع الاحترام وللحديث بقية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.