ديمة محبوبة
عمان- لم تنس رجاء، اللحظة التي تحدث بها زوجها وطلب منها الانفصال، ولم تفهم حينها ما يدور في رأسه، وكيف استطاع اتخاذ هذا القرار بيوم وليلة!، ومن دون أن يكون هنالك مشاكل أو خلافات تمهيدية لوقوع هذا الأمر.
خاطب الزوج زوجته قائلا “منذ سنين والحوار بيننا معدوم.. لا أعرف بماذ تفكرين وما الذي يفرحك أو يحزنك، كل ما تفعلينه هو الصمت أو ردود فعل غاضبة لا أعرف سببها.. باختصار أنا أعيش معك في بيت واحد ولا أعرف بماذا تفكرين”، بحسب الزوجة رجاء.
لم تدرك رجاء أن تصرفاتها هذه قد تكون سببا في الوصول لقرار الطلاق، هي تعترف أنها حينما لا يعجبها أي شيء تفضل الصمت وعدم الحديث، وقد يظهر غضبها بردود فعل، لكن لا يُفهم سببها، وهو ما كان يزعج شريكها على الدوام الذي كان يردد على مسامعها دائما، “نحن نعيش في بيت واحد.. لكننا مثل الأغراب”.
عندما يغيب الحوار في العلاقات الزوجية، ويتعمد كل طرف على أن لا يشارك الطرف الآخر مشاعره وأفكاره وما يدور في عقله، تفقد العلاقة الزوجية رابطا مهما، ما يزيد الجفاء بين الزوجين، لتتسع مسافات البعد بمرور الوقت.
مسلسل “لعبة نيوتن” الذي عرض في شهر رمضان، وسلط الضوء على نقطة مهمة قد تكون البداية لانهيار أي عائلة، وهي غياب الحوار، وعدم إشراك الطرف الآخر بالأفكار أو المخططات، ليفهم ما يدور في تفكيره، بالتالي التعصب بالرأي من دون سماع الآخر، أو اللجوء للصمت، وترحيل المشكلات قد يصبح “شرارة” انهيار العلاقة الزوجية.
تتحدث ميساء عن تجربتها القاسية أيضا، والتي أدت إلى انهيار زواجها، تقول “أنا سيدة عاملة ومسؤولة عن قسم بأكمله في إحدى الدوائر الحكومية، تزوجت مدة عامين وبعدها حصل الطلاق، ورغم محبة كل منا للآخر، إلا أن غياب الحوار والتفاهم كان سببا رئيسا في فراقنا، فأي نقاش كان يدور بيننا سرعان ما ينتهي وقبل أن يبدأ، وفي أي أمر حتى وإن كان بسيطا”.
وتضيف “أن الأمور ازدادت صعوبة بعد الزواج، فهناك أمور حياتية تشاركية لم يأخذ رأيي بها وأي حوار بيننا يتعصب لرأيه ولا يلتفت أبدا لوجهة نظري وهذا الأمر قلل ثقتي بذاتي، فأي فكرة تدور في رأسي لا أبوح بها لمعرفتي المسبقة بأن أي حوار سينتهي بمشكلة، لذلك وجدت أن الطلاق هو الحل”.
وترى ميساء، من خلال تجربتها، أن الحوار والنقاش أساس نجاح العلاقات بين الأفراد، ومهارة أساسية، وغير ذلك يكون سببا في انهيار الزواج.
والأصل في العلاقات، نقطة التلاقي التي تجعل الحوار سيد الموقف، وفق اختصاصي علم الاجتماع د. حسين خزاعي الذي يبين أن ذلك يؤسس للثقة بين الطرفين، فإن وجدت المصداقية والثقة يكون الحوار أكثر نجاحا وتفهما بين الشريكين.
ويذهب إلى أن ضغوطات الحياة تجعل البعض لا يفرقون ما بين الحوار والخلاف أو الشكوى، فجميعها أسباب تجعل الفرد يبتعد عن الحوار الإيجابي والحديث المشترك الذي من الممكن أن يكون “حلا” للمشاكل وإنهاء الخلافات، وبالتالي استقرار العائلات.
ويؤكد أن هناك عينة من الأفراد عندما تدخل الحوار، تكون هجومية وكأنها في مناظرة مع عدو، فلا شيء يردعها عن قول كلمات وجمل قاسية تخرج الحديث عن مساره. لذلك يلجأ الطرف الثاني للصمت، فلا فائدة من الدخول في حوارات غير نافعة، ما يجعل الحياة أكثر سوءا والمشاكل أكثر تعقيدا.
وبحسب خزاعي، بعض العائلات يتعامل فيها الرجل بكبرياء وسيطرة، فيخوض وينهي الموضوع بلا نقاش وبلا حتى السماح للآخر بالحديث والتعبير عن رأيه أو سماع صوته، ما يجعل الخلافات تكبر بين الطرفين.
اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، يؤكد أن الحوارات الفاشلة بين الطرفين تتسبب بتعاسة كبيرة، فالعقل يحاول أن يحمي ذاته عندما تبدأ المشاكل أو الحوارات، فيلجأ الى التزام الصمت على أساس أنه يقوم بالدفاع، إلا أن هذه الدفاعات المتكررة تجعل الحياة صعبة وأحيانا تصل إلى الانفصال العاطفي أو الطلاق الحقيقي.
ويؤكد مطارنة أن الحوار والنقاش بين الطرفين يمكن أن يتم بسلاسة وبما يحقق الفائدة، وذلك يعتمد على ثقافة ودرجة عالية من الوعي وتقارب المستوى الثقافي بينهما، مع الأخذ في الاعتبار أن الرجل بطبيعته يميل إلى الصمت، ولا يتمتع بالمهارات الكلامية التي تحظى بها المرأة أحيانا.