محمد صلاح عبد الجواد
الوقوع في الحب المتبادل من أفضل التجارب التي قد يعيشها الإنسان. وعلى الأغلب يتطور الحب إلى علاقة عاطفية ذات إطار، وخلال العلاقة يتطرق كلٌ من الطرفين إلى التقرب للآخر، وقد يحدث ويكتشف أحدهما أن شريكه في العلاقة مصاب بمتلازمة القلق أو الحصر النفسي أو ما يعرف في الإنجليزية بـ«Anxiety Syndrome»، وهي التي قد تدفعه فعل أمور قد تسبب تدهور العلاقة مثل: الغيرة الزائدة والشك والخوف من الذهاب إلى بعض أماكن معينة أو فعل أمور بعينها قد يريد شريكه فعلها معه؛ ولذلك تكون متلازمة القلق سببًا أساسيًا يهدد استمرار العلاقة
العاطفية بين الشريكين، ولكن دائمًا يملك علم النفس حلولًا عملية لمعالجة مثل هذه الأمور. وفي هذا التقرير نقدم لك أفضل الطرق والنصائح التي يقدمها علماء النفس لإنجاح علاقة عاطفية مع شخص مُصاب بمتلازمة القلق، أو الحصر النفسي.
بدايةً.. ما هي متلازمة القلق أو الانحصار النفسي؟
القلق يراود الإنسان عندما يتعرض لبعض التجارب الجديدة مثل: دخول الامتحان لأول مرة، أو السفر إلى بلد جديد، أو حتى بدء وظيفة في شركة مختلفة. لذلك فإن القلق هو شعور طبيعي ما دام يرتبط بأحداث مؤقتة، ولكن عندما يصبح القلق جزءً أساسيًا من الحياة اليومية للإنسان بشكل قد يتطور أحيانًا إلى الخوف والرعب من مواقف وأمور بعينها. يكون الإنسان مصابًا بمرض متلازمة القلق؛ مما يجعله يتوقف عن فعل أشياء كان يستمتع بها، وفي بعض الحالات قد يتوقف عن استخدام المصعد، أو عبور الطرقات، أو قد يدفعه للجلوس في منزله أغلب الوقت.
متلازمة القلق لها أشكال عديدة مثل نوبات الهلع التي تصيب الشخص في أوقات غير متوقعة، وتسبب له ضيقًا في التنفس وعدم القدرة على التصرف بشكل طبيعي، ومنها الفوبيا أو الخوف غير المبرر من الحيوانات، أو الأماكن المغلقة، أو المرتفعات، بالإضافة إلى متلازمة القلق التي تصيب الشخص بعد التعافي من أزمة عصبية أو نفسية؛ ليصبح قلقًا من التعرض لتلك الصدمات مرة آخرى، ويوجد ثلاثة أنواع أخرى من متلازمة القلق يكون لهم تأثير قوي إن كان المصاب بإحداها في علاقة عاطفية.
1-اضطراب الوسواس القهري: وهو يدفع الشخص للتفكير في أمور غير عقلانية وغير منطقية، تجعله يفعل تصرفات غير صحيحة تضره أو تضر الآخرين، مثل الاعتقاد بأن شريكه في العلاقة يخونه أو يريد الانفصال عنه.
2-اضطراب القلق الإجتماعي: وهو الخوف من أن يأخذ الآخرين عنه انطباعات سلبية في المناسبات والمواقف الاجتماعية، لذلك لا يتمكن الشريكان من الذهاب أو الاشتراك في بعض المناسبات الاجتماعية؛ لأن أحدهما قد يشعر بالقلق الشديد حال التواجد في أي من تلك المناسبات.
3-اضطراب القلق من الانفصال: وهو يدفع الشخص للقلق عندما يبتعد عن الأماكن التي يشعر فيها بالأمان، وفي حالات آخرى يشعر الشخص بالقلق الشديد حال ابتعاده عمن يحب؛ مما يجعل شريكه بالشعور بعدم الحرية؛ فهو مطالب طوال الوقت بالوجود قريبًا من شريكه المصاب باضطراب القلق من الانفصال.
حان وقت الذهاب للمعالج النفسي
ليس من السهل إقناع أحدهم بالذهاب للطبيب النفسي، خصوصًا وأن فكرة الذهاب للطبيب النفسي قد تكون وصمة في بعض المجتمعات؛ ذلك إن حاولت إقناع شريكك المريض بمتلازمة القلق بالذهاب للطبيب أو المعالج النفسي، فهناك احتمال كبير أن ينزعج ويخبرك بأنه ليس مجنونًا لكي يتعالج نفسيًا، ولكن دائمًا هناك حل؛ في البداية يجب أن تعلم أن ليس كل شخص مُصاب بمتلازمة القلق يعلم أنه يعاني من اضطراب نفسي يمكن علاجه؛ لذلك مهمتك الأولى هي أن يعلم صديقك أنه مصاب بتلك المتلازمة وأنه يمكن علاجها؛ ولكن تذكر أن لا أحد يستقبل هذا بصدر رحب؛ لذلك سوف يتعين عليك توفير له الكثير من المصادر التي يمكن أن يتعلم منها عن اضطرابه النفسي، بالإضافة إلى أنك سوف تحتاج مساعدة من بعض أصدقاء شريكك المقربين، أو شخص شريكك يثق به ويحبه لكي يقنعه هو الآخر بأهمية الذهاب للمعالج النفسي.
لمرة ثانية نكرر أنه ليس من السهل على أحدهم الاعتراف باضطرابه النفسي، حتى وإن اقتنع شريكك بمعاناته من اضطراب القلق، سوف تجده يدخل مرحلة ثانية من المقاومة، وهي مقاومة اتباع خطة علاجية تتضمن جلسات دورية مع الطبيب المعالج، فضلًا عن دورة من الأدوية والعقاقير الطبية، وحتى إن أصررت على أهمية تلك الجلسات أو العقاقير الطبية؛ فمن المُرجح أن شريكك سوف يعاند أكثر، ومن الممكن أن يقترح عليك أن هناك حلولًا أخرى من وجهة نظره يمكن من خلالها أن يتخلص من متلازمة القلق، مثل الصلاة، أو التأمل، أو ممارسة الرياضة، في هذه الحالة لا تصر على أهمية اللجوء للطبيب أو العقاقير الطبية، بل فقط ادعمه في حلوله، وإن فشلت، فلن يعاند شريكك فكرة الذهاب للطبيب أو استخدام العقاقير الطبية مرة أخرى على الأرجح.
وحتى بعد الذهاب للمعالج، لن يستسلم شريكك للأمر بسهولة، بل من المتوقع أنه بعد فترة قليلة من بدء الفترة العلاجية، سوف يشكو لك أنه يواظب على الجلسات الاستشارية، ويتبع الخطة العلاجية واستخدام العقاقير؛ ولكنه حتى اللحظة لا يشعر بأي تغير في صحته النفسية؛ فهو لا يزال يعاني من أعراض متلازمة اضطراب القلق، في هذه الحالة حاول أن تدعمه معنويًا وتخبره بأننا كلنا بشر، وأن كل يوم هو يمضي قدمًا نحو التخلص من هذه المتلازمة، ومن الأفضل أن تتحاور أنت شخصيًا مع المعالج النفسي، وهو سوف يجعله يقتنع بأنه يتطور في العلاج.
ولكن ماذا عن الدعم المعنوي؟
عندما يتحدث شريكك بضيق عما تفعله به متلازمة القلق في سياق علاقتكم العاطفية، وكيف يبرر بها أفعاله التي قد تزعجك أحيانًا، من السهل جدًا أن تنزعج وتعزي هذا إلى أسباب أخرى قد تكون الأنانية منها على سبيل المثال، ولكن هذا ليس بصحيح وسوف يجلب الكثير من الاضطرابات في علاقتكما، أنتما في غنى عنها؛ لذلك يجب أن تبتعد كل البعد عن نقد شريك، بل انتقد الفعل نفسه؛ لأن انتقاد الشخص يقلل من ثقته بنفسه، وهذا ما لا يريده أي شخص مريض بمتلازمة القلق.
بالتأكيد هناك أمور لن يتمكن المعالج النفسي فعلها؛ فمثلًا لن يتوقع شريكك أن يضع رأسه على كتف المعالج بينما يحكي له عما يؤرقه نفسيًا، الطبيب المعالج لن يفعل أمورًا عاطفية كثيرة مع شريكك، لذلك يجب أن تهتم أنت به عاطفيًا، وبالأخص إن كانت الشريك الذي يعاني من متلازمة القلق هو الأنثى، وقد أثبتت الدراسات أن الإناث أكثر عرضة من الرجال للإصابة باضطراب القلق.
10 طرق مثبتة علميًا لتخفيف الضغط النفسي
وفي النهاية يجب أن تتحلى بالصبر؛ لأنه كما ذكرنا من قبل لا شيء يتغير بين عشية وضحاها، ولكن كل شيء يأخذ بضع الوقت، وتذكر دائمًا إن كان شريك مصابًا باضطراب القلق، فالمهم أنه مع كل خلاف بينكما أن تترك له فرصة للحديث، وأن تكون مستمعًا جيدًا حتى تقدر على استيعاب همومه واضطراباته النفسية.