مجد جابر
عمان- في مشهد لمجموعة من الفتيات يجلسن معا بأحد المحال التجارية، كان حديثهن بصوت عال ليصل إلى مسامع هند مراد التي كانت تجلس هنالك صدفة. لم تكن تتوقع هند أن تكون طبيعة النصائح التي قدمتها الفتيات لواحدة منهن وهي مقبلة على الزواج كفيلة بأن “تخرب بيتها”.
تلك النصائح كانت بعيدة تماما عن أهمية الدخول في حياة جديدة مبنية على أسس صحيحة وسليمة، وكيفية أن تحيا حياة سعيدة، فكمية “السذاجة والسلبية” التي احتواها الكلام لا تصدق.


وما بين جمل تتراشق هنا وهناك، في مجملها “تدمير” للعلاقة وليس بناءها، كانت الكلمات تتنوع بين “اوعك تهنيه على اشي”، و”اوعك توثقي علاقتك مع أهلو”، “لا تتعاملي معو بشخصيتك الحقيقية”، “لا تحسسيه انه كل شي بمر بسهولة”، “لا تستأذنيه أو تأخذي رأيه بكل شيء”، وغيرها من التوجيهات التي قدمت للفتاة، التي كانت من الواضح أنها لا تعرف بعد كيف تبني حياتها بشكل صحيح، فلم تكن ردة فعلها سوى أن تهز برأسها وتحاول حفظ أكبر كمية من المعلومات والنصائح التي قدمت لها.
ذلك الحوار فتح الباب على سؤال على من هو الشخص القادر على إعطاء النصائح الحقيقية، والواعية والسليمة، خصوصا حينما يكون الطرف الآخر لا يستطيع أن يميز بين الخطأ والصواب بما يقدم، لدرجة يعتقد أن الكلام الذي قد يتسبب بمشاكل وخلافات عديدة، بمثابة نصيحة لعيش حياة زوجية سعيدة.
ويرى الاختصاصي الأسري مفيد سرحان أن الزواج الناجح له أسس؛ أولها حسن اختيار كل من الشاب والفتاة للآخر، وهذه المهمة ليست بالسهلة، وتحتاج إلى معرفة بالآخر والتأكد من توافر صفات رئيسية مهمة فيه، كالرغبة الحقيقية بالارتباط، وحسن الخلق والقدرة على التعامل مع الآخرين، والاستعداد للحوار والتسامح والتشاركية، وبعض الأشخاص لا يكونون منصفين في التقييم إما بسبب محدودية المعرفة والقدرة على التقييم السليم، أو بسبب التحامل على شخص معين أو لمواقف وأحكام مسبقة.
والمطلوب من الشخص الذي يقدم رأيه أن يكون على معرفة تامة بالشاب أو الفتاة، وأن يكون رأيه نابعا من قناعاته وتعامله المباشر دون أن يكون متحاملا أو غير منصف، وأن يكون منطلقه هو تقديم النصيحة النابعة من المعرفة.
الى ذلك، أن يقبل للآخرين ما يرتضيه لنفسه، وأن لا يخفي عيوبا يعرفها بالشخص، دون تهويل أو تهوين، لأن الصورة المثالية قد تكون غير موجودة.
وبعد الخطبة وقبل الزواج يكثر تقديم النصائح للخاطبين من المعارف والأصدقاء، وخصوصا من صديقات الفتاة، وأكثرها في كيفية التعامل مع الزوج وأهله.
وتختلف طبيعة هذه “النصائح” حسب الشخص الذي يقدمها. فالبعض لديه اطلاع وفهم وخبرة يمكن أن يفيد الطرف الآخر بعد الزواج، سواء من حيث التعامل مع الشريك أو أهله أو التعامل مع الآخرين، أو إدارة الأسرة والشؤون المالية، والنصائح يجب أن يكون هدفها المساهمة في تحقيق الاستقرار للأسرة الناشئة ومساعدتها على النجاح والديمومة.
ويبين سرحان ضرورة أن تحفظ حقوق الزوج والزوجة من دون إضرار بأحدهما، والبعض للأسف يحاول عكس تجاربه الشخصية الفاشلة أو تجارب أحد أفراد أسرته على الآخرين، ويركز فيما يقوله على السلبيات، ويعزز نزعه التحدي والتنافس والصراع بين الزوجين، أو حث الفتاة على تحدي الزوج والإصرار على رأيها بهدف “فرض الشخصية” منذ بداية الحياة الزوجية، أو التعامل مع أهل الزوج بطريقة غير مناسبة لتقليل التواصل معهم.
ووفق سرحان، يواجه الشاب من الأصدقاء التعامل ذاته بالنصائح وكيفية “التحكم بكل الأمور”، مثل هذا الكلام والتوجيهات ليست نصائح حقيقية، لأن النصيحة يجب أن تقدم من شخص صاحب فهم وخبرة وتجربة واطلاع، ومعرفة بالناس، ولديه صورة واضحة عن طبيعة البشر، وأن يكون الهدف تحقيق السعادة والاستقرار للآخرين.
ومسؤولية الشاب والفتاة المقبلين على الزواج عدم الاستماع للجميع أو التأثر بكلامهم أو العمل على تطبيقه على أرض الواقع، ويمكن الاستفادة من خبرات أهل الاختصاص من مرشدين وموجهين اجتماعيين، أو أصحاب الخبرة من الأقارب والأصدقاء. وهنا تأتي أهمية إعداد الشباب والفتيات قبل الزواج من خلال دورات التوعية الهادفة التي تقوم عليها مؤسسات مختصة موثوقة ويقدمها أهل خبرة واختصاص، وفق سرحان.
وكذلك ضرورة تضمين المناهج الدراسية، خصوصا في المراحل الثانوية والجامعات، مواضيع حول التعامل مع الآخرين وأسس اختيار الزوج والزوجة وبناء الأسرة المستقرة.
وكذلك الاستفادة من خبرات المؤسسات التي تقدم خدمات الاستشارات الأسرية والإرشاد بعد الزواج، وخصوصا في العام الأول بعد الزواج.
في كثير من الحالات، يسبب الاستماع الى ما يسمى بـ”نصائح” الآخرين الى تدمير الحياة الأسرية، وتفكيك الأسرة واللجوء إلى الطلاق بسبب إصرار الزوج أو الزوجة على رأي خاطئ، في حين أن الاستماع لآراء المختصين يمكن أن يسهم في حل المشكلات والمحافظة على استقرار الأسرة.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، الى أن مؤسسة الزواج لها شروطها ومتطلباتها وخصائصها ولا يكتفي الزواج بالحب، فهي علاقة فيها تفاعلات اجتماعية كثيرة وقد تظهر الكثير من الخلافات.
لذلك، عندما ينوي الشخص الزواج لابد من توفر الكفاءة الزوجية لكلا الطرفين، أي أن يفهما معنى الزواج، مبينا أن هناك كثيرا من الفتيات بدوافع مختلفة منها الغيرة والحسد يقدمن نصائح ليست بمكانها، وليس من دافع المحبة، إذ يقدمن على توجيهات قد تهدد حياة الفتاة الزوجية.
بالتالي، فإن عدم وضوح مفهوم الزواج هو الذي يهدد الحياة الزوجية، الى جانب عدم الوعي الأسري والاجتماعي، لافتا الى أنه يجب أن يكون لدى الفتاة شخصية مستقلة، بمفاهيمها ووعيها، وإن احتاجت الى نصيحة يكون من متخصص في هذا الشأن، بحسب مطارنة.
بالتالي، يستطيع المختص أن يحدد كيف يسيطر على هذه المشكلات، وما الفجوات الموجودة، ولا يجوز على الإطلاق أخذ النصيحة من غير المختص.

JoomShaper