عمان- جاء الصيف ورجع معظم المغتربين إلى أرض الوطن، وامتلأت بيوت الأجداد بالأبناء والأحفاد، وعادت اللهفة إلى قلوب متعطشة للعاطفة اللامحدودة، ولقلوب الأجداد المتعطشة للبراءة الحقيقية.
من الأمور التي لم تتغير في عصر التكنولوجيا هي بيت الجد الذي كان وما يزال وسيبقى الحضن الدافئ الذي يشع حبا وعفوية وأصالة على مر الأزمان وفي كل مكان في العالم؛ فمن منا لا يلجأ لبيت الجد إن كان يريد وقتا مستقطعا!
ومن منا لم يرتم في حضن الجدة إن قست عليه الحياة.. أو لم يتصل بجده وجدته ليدعوا له بالتوفيق والنجاح قبل الامتحان، ومن منا لم يطلب من جدته طبقه المفضّل.. ومن منا لم يحظى برمية مداعبة مع ضحكة شقية من عمه أو خاله.. ومن منا لم يعبث في خزانة عمته وخالته ليرتدي ملابسها ويجرب ويلطخ وجهه بماركات الماكياج التي في درجها. ومن منا لم يغضب من
والديه لأنهما يحاولان تطبيق القوانين، ولكنه حظي بدفاع قوي وهجمة مرتدة من جده وجدته.. هذا هو بيت الأجداد باختصار.
كثير منا يعتقد أن الفائدة من بيت الأجداد تعود فقط على الأجداد أنفسهم، إلا أن الفائدة متبادلة بين الأجداد والأحفاد. وأوضحت الدراسات أن الأجداد والجدات الذين يساعدون من فترة لأخرى في رعاية الأحفاد يعيشون لفترة أطول ويكونون أكثر سعادة من غيرهم، ويكونون منفتحين أكثر على العالم وعلى علم أكثر بوسائل التكنولوجيا الحديثة، ويكونون أسرع تأقلما مع الظروف من غيرهم وتقوى مناعتهم.
لكي يبقى بيت الجد مفعما بالمحبة دائما:
- أحيانا تحصل بعض المشاحنات بين الأجداد والآباء لأن الأجداد يسمحون للأحفاد بتخطي القوانين التي تعودوا عليها في بيت آبائهم؛ كالسماح لهم بالأكل في كل غرف المنزل حتى لو تعودوا على الأكل في المطبخ فقط.
ينبغي التحدث مع الأجداد بهذا الخصوص والاتفاق مسبقا على طريقة ترضي الجميع وخاصة إذا كانت الزيارة لبيت الأجداد طويلة أو التردد لبيت الأجداد متكرر كثيرا.
- يجب أيضا توضيح الأدوار والحدود للجميع لتلافي الجدال المتكرر على نفس الأمور؛ فغالباً تغضب الأمهات من الخالات مثلاً لأن الخالات قد يوبخن أطفالهن، مع ان الأمهات قد يقسون أكثر، ولكن لا يهن عليهن إن تم توبيخهم من قبل أحد الأقارب.
لذلك على الأجداد والأعمام والعمات والأخوال والخالات ان يتحلوا بالصبر وأن يتذكروا ان هؤلاء الأطفال ما هم إلا ضيوف في البيت، كما أن على الآباء والأمهات أن يعمموا أن كل من في البيت يحب هؤلاء الأطفال ولن يوبخهم أو يقسو عليهم إلا إن كان هناك مشكلة فعلا.
- يجب توزيع العمل بين الجميع؛ أي بين الأجداد والآباء والأحفاد وكل من يسكن، لئلا يكون العبء الأكبر على أصحاب البيت؛ أي على الأجداد والأعمام والعمات أو الأخوال والخالات. فحتى الأطفال الصغار يمكنهم المساعدة في وضع الطعام على السفرة وترتيب الأسرة أو على الأقل في ترتيب الألعاب بعد اللعب.
- قد يبالغ الكبار، كالآباء والأعمام والعمات أو الأخوال والخالات، في الخوف على الأجداد، فيمنعون الأحفاد من اللعب بصوت مرتفع أو من طلب ما يشتهون من أطباق لذيذة من الجدة.. لا داعي للخوف لان الأجداد يستمتعون فعليا بهذه الفوضى الجميلة بين الحين والآخر على ألا تزيد عن حدها.
- يمكن الاستفادة من هذه الجمعة التي تجمع الأجيال المتباعدة عبر تحضير الأطباق التقليدية، وأن يعلم الأحفاد أجدادهم استخدام التكنولوجيا مثلا.
- يمكن أيضا استغلال الوقت الذي يتواجد فيه الأحفاد في بيت الأجداد بتعريفهم على العائلة أكثر؛ فبيت الأجدد عادة يأتيه الأفراد من الأسرة البعيدة عادة.
- يمكن إعطاء وقت مستقطع للجميع والخروج في نزهة بين أحضان الطبيعة، أو أخذ الأحفاد لزيارة الأقارب أو الجيران.
- لا تنسوا التقاط الصور التذكارية لأجمل الاوقات والجمعات في بيت الأجداد لتكون ذكرى أبدية لنا وتعلمنا الكثير.
تعلموا من الأجداد كل ما له علاقة بأصالة الماضي من ثقافة وتراث وأكلات شعبية وأغاني تراثية، واكسبوا منهم بركة الدعاء وعذوبة الكلمات، وخذوا منهم النية الطيبة والحكمة وكل ما هو جميل.
ولكن تذكروا أنهم يعانون من أمراض بسبب التقدم في السن وأنهم يضوجون بسرعة؛ فوازنوا بين إسعادكم لأنفسكم ولأولادكم وبين راحتهم وإسعادهم.
ميس طمليه/ كاتبة ومترجمة