ربى الرياحي
عمان- تختلف الأمهات في طريقة تربيتهن لأبنائهن، فهناك من ينجحن في الموازنة بين حبهن الكبير لفلذات أكابدهن ورغبتهن في تأهيلهم وتهيئتهم لحمل جزء من المسؤولية معهن، وخاصة إذا كنا أمهات عاملات، ففي هذه الحالة تكون الضغوطات عليهن مضاعفة ويحتجن لمن يساعدهن ويخفف عنهن ثقل المتاعب الملقاة على عاتقهن.
أما النوع الآخر وهنا تكمن المشكلة، لكون الأمهات يتركن العنان لعاطفتهن الجياشة، فيبالغن في حب أبنائهن ويظهرن تلك المشاعر بشكل واضح، وهنا تحديدا تفقد الأم السيطرة على أبنائها، لأنها تعطيهم الحرية الكاملة وكأنها تعفيهم من أي مسؤولية داخل البيت، وهذا بالطبع ينتج عنه فوضى عارمة في شتى شؤون حياتهم سواء الدراسية أو حتى المشاركة في الأعمال المنزلية، فالاعتماد كله ينصب فقط على الأم، وبالتالي يتحول الأبناء إلى شخصيات اتكالية تفتقر لروح التعاون والمبادرة.
الأربعينية مروة غالب هي أم لأربعة أبناء تقول، من الطبيعي أن تحنو الأم على أبنائها وتحبهم حبا غير مشروط وتنذر حياتها في سبيل إسعادهم وراحتهم. لكنها بالرغم من ذلك كله تجد نفسها مخطئة في تربيتها لأبنائها الأربعة وأنها مؤخرا بدأت تحصد ثمار هذا الخطأ للأسف.
الأم مروة مطالبة بكل شيء داخل البيت وخارجه، عملها لساعات طويلة لم يشفع لها مطلقا بل على العكس زاد من متاعبها وتلك الضغوطات النفسية والجسدية التي أخذت تشعر بها رغما عنها. مبينة أن حبها الكبير لأبنائها منعها من أن تقسو عليهم حتى لو ظاهريا الأمر الذي أدى إلى استهتارهم واتكالهم عليها حتى في أبسط الأمور وترجع مروة السبب في ذلك إلى أن أبناءها نقطة ضعفها وأنها تتعامل معهم بديمقراطية بحتة أقرب ما تكون للمصادقة.
طريقتها هذه لم تجد نفعا لأن أبناءها وبرغم حبهم الشديد لها وتقديرهم لتضحياتها إلا أنهم يكتفون بالأقوال والوعود بعيدا عن الأفعال.
تقول سئمت أن أطلب منهم المساعدة فأنا أعرف النتيجة مسبقا، لذا أقف حائرة أمام مماطلتهم وتهربهم واختلاقهم للأعذار هي تدرك جيدا أن حبها الزائد لهم يعطيهم الضوء الأخضر دائما للتحلل من مهام ومسؤوليات تحتاج مشاركتهم فيها لكي تستطيع أن تصمد في وجه الضغوطات والمشاكل التي تعترضها لكنها مع ذلك لا تقوى على معاقبتهم، وخاصة أنهم كبروا اليوم ولم يعودوا صغارا، آملة أن يشعروا بها من تلقاء نفسهم ويبادروا لمعاونتها على تجاوز صعوبات الحياة.
أما الطالبة الجامعية مي عمر والتي تستفزها جدا الشخصيات الاتكالية، فتتساءل بتذمر واستغراب لماذا يتغافل الأبناء عن تقدير التضحيات المقدمة لهم؟ وهل يسعدون بتعب والديهم دون أن يكون لهم دور في التخفيف عنهم وتحمل جزء من المسؤولية معهم؟
هي تجد وعن تجربة شخصية أن الاعتماد على النفس في الصغر من أهم الأمور التي يجب غرسها في الأبناء وهذا تماما ما تربت عليه هي وإخوتها.
تقول، أنا مدينة بالشكر والامتنان لوالدتي فبفضل الله وفضلها تمكنت من أن أكون شخصية مستقلة وقوية قادرة على تلبية كل احتياجاتي تقريبا، وأيضا المشاركة في تنظيم شؤون البيت وتحمل جزء من المسؤولية لكن دون مبالغة. مشيرة إلى أنها عاشت طفولة سوية لم تثقل عليها أبدا والدتها بل كانت تعاملها باتزان وتقدر في المقابل سنها الصغير.
ثقتها الكبيرة بنفسها وقدرتها على إدارة أمورها الشخصية وتعاونها مع من حولها واستعدادها الدائم لأن تقدم المساعدة لمن يحتاجها سواء كان ذلك داخل البيت أو خارجه هي كلها أمور في حقيقتها تزيد من استغرابها وإصرارها على لوم صديقتها المقربة، والتي تفتقد للثقة وروح المبادرة لا تصلح مطلقا لأن تكون عونا وسندا لأفراد أسرتها، فهي لا تبالي بذلك أصلا ولا يعنيها أن تكون مسؤولة وصاحبة قرار وهذا حتما كان له انعكاسات سلبية على حياتها، اتكالها على المحيطين بها صنع منها شخصية هشة ضعيفة غير قادرة على مواجهة الأزمات وبالتالي أفقدها الكثير من علاقاتها.
الأخصائي التربوي والأسري الدكتور عايش نوايسة يجد أن تعويد الابن أو الابنة على الاتكالية وإلقاء المسؤولية على الأم وحدها سببان يخلقان جيلا مهزوزا متواكلا يعتمد بشكل كامل وأساسي على الأم في تلبية طلباته من مأكل ومشرب وتنظيف وهذا يعزز لدى الأبناء بالطبع التقاعس والكسل وهذا ما يعرف بالتربية السلبية.
ويبين أن هذه التربية يلغى فيها دور الابن في المشاركة وإبداء الاستعداد للتعاون والمساعدة، وتغيب عن شخصيته الثقة بالنفس وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب، مما يزيد ذلك كله من أعباء الأم وحجم الضغوطات النفسية، وخاصة إذا كانت امرأة عاملة عندها فقط يصبح لديها مهام داخل البيت ومهام خارجه إضافة إلى قضية التعليم عن بعد.
ويبين تغاضي الأم وتغافلها عن غرس سمة الاعتماد على النفس في أبنائها بسبب الحب الزائد لهم يقتل فيهم روح التعاون مؤكدا ضرورة توزيع المسؤوليات لأن ذلك يخفف من المتاعب.
ويذهب المستشار الأسري والنفسي الدكتور أحمد سريوي إلى أن اتكال الأبناء على أمهم في تصريف أمورهم حتى الشخصية منها منذ الطفولة له أثر سلبي كبير على شخصية هذا الطفل فيما بعد. فما لا تعلمه الأم عن هذه المرحلة الهامة من مراحل تكون الشخصية لدى الطفل أن سمة الاعتمادية هي سمة خطيرة ولها أبعاد كثيرة أهمها بُعد الشخصية الاعتمادية.
ويتابع، حينما تقرر الأم أن تصرف شؤون أبنائها بنفسها في كل ما يتعلق بهم من نظافة وترتيب وحتى الأكل والشرب، فإن ذلك يجعل من هذا الطفل شخصية لا مسؤولة وغير مبالية ولديها دلال زائد.
ويوضح، الدلال الزائد يعني شخصية ضعيفة هشة غير قادرة على مواجهة أعباء الحياة والظروف. ويؤكد، إن أخطر ما بالموضوع كما أسلفت هو أن يصبح لدى الطفل حينما يكبر شخصية اعتمادية والتي قد تتحول لاضطراب الشخصية الاعتمادية إذا ما سنحت الظروف لذلك.
ويعدد سريوي سمات هذه الشخصية: عدم المقدرة على اتخاذ القرارت حتى البسيطة منها، عدم المقدرة على البدء بأي عمل جديد بمفرده، إلقاء مسؤولية جوانب حياته الشخصية الرئيسية على الآخرين، صعوبة في التعبير عن الاختلاف بالرأي مع الآخرين. وهناك سمات أخرى كثيرة تتعلق بالعجز وعدم الراحة والمخاوف المتعددة.
ويذكر سريوي حلولا لهذه المشكلة، فعلى الأم اتباع الإرشادات التالية: تدريب الطفل منذ منتصف مرحلة الطفولة المبكرة أي بعد عمر سنتين على أن يقوم بإلقاء الأوساخ في سلة القمامة، وتدريب الطفل على أن يقوم بحمل صحنه الذي تناول فيه الطعام ووضعه في المطبخ، وتدريب الطفل على أن يقوم بخلع ملابسه بنفسه (بعد عمر 3 سنوات).
ويضيف، أيضا تدريب الطفل على أن يقوم بخلع وارتداء جزء أو كل الملابس وحده (بعد عمر 4 سنوات). وتعليمه مظاهر العناية الشخصية مثل تفريش الأسنان (بعد عمر 3 سنوات). وتدريب الطفل على البدء في ربط حذائه وأزار قميصه (بعد عمر 4-5 سنوات). إلى جانب تدريب الطفل على المسؤولية من خلال إعطائه مهام بسيطة تتناسب مع مقدرته الذهنية والجسمية في داخل المنزل وخارجه. وكذلك مشاركة الطفل في اتخاذ القرارات الخاصة به أو بالعائلة ومحاولة الأخذ بها لو كانت صحيحة من باب تدريبه على مهارة اتخاذ القرارات.