عبدالغني حوبة
إن أبعاد النَّجاح الشامل في الحياة لا تُحقَّق إلا بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، ولعلَّ من أهم العوامل الداخلية ما يسمى بالاستقرار الأُسريِّ، الذي يعتبر مؤشرًا لحياة زوجيَّة ناجحة، لعِب فيها أفرادُها أدوارَهم بصفة جمعت بين الثَّبات والمرونة، وقاموا بالاستفادة مِن تجارب الآخرين السابقة بالعلم النَّافع والعمل الصالح، فأثمر ذلك البيتُ المسلم عن ظهور فئات ذات سِمات خاصَّة، منها: الزوجة الفاضلة، والزوج الفاضل، والأولاد الفضلاء، ومن هنا يحقُّ لنا أن نتساءل:
♦ مَن هي هذه الزوجة الفاضلة؟ وما هي مواصفاتها التي ميَّزتْها عن غيرها؟!
♦ الزوجة الفاضلة هي أُنثى بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى؛ بطُهرها وعفافها وحجابها، وهي أنثى بحَيائها وتواضُعِها وخُلُقِها الرَّفيع؛ فقد قَتَل الكبرياءُ المزعوم كثيرًا من الزوجات وأودى بهم إلى الهلاك!
♦ الزوجة الفاضلة هي التي استفادت من وصيَّة أُمامة بنت الحارث لابنتها حين تزوَّجها الحارث بن عمرو، وهي - أيضًا - قد انتفعت مِن الإيجابيَّة في تعامل أم حكيمٍ المخزومية مع زوجها عكرمة بن أبي جهل!

♦ الزوجة الفاضلة تُحسن استقبالَ زوجها وتوديعه؛ فهو عندها سيد مُطاع في قومه، ولا بدَّ له أن يَحظى بالعناية والرِّعاية حين دخوله وخروجه من مملكته.
♦ الزوجة الفاضلة تَملِكُ قلبَ حماتها، باحترامها والسؤال عن أحوالها، واستشارتها أحيانًا، وهي مجتهدة في تذكير زوجها ببرِّ أمه، وإعطائها مِن الهدايا ما يفرحها.
♦ الزوجة الفاضلة ليست أنَّانة ولا حنانة، ولا منَّانة ولا حدَّاقة، ولا برَّاقة ولا شدَّاقة[1].
♦ الزوجة الفاضلة هي المطيعة للأوامر، المجتنبة للنَّواهي، هي زوجة صَبور تسعد بتلبية احتياجات زوجها، وترعاه بقلبها وقالبها؛ تقويةً للمودَّة، وإرساء للمحبة.
♦ الزوجة الفاضلة هي البَشوش، طلقة الوجه، مشرقة الابتسامة، فكلَّما عاد الزوج من عمله مرهقًا، وجد وجهها وضاحًا، وثغرَها باسمًا، وبهذا تزول أتعابه كلها ويرتاح بدخوله لبيته.
♦ الزوجة الفاضلة تكتم أسرارَ بيت الزوجية، وقد رثى جرير زوجتَه في عفافها ومحافظتها على الأسرار فقال:
كانت إذا هَجَر الخليلُ فِراشَها *** خُزِنَ الحديثُ وعفَّتِ الأسرارُ[2]
♦ الزوجة الفاضلة طيِّبة القلب، مرهفة الحسِّ والوجدان، تتصرَّف بعفوية واتِّزان، فلا تتكلَّف في أقوالها، ولا تتصنَّع في أفعالها وأحوالها.
♦ الزوجة الفاضلة هي إنسان محترمة، فكلُّها أدب واحتِشام، وحياتها تعامل باحترام، أسلوبها مع زوجها لَطيف، وسلوكها مع أقاربه جد ظريف.
♦ الزوجة الفاضلة جميلة تحبُّ الجمال، تتزيَّن لزوجها بما يَملأ عينه، ويشرح صدرَه؛ كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((ألا أُخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرَّتْه، وإذا أمَرَها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته))[3].
♦ الزوجة الفاضلة ليست هي خرَّاجة ولا ولَّاجة؛ بل هي التي ترتبط ببيتها ارتباطًا وثيقًا، فدارُها جنَّتها، وغرفتها صومعتها، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33].
♦ الزوجة الفاضلة هي التي تعيش واقعَ زوجها وطموحاته، وتشاركه في أفكاره وأُطروحاته، فهي ليست متفرِّجة تراقب الأحداثَ مِن بعيد؛ بل هي عنصر مؤثِّر في تقويم القديم وإقامة الجديد!
وانظر - يا رعاك الله - كيف واستْ خديجةُ بنت خويلد رضي الله عنها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عند بدء نزول الوحي، قولًا وفعلًا، لقد احتوتِ الموقفَ بإيجابية؛ فأما مساندتها اللفظية: فقد شدَّت من أزره برسائلها المحفِّزة الإيمانية بقولها: "كلَّا واللهِ لا يُخزيك الله أبدًا؛ إنَّك لتحمل الكَلَّ، وتقري الضيفَ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتعين على نوائب الحقِّ"، وأمَّا مساندتها الفعلية: فقد أخذته إلى ابن عمِّها ورقةَ بن نَوفل بن أسد بن عبدالعزى، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقال له: "هذا النَّاموس الذي نزل على موسى بن عمران، يا ليتني فيها جذعًا، لَيْتني أكونُ حَيًّا إذ يُخرجك قومك!".
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أوَمخرجيَّ هم؟!)).
فقال: "لم يأتِ أحد بمثل ما أَتيت به إلَّا عُودي، وإن يدركْني يومُك أنصُرْك نصرًا مؤزَّرًا"[4].
♦ الزوجة الفاضلة لها صِفات مميزة؛ فهي هادئة الصوت، تحسن فنَّ الإقناع والحوار، وتبتعد دائمًا عن النِّزاع والشجار.
♦ الزوجة الفاضلة ذكيَّة لمَّاحة؛ فهي تفهم سيكولوجية الرجل وعقليته، وهي تحسِن التعامل معه وفق تلك المعطيات، فقلَّما يقع التصادم بينهما!
فيا لها من زوجة فطنة!
♦ الزوجة الفاضلة تمدح زوجَها أمامَ أهله، وتصنع منه بطلًا وقائدًا، وهي تفتخر به وتُخبره بذلك، فتتقوَّى دعائم شخصيَّته، وينطلق للنَّجاح بقوَّة!
♦ الزوجة الفاضلة تُشعر زوجها - طَوالَ الوقت - برجولته، وتنمِّي فيه روحَ الشَّهامة والمروءة، والصِّدق والأمانة؛ بالتعزيز الإيجابيِّ لسلوكياته.
♦ الزوجة الفاضلة تتكيَّف مع أوضاع زوجها الرَّاهنة، وتجود عليه بالعاطِفة الصَّادقة، وتغمره بالحبِّ الدَّافئ، وتتغاضى عن مَساوئه الصغيرة وتتغافل عنها.
♦ الزوجة الفاضلة تَسعى لتطوير ذاتها وتنمية قدراتها، وإن لم تكن متعلِّمة مثقَّفة؛ فهي طَموح تساهم في ترقية طُموح زوجها، لتجعل منه نجمًا ساطعًا في مجاله، وقدوة في واقع الناس.
♦ الزوجة الفاضلة تدعو اللهَ صباح مساء أن يَرزقها حبَّ زوجها، وأن يحبِّبه فيها؛ فالحبُّ رِزق ينزل مِن السماء ويُقسم بين العباد، فيُطلب بالدعاء، وبالسَّعي للحصول عليه[5].
هذا، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شأن خديجة: ((إنِّي قد رُزقتُ حبَّها))[6].
♦ الزوجة الفاضلة تهتمُّ بشأن الأولاد اهتمامًا خاصًّا، وتعتني بمشاعرهم، وتراعي ظروفهم وحالاتهم، وتحسن تأديبَهم وتربيتهم، وتدعو اللهَ لهم بالتوفيق والفلاح.
♦ الزوجة الفاضلة ليست نِكَديَّة ولا عصبيَّة، ولا صامتة ولا شاردة؛ بل هي مبتهجة مسرورة، لَبِقة في كلامها، حُضورها واضحٌ في حياة زوجها.
♦ الزوجة الفاضلة تُهيِّئ لزوجها الجوَّ المناسب ليَبوح بمشاعره نحوها، ويسد جوعتها العاطفيَّة بفيض مِن همساته ولمساته، فيَزرع لها شجرةَ الثِّقة بنفسها، فتكون تلكم اللَّحظات الزوجية الدافئة بينهما.
♦ الزوجة الفاضلة مِن الصالحات القانِتات الحافظات للغيب بما حَفِظ الله؛ فهي لربِّها عابدة، وفي دنياها زاهِدة، تُذكِّر زوجها باليوم الآخر وفِقه القدوم على الله.
♦ الزوجة الفاضلة تصنع بإيمانها وحسنِ خُلُقِها أسرةً صالحة، متكونة مِن زوج تَقيٍّ وأبناء بررة.
ختامًا، ومن خلال ما تقدَّم ذكره، تبيَّن لنا أهمية الدور الذي تلعبه الزوجةُ الفاضلة في إسعاد الأسرة المسلمة، والسَّهر على استقرارها واستمرارها.
[1] حسان شمسي باشا، همسة في أذن زوجين، ص 178.
[2] ديوان جرير، شرح: محمد بن حبيب، تحقيق: د. نعمان طه، ص 865.
[3] الجامع الصغير، 1774، وقال السيوطي: حديث صحيح.
[4] صحيح البخاري، بدء الوحي، 4، وانظر صحيح مسلم، كتاب الإيمان، 160.
[5] حسان شمسي باشا، همسة في أذن زوجين، 68.
[6] صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، 2435.

JoomShaper