السبيل- مؤمنة معالي
في ظل تغير نمط الحياة الاجتماعية السائدة، وتوسع مجالات العمل والتعليم، لم تعد الطرق التقليدية التي تعارف عليها المجتمع لعقود طويلة هي السبيل الوحيد للبحث عن شريك الحياة، كاللجوء للخاطبات أو الاعتماد على ترشيح الأهل واختيارهم، أو الالتزام بعادات العائلة والارتباط بإحدى بنات العم أو ما شابه.
الصورة المجتمعية الجديدة التي غيرت قناعات الشباب ورؤيتهم لطريقة البحث والاختيار، لعبت دوراً مشهوداً في الآونة الأخيرة، حيث أضيفت سبل أخرى إلى النمط التقليدي في الاختيار. وكما يرى كثير من الشباب فإن اختيار الشاب شريكة حياته بنفسه، قد يكون أدعى لنجاح الحياة المستقبلية، بينما يعارضها البعض لاعتقادهم بأنها تمرد على العادات والتقاليد التي تعارف عليها الناس.
الدكتور منذر زيتون مستشار في وزارة التنمية الاجتماعية لشؤون التوعية الأسرية، قال في حديث خاص بـ «السبيل»، إن الدين لا يحدد طريقة معينة لاختيار الأزواج، ولكنه يحث الرجل على أن يختار المرأة الصالحة ذات الدين من غير إنكار عليه، إن حَرِص أن تكون ذات جمال أو مال أو نسب. لكن المهم في نظر الإسلام أن يكون الدين هو أساس الاختيار في المقام الأول، لأن الاعتبارات الأخرى قد تضعف أو تزول مع الأيام، فالجمال قد يتحول بتقدم العمر أو بحوادث يتعرض المرء لها. والمال قد يزول، والنسب قد يتراجع، فلم يحبب الإسلام له أن يجعل تلك الاعتبارات أو أحدها أساس الاختيار.. وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ومالها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك».
ويضيف د. زيتون، أن الإسلام حث -في المقابل- المرأة على أن تختار الرجل ذا الخلق والدين، ولم ينكر عليها أن تحرص على توافر مواصفات أخرى في الرجل بعد ذلك، ولكنه حذرها هنا من أن ترفض رجلاً اجتمع فيه صلاح الدين وصلاح الخلق، لأن رفضها لن يكون صحيحاً لرجل توافرت فيه الشروط المطلوبة لزواج ناجح مستقر، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».
وترى بعض المجتمعات أو العائلات، أن الزواج التقليدي هو الأسلم في طريقة اختيار الزوجة، إذ تقوم كل من الأم أو الأخت أو نحوهما بالبحث عن امرأة مناسبة لابنها، تستجمع الصفات الطيبة وتضاهيه من حيث المستوى المادي والبيئة المعاشة. وفي الزواج التقليدي هذا تحرص الخاطبة أن تكون العادات والتقاليد للمخطوبة وأهلها، قريبة من عادات عشيرتها وتقاليدها، تحرزاً من أي طلبات قادمة تستند إلى عادات غير دارجة عندها، قد تشكل مفاجآت تنغص سير الخطبة والزواج، وتُُعطى عائلة المخطوبة فرصة للسؤال والتقصي عن الخاطب وأهله، للوقوف على مدى أهليته للزواج بابنتهم ومصاهرتهم.
ويضيق مفهوم الزواج التقليدي عند البعض، ليقتصر على ذوي القربى، فالأولى في التزويج عند هؤلاء للأقارب، لأن الشباب والشابات من العائلة الواحدة أولى ببعضهم من الغرباء، وأقدر على تفهم ظروف العائلة، وقد ثبت أن كثرة الزواج من الأقارب من شأنها أن تسفر عن تناقل جينات تحمل أمراضاً تتطور شيئاً فشيئاً، حتى تكاد تُظهر صفات سلبية كامنة في مواليد يعانون من إعاقات أو مشكلات صحية كان الأقارب في غنى عنها لو غرَّبوا النكاح، كما هي الدعوة الثابتة من قديم حول تفضيل ما عرف بتغريب النكاح، وقد ورد في رواية عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه قال لبني السائب وقد اعتادوا على الزواج من قريباتهم: «مالي أراكم يا بني السائب قد ضويتم، غرّبوا النكاح لا تضووا»، أي لا تضعفوا، لأن تكرار زواج الأقارب يؤدي إلى ضعف في النسل، ولا يفهم من هذا أن الإسلام يمنع الزواج من الأقارب إذا كان في حدود المعقول، لأن التغريب ليس معياراً رئيساً من معايير الاختيار الزواجي، على أنه إذا تبين أن مثل ذلك الزواج إن تكرر فسيؤدي إلى ولادة أجنة مريضة، فهنا تنهض القاعدة الشرعية الثابتة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) لتمنع هؤلاء من زواج أقاربهم.
وفي إطار الزواج التقليدي لا يوجد ما يمنع من التقاء الشاب بالفتاة للتعارف ولرؤية بعضهما، حتى وإن تكررت تلك اللقاءات ما دامت في حدود الشرع وما يسمح به. وما دام القصد هو الزواج، فللشاب أن يجلس مع الفتاة جلسات محتشمة يتحقق لهما فيها بعض الخصوصية في بيت أهلها أو في أي مكان مأمون يسمح به الأهل ولا تتحقق فيه الخلوة من أجل أن يتعارفا ويتبادلا الحوار عن حياتهما المشتركة المنتظرة، وهو ما يشير إليه الحديث الشريف بقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن خطب امرأة ولم يرها: «إذهب وانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما».
وفي السماح للخاطبين بأن يتلاقيا أكثر من مرة رد على من يقول إن الطريقة التقليدية في الخطوبة لا ينجح الزواج بها لعدم معرفة الخاطبين ببعضهما، إذ أن مثل هذا الكلام يمكن أن يعتبر صحيحاً إذا كان الزواج بالإجبار أو من غير التعارف المذكور. أما إذا كان الزواج تتويجاً لتفاهمات تجري بينهما فهي ضمانة أولية للتوفيق بإذن الله تعالى.
وحول أشكال التعارف الأخرى يفصل الدكتور منذر زيتون: ففيما يختص بالشكل الآخر من أشكال الزواج وهو تعارف الفتاة والشاب واتفاقهما على الزواج مباشرة من غير اختيار الأهل، فلا بأس به إن كان يتم في ظروف محترمة تراعي الصدق والوضوح والبعد عن الخلوة وما يجرح المروءة من اللقاء المتكرر أو الاجتماع الكثير أو كشف الجسد أو التنقل الثنائي بين الناس، فيما يعرف بالصداقة والمصاحبة بحيث يوحي للناس عن وجود علاقة بين هذين الاثنين من غير زواج شرعي، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر وقوع حب امرأة في قلب رجل أو العكس ولكنه لم ير للمتحابين إلا الزواج، حتى لا يسفر ذلك عن علاقة عابثة تنال من سمعة المرء وأخلاقه وتكون طريقة لنشر الفحش بين الناس وتشجيعهم عليها.
والذي ينبغي في مثل هذا الحال أن يعطي الشاب والفتاة أهليهما فرصة التعرف على بعضهما والتأكد من ملاءمتهما هما الاثنين لبعضهما، لأن وجودهما في بيئة عمل أو دراسة واحدة أو ما كان بينهما من لقاء عابر لا يمكن أن يبين بوضوح مدى أهليتهما للزواج، لما قد يعتري ذلك من خداع بالكلام أو المظهر أو الوعود غير الصادقة من قبل أحدهما للآخر، وعلى الشابين هنا أن لا يتعنتا أو يتفردا برأيهما ويهملا رأي الأهل لأن الأهل أصحاب خبرة وتجربة وأقدر على تقدير الأمور منهما.
وختم د. زيتون حديثه لـ»السبيل» بالتنبيه إلى أنه قد يتجاوز الاختيار الثنائي أموراً مهمة يتطلبها الزواج الناجح عادة، كالتناسب في العمر، أو المستوى العلمي، أو البيئة العائلية، أو الخلفية الفكرية، أو نحو ذلك.. تحت دواعي ما يسمى بالحب الخاطف أو الحب من أول نظرة، والذي يستبعد أن يدوم بعد الزواج عندما تتكشف أهمية وجود تلك الأمور الأساسية لديمومة الزواج أو نجاحه، علماً بأن الإسلام اشترط للمرأة الكفاءة، بأن تقتنع بأن الزوج مكافئ لها من وجوه مختلفة تستأثر باهتمامها، إلا إذا تنازلت هي عن ذلك ولم يعترض وليها فتتحمل هي ووليها مسؤولية ذلك الاختيار ويطلب منها حين ذاك أن تتأقلم مع هذا الزواج الذي قد ينجح بالرغم من افتقاده إلى أوجه الكفاءة المختلفة أو بعضها.
نبض الشارع:
يرى أبو مجاهد، أن الزواج الذي ينتج من معرفة سابقة هو أفضل من الزواج التقليدي، لأن الشاب يستطيع أن يختار شريكة حياته بناءً على رغبته هو، الأمر الذي يولد تفاهما أكبر بين الطرفين، ويقلل من المشاكل، لأنهما من قاما باختيار بعضهما عن اقتناع، ولكن هناك نقطة أن على الشاب عدم الغلو في البحث وأخذها ذريعة للتعرف على بنات أكثر، وتتبع البنات اللواتي يعشن في أجوائه، لذلك أرى أن الشاب إذا وجد من توافقه وتصلح بأن تكون شريكة حياته بدون مغالاة فليفعل، أما إن لم يجد أو كان يترتب على إيجادها مفاسد اجتماعية وأخلاقية، فأنا أرى أن الزواج التقليدي أسلم وأفضل.
وتضيف تالا على ما سبق بقولها، إن طريقة الاختيار التقليدية تضيق جداً على كلا الطرفين، ولا تسمح لهما بالتعرف على الكثير من سمات بعضهما البعض، ولن يُكَوِّنا صورة واضحة عن الكثير من النواحي المهمة التي تحدد مدى توافقهما من عدمه، ما يؤدي للكثير من المشكلات مستقبلاً، وقد تصل إلى حد الطلاق، لذلك يحتاج هذا النمط من الاختيار للكثير من التروي والوعي.
تخالفهما انتصار الرأي؛ فترى أن الطريق الأجدى والأنجح -برأيها- أن يجري الاختيار عن طريق إحدى قريبات الشاب أو إحدى الموكلات بذلك، لأنها بداية طريقة اختيار درج عليها الآباء والأجداد ونجحوا في تكوين أسرهم من خلالها، وتضمن رضا كل من أهل الطرفين ومباركتهم، وبهذا يتم اختصار الكثير من المشاكل العائلية مستقبلاً، وترى أن التعارف في فترة الخطوبة قد يكون كافياً، وختمت برأيها أن الزواج لا يعتمد نجاحه على طريقة وأسلوب الاختيار، بل على شخصية وأسلوب تعامل كل من الشريكين.
جريدة السبيل