سهير بشناق

يدفع اطفال ضريبة نفسية باهظة نتيجة طلاق والديهم وانتقالهم للعيش عند والدتهم كونها تملك حق الحضانة, لكن الثمن الذي يقدمه الطفل (رامي) مضاعف بعد طلاق والديه إذ يرفض ان يتبع عائلة والده بأسمه ويصر ان ينسب نفسه الى عائلة والدته.
تلك واقعة حقيقية وان كنا اخترنا لضحيتها اسم رامي, فقد حدثت مع احد الاباء الذين يملكون حق المشاهدة لاطفالهم في دار ضيافة الطفل التابعة لاتحاد المراة الاردنية.
فالاب الذي نقل معاناته الى «الرأي» اكد انه منذ طلاقه زوجته قبل اربع سنوات وهو غير قادر على اقناعها برؤية اطفاله في مكان اخر غير دار ضيافة الطفل او اصطحابهم ساعات لبيته ليتسنى له رؤيتهم والجلوس معهم بعيدا عن اجواء الدار التي تبقى بالرغم مما تحاول توفيره للأطفال مكانا يسوده اجواء غير أسرية.
وشعر الاب بخيبة أمل كبيرة عندما اخبره طفله بانه ينسب نفسه الى عائلة والدته وانه لا يعترف به أبا.
فما يتعرض له الطفل من تعزيز مشاعر الكره لوالده من قبل والدته كان امرا مؤلما للأب لكن ان يصل الى الحد الذي يرفض به نسب والده يعتبر مؤشرا خطيرا على ما يمكن ان يحدث مع هؤلاء الاطفال الذين يقعون ضحية الطلاق والنزاعات الاسرية بين ابائهم وامهاتهم.
قضايا اجتماعية كبيرة وخطيرة يعيشها هؤلاء الاطفال الذين يذهبون اسبوعيا الى دار ضيافة الطفل لمشاهدة من لا يملك حق حضانتهم وهم في الاغلب (الاباء) إذ يشحن الأطفال لرفض مشاهدة ابائهم ويحملون صورا غير صحيحة عن ابائهم، تنشأ عندهم مع مرور الوقت غربة مشاعر اتجاه ابائهم فيكبرون وهم حاقدون على الاباء.
ويؤكد اخصائيون اجتماعيون ان تعنت الامهات ورفضهن ذهاب اطفالهم مع ابائهم والسماح لهم بمشاهدتهم خارج الاطار الرسمي يترك اثارا نفسية خطيرة على حياتهم المستقبلية فينشأون وهم لا يرغبون برؤية ابائهم.
وفي الوقت الذي يعيش فيه هؤلاء الاباء مأساة حقيقية اتجاه اطفالهم فان مسودة قانون الاحوال الشخصية الجديد الذي فرغت دائرة قاضي القضاة من اعدادها اخيرا يحمل معه املا جديدا للآباء الذين ليست لديهم حاليا اية سلطة لاقناع مطلقاتهم برؤية اطفالهم في اماكن اخرى غير دار ضيافة الطفل كون القانون الحالي، ان رفضت الام (الحاضنة) السماح لاطفالها بالذهاب مع ابائهم فان القاضي يحكم ونتيجة خلاف الزوجين على تحديد مكان مشاهدة الطفل بتنفيذ حكم المشاهدة في دار ضيافة الطفل.
ومنحت مسودة القانون القاضي الشرعي صلاحيات اكبر في التعامل مع قضايا المشاهدة لكنها اثارت مخاوف الامهات من قضية تمكن الاباء من اصطحاب اطفالهم خارج اطار دار ضيافة الطفل والسماح للأطفال بالمبيت عندهم.
لكن بذات الوقت شعرت امهات بان هذا الامر غير منصف لهن ولاطفالهن كون بعض الاباء لم يروا اطفالهم منذ سنوات عديدة فكيف سيمنحهم القانون الجديد حق مبيت الاطفال او اصطحابهم لايام معتبرين هذا الامر ظلما للأطفال الذين لم يعتادوا على مشاهدة ابائهم فكيف سيتقبلون فكرة الذهاب معهم؟.
تقول احدى الامهات زوجي تركني منذ ان كنت حاملا بطفلي الثاني وطفلتي كان عمرها ثلاث سنوات فهو لم ير طفله منذ ولادته، ولم يطلب مشاهدتهم. الا ان مسودة قانون الاحوال الشخصية الجديد يسمح للأب باصطحاب اطفاله ومبيتهم عنده.
وتساءلت «كيف سيتقبل اطفالي هذا الامر وهم غير معتادين على مشاهدة ابيهم ليجدوا انفسهم فجأة مجبرين على الذهاب مع والدهم؟».
فيما يؤكد القاضي الشرعي الدكتور اشرف العمري ان القانون الجديد هدفه الاساسي تحقيق مصلحة الطفل وتخفيف اثار الطلاق عليه قدر الامكان.
وقال ل»الراي» ان «ما تغير بالقانون الجديد هو منح القاضي صلاحيات اوسع بحيث يستطيع اذا تعنت الطرف الحاضن بالسماح للطرف الاخر باصطحاب اطفاله ومشاهدتهم في اماكن اخرى غير دار ضيافة الطفل دون ابداء الاسباب المقنعة يستطيع ان يحكم للأب اذا كان لا يملك حق الحضانة باصطحابه لاطفاله و السماح له بزيارتهم».
واعتبر العمري ان نص القانون الجديد بالسماح لمن لا يملك حق الحضانة بزيارة اطفاله والاتصال بهم واصطحابهم خطوات مهمة تصب جميعها في مصلحة الطفل كون الطرف الاخر الذي لا يملك حق الحضانة وهو في الغالب (الاب) له الحق ايضا بالبقاء على علاقته الابوية مع اطفاله خارج حدود الامكان الرسمية شريطة ان لا يتناقض هذا مع مصلحة الطفل او تعريضه لا ي خطر.
واوضح العمري ان منح القاضي صلاحيات اوسع في الحكم بهذه القضايا امر ركز عليه القانون الجديد بحيث تعنت طرف من الاطراف (الوالدين) بمشاهدة الاطفال دون ابداء الاسباب المقنعة يجب ان لا يبقى موجودا في هذه القضايا.
وقال العمري ان القاضي الشرعي ضمن القانون الحالي يحكم بمشاهدة الطفل في مكان آمن لا يلحق الضرر بالطفل اذا اختلف الازواج على تحديد المكان فلا يجد القاضي في هذه الحالة سوى الحكم بمشاهدة الطفل في الدور المخصصة لذلك، مبينا ان القاضي يرفض ان تتم مشاهدة الطفل في اقسام الشرطة كونها تترك اثارا نفسية سلبية على الطفل وتتعارض مع مصلحته.
واضاف العمري ان مسودة القانون الجديد ومن خلال منح القاضي صلاحيات اوسع ومرونة في الحكم ستلزم الطرف الذي يملك حق الحضانة بالموافقة على اصطحاب الطرف الاخر الذي قد يكون (الاب) لاطفاله في حالة عدم تقديم اسباب مقنعة من قبل الحاضن تحول دون ذلك.
وبين ان الاحكام المتعلقة بالمشاهدات كانت في تزايد مستمر من الاعوام 2003 الى عام 2006 حيث بلغت في عام 2003 ( 584 ) حكما وفي عام 2004 (623) حكما وفي عام 2005 (797) في حين انخفضت عام 2007 الى (707) احكام.
وذكر ان قانون الاحوال الشخصية المعمول به حاليا يعود الى عام 1976 باستثناء التعديلات التي طرات على القانون في عام 2001 والمتعلقة بقضايا الخلع وغيرها وهي جاءت بقانون مؤقت.
واكد القاضي الشرعي الدكتور منصور الطوالبة ان القانون الجديد في حال اقراره «سيكون قانونا رائدا ومرجعا مهما لقوانين الاحوال الشخصية في البلاد العربية و الاسلامية».
واشار الطوالبة الى ان مشروع القانون الجديد تعرض لقضية المشاهدة للأطفال بعد وقوع الطلاق بين الازواج بما يضمن تحقيق المصلحة الفضلى للطفل بما فيها المصلحة النفسية التي يجب ان تراعى عند تنفيذ حكم المشاهدة.
وقال ان التعديل الجديد بما يتعلق بالمشاهدة اعطى صاحب الحق بالمشاهدة برؤية الطفل المحضون وزيارته واصطحابه دون اللجوء الى مراكز المشاهدة حفاظا على نفسية الطفل.
وبين ان القانون الجديد ركز على اهمية تقوية العلاقات الاجتماعية والروابط التي تجمع بين الاطفال وذويهم وتعزيزها بحيث تصبح عملية تربية وتنشئة الطفل مسؤولية مشتركة بين الاباء والامهات بالرغم من وقوع الطلاق.
واشار الى ان الاصل ان يتم الاتفاق بين الازواج على مكان وزمان مشاهدة اطفالهم بعد حدوث الطلاق الا انه في حالة عدم حدوث ذلك يحدد القاضي المكان والزمان ليتسنى لمن يملك حق المشاهدة برؤية صغيره.
واكد الطوالبة أن القاضي سيراعي قبل الحكم لمن يملك حق المشاهدة باصحاب طفله والمبيت عنده مصلحة الطفل التي تاتي في الدرجة الاولى مبينا انه لم تحدث في السابق ان تم الحكم لاب لم ير اطفاله سنوات باصطحابهم لايام او المبيت عنده.

جريدة الرأي

JoomShaper