درس في قيمة الوفاء!
لا تخلو الحياة من مشكلات، ولن تنتهي بيننا الخلافات، ولن تتوقف النفوس عن المشاحنات، لأننا بشر ومختلفون ومتنوعون، والاختلاف آية من آيات الخلق، وسر من أسرار عظمته.
ولأننا مختلفون، سوف نختلف معا حين يتعامل بعضنا مع بعض، وربما يسوء فهم أحدنا للآخر، وربما يخطئ أحدنا في حق الآخر، فيتسبب في ضرره و إيلامه، أو ربما يشتعل الغضب، فيتحول الحب والود إلى نوع من الحقد والكراهية، أو تتحول الصداقة إلى نوع من الأذى والضرر، أو ربما تتحول القرابة للأسف في بعض الحالات؛ كمرادف للعداوة والانتقام!

والإسلام في كل هذا يدعو إلى المسامحة والصبر وسعة الصدر، وإلى حسن الظن وصلة الرحم، كما يفضل المخالطة على القطيعة حتى مع حصول الأذى وتحقق الألم.
يقول النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ: خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ"(رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما وصححه الألباني).
فالذي يتحمل الأذى، ويدفع بالتي هي أحسن، والذي يخالط الناس ولا يعتزلهم لا شك هو الأعظم أجرا عند الله.
ولكن تحت ضغط الألم وتتابع الأذى: ربما تضعف النفوس، فتذوب أهداب الوصل وتنقطع حبال الود ويلوذ البعض مضطرا إلى الهجران والفراق.
هنا يلاحقنا القرآن بتوجيهه العظيم، فيقول تعالى: ولا تنسوا الفضل بينكم!
وإن كان هذا الجزء من الآية: ورد في سياق العلاقات الزوجية، إلا أن العبرة كما نعلم بعموم اللفظ،. والآية في عمومها تشير إلى أنه لو آل الأمر ولابد من الافتراق عمن جمعتنا بهم صحبة يوم أو عشرة عمر: فليكن الفراق بالحسنى، ولا يحملنا ذلك الفراق على نكران الجميل؛ لمن أسدى لنا معروفا، أو كان له فضل علينا في يوم من الأيام!
"وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ"سورة البقرة237.
تذكرنا بتلك الذكريات الجميلة التي كانت في يوم من الأيام، تشرق على وجوهنا أنوار الابتسامة.
تذكرنا بتلك التضحيات التي قام بها من قطعنا معهم حبال الود، حين كنا متحابين في يوم من الأيام.
تذكرنا بكل موقف نبيل وقفه معنا ذلك الشخص، الذي أصبحنا لا نطيق رؤيته اليوم، أو لا نتحمل مجرد سماع اسمه!
تذكرنا بكل خير أسداه إلينا ذلك الشخص، يوم أن كنا محتاجين إليه، فلم يأل جهدا معنا، ولم يقصر في حقنا!
إنه ميزان الاعتدال: أن نضع لكل إنسان حسناته وسيئاته، فلا نطغى في الميزان!
(وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) سورة البقرة237.
لنضعها نصب أعيننا قاعدة عامة في حياتنا، ولنتعلم منها درسا عظيما في قيمة الوفاء!
وإلى لقاء قادم نتحدث فيه عن صنف من أهم الأصناف في هذا السياق.
الأبوان: وما أدراك ما الأبوان!

JoomShaper