أمل طه
هل شعرتِ لوهلة بأن يومك لا يكفي؟ هل تقومين بأكثر من مهمة في الوقت نفسه؟ عالقة بمضمار سباق بلا نهاية لإتمام مهام أطفالك اليومية؟ تستيقظين من النوم راغبة في تنفيذ قائمة مهام لا تنتهي، تتنقلين بين المطبخ والغرف تُعدين الطعام وتوقظين الصغار للذهاب إلى المدرسة، تختبرين الطقس وتختارين ملابسهم بعناية، ثم تمشطين شعر ابنتك وتعدين حقيبة ابنك المدرسية، تُتابعين قدوم حافلة المدرسة أو تقلينهم بنفسك، تتابعين تقدمهم الدراسي وتشرفين على تمارينهم الرياضية.
سلسلة لا نهائية من المهام وأنت عالقة في المنتصف تحاولين السيطرة على زمام الأمور، تقومين بأكثر من مهمة في الوقت نفسه، ومع ذلك تصبح كل ساعات اليوم مهما طالت غير كافية. وفيما يبدو أن نمط الحياة المتسارع قد أثّر بشكل كبير في حياة الأمهات وفي سلامتهن العقلية والنفسية، فطبقًا لبعض الدراسات الحديثة فإن تعدد المهام يهدد الآلية التي يعمل بها العقل.


تعدد المهام يقلل من كفاءة العقل!
تقول رضوى إسماعيل (30 عامًا) ربة منزل لـ«ساسة بوست» «أشعر بأنني عالقة في دوامة لا تنتهي من المهام تنتظرني كل صباح وترافقني حتي في أحلامي، سيناريو يتكرر كل يوم. عندما أستيقظ أقرر أن أُعد فنجالًا من القهوة وأستمتع به قبل أن يستيقظ الصغار، إلا أن سلسلة من المهام تستقبلني بمجرد خروجي من غرفتي، الغسيل والأطباق وترتيب غرفة المعيشة وإعداد الطعام، أبدأ بكل هذه المهام في الوقت نفسه حتى أستطيع أن أنتهي منها قبل أن يبدأ الصغار في مضاعفتها بطلباتهم».
أم تحمل طفلتها وتعد الطعام
وفقًا لمقالة منشورة على موقع جمعية علم النفس الأمريكية، وهي إحدى الجمعيات البحثية الرائدة في أبحاث علم النفس بالولايات المتحدة الأمريكية، فإن «تعدد المهام أو القيام بأكثر من مهمة في وقت واحد يؤثر في العمليات المعرفية بالمخ من انتباه وإدراك وتذكر، والتي تعمل ضمن نسيج متجانس ويؤثر أي خلل بها في الأداء النهائي للفرد بشكل سلبي».
تحكي أماني محمود، (31 عامًا)، وتعمل من المنزل لـ«ساسة بوست» فتقول: «مشكلتي أنني بطيئة جدًّا ويمكن تشتيتي بسهولة في أكثر من مهمة، فأنا أبدأ بتصفح إيميلات العمل وفي الوقت نفسه أُهاتف البقالة لإحضار مستلزمات المنزل، وأحمل ابنتي الرضيعة على ذراعي، أفعل كل الأشياء في الوقت نفسه، وأحاول أن أُنجز أكبر كم من المهام في أقل وقت لأن هناك المزيد في انتظاري، والنتيجة أنني أفعل كل شيء بذهن شارد ولا أشعر بالإنجاز».
يقول دكتور ويليام كليم، أستاذ علم الأعصاب في جامعة تكساس في مقالة له منشورة على موقع مؤسسة «سيكولوجي توداي» الأمريكية إن التنقل بين المهام المختلفة يخلق حالة من تشتت الانتباه، ويحد من قدرة الدماغ على الانتباه لفترات طويلة، ويؤثر بشكل كبير في الطريقة التي تعمل بها الذاكرة العاملة والتي تعد هي جوهر العمليات المعرفية المختلفة التي يقوم بها المخ، وهي المسؤولة عن مواصلة الانتباه والاستمرار في المهمات المختلفة حتى النهاية.
هكذا يعالج المخ المعلومات عندما تشغله بأكثر من مهمة
يلتقط المخ المعلومات من البيئة المحيطة به عن طريق الحواس الخمسة بالإضافة إلى الحواس الداخلية، ثم يعالج المعلومات عن طريق مجموعة من العمليات العقلية والمعرفية فيصدر الاستجابة المناسبة، وبحسب دراسة نشرت في مجلة علم الأعصاب فإن «المخ يعجز عن معالجة المعلومات عند العمل على أكثر من مهمة في الوقت نفسه؛ بسبب تزاحم المعلومات فتعجز الدوائر العصبية عن معالجة هذا الكم من المعلومات، خاصة عندما تتعارض طريقة معالجة بعض المعلومات معًا فيحدث ما يعرف باسم (التداخل) بين المهام».
المخ يعرقل سير المهام المتعددة!
بالإضافة إلى ذلك نشرت «مجلة نيرون» إحدى المجلات البحثية في علم الأعصاب بحثًا يُظهر أن هناك أجزاء من المخ تُعرقل تدفق المعلومات عند القيام بأكثر من مهمة في الوقت نفسه، فعند تنفيذ مهمتين في الوقت ذاته فإن تنفيذ المهمة الأولى يؤدي إلى تأخر تنفيذ المهمة الثانية؛ نتيجة لأن الشبكة العصبية للفص الأمامي والمسؤولة عن معالجة المعلومات تحد من القدرة على إصدار استجابة مناسبة واتخاذ قرار بشكل متزامن؛ مما يحد من القدرة على القيام بمهام متعددة في الوقت نفسه، حتى وإن كانت المهام هذه مهامًا بسيطة مثل تصفح الإنترنت وإعداد فنجال من القهوة.
المخ أحادي المهمة!
وتفسر الدكتورة سينثيا كوبو، عالمة النفس العصبي، ذلك بأن المخ البشري مؤهل لأن يقوم بمهمة واحدة؛ فالمخ غير قادر على التركيز في أكثر من مهمة، وعند القيام بمهام متعددة فهذا لا يعني أن المخ يعالج المعلومات الخاصة بالمهام المختلفة في الوقت نفسه، لكنه يتنقل بينهم في تتابع سريع قد لا يُلاحظ، إلا أن الفارق الزمني في تبديل المهام على الرغم من كونه بسيطًا فإنه من الممكن أن يتسبب في كارثة.
تحكي مريم أحمد (35 عامًا) اسم مستعار، لـ«ساسة بوست»: «رغم أنني معتادة على القيام بأكثر من مهمة بسبب ضيق الوقت، وأزعم أنني ماهرة في ذلك؛ فإن انتباهي تشتت للحظة وأغلقت السيارة على طفلي الرضيع عندما كنت أقل أخته إلى المدرسة، حملت الصغيرة وحملت حقيبتها على ظهري وأغلقت باب السيارة وأنا أتحدث في الهاتف، وبعد لحظة أدركت أنني أغلقت السيارة ونسيت المفتاح والرضيع بالداخل».
تعدد المهام ما هو إلا إهدار للوقت!
يقول الكاتب ديف كرينشو في كتابه «أسطورة المهام المتعددة» إن الاعتقاد السائد بأن القيام بأكثر من مهمة بشكل متزامن يوفر الوقت يُعد اعتقادًا خاطئًا؛ فالوقت المستقطع للانتقال بين أكثر مهمة على الرغم من عدم ملاحظته والشعور به، فإنه يعد وقتًا مهدرًا، ووفقًا لمجلة علم النفس الأمريكية فإن الوقت المستقطع للتبديل بين المهام قد يستهلك 40% من الوقت الكلي لإتمام المهمة.
صُداع وأرق ونوبات قلبية كل هذا ينتظرك!
يقول عالم الأعصاب دان ليفيتان في مقالة له في صحيفة «الجارديان» البريطانية، إن التنقل بين أكثر من مهمة في الوقت نفسه، يحفز إفراز هرمون الكورتيزول «هرمون الإجهاد» وهرمون «الأدرينالين» الذي يحفز الدماغ للعمل تحت ضغط للتوفيق بين المهام المختلفة، وبحسب موقع «هيلث لاين» المهتم بالصحة العقلية والجسدية، فإن الارتفاع المستمر في هرمون الأدرينالين قد يتسبب مع الوقت في الإجهاد والصداع والأرق، وقد يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية أو السكتات الدماغية.
المهام لا تنتهي وكذلك الإحساس بالذنب
إنجي إبراهيم، (33 عامًا) زوجة وأم لطفل يبلغ من العمر أربع سنوات، وتعمل بشكل دائم من المنزل، تحكي عن تجربتها مع تعدد المهام فتقول لـ«ساسة بوست»: «أُمارس الأمومة منذ أربعة أعوام، أقوم يوميًّا بالعديد من المهام التي تُشعرني في نهاية اليوم بالإنجاز، إلا أنني مع الوقت وتراكم الإحساس الدائم بالرغبة في الإنجاز تَكوَّن لدي إحساس بالذنب تجاه الراحة، بداخلي شعور يُحركني أني دائمًا مطالبة بشيء ما، أنا عالقة في المهام المتعددة حتى وأنا لا أفعل شيئًا».
يشرح عالم الأعصاب ليفيتان كيف أن تعدد المهام يظل يلاحق الأشخاص العالقين فيه، حتى وإن لم يكن لديهم ما يفعلونه، فيُشير إلى أن التنقل بين أكثر من مهمة يجعل الدماغ مشتتًا دائمًا بين أكثر من مهمة، ويحفز إفراز هرمون الدوبامين «هرمون السعادة» فيشعر الدماغ بحالة من النشوة فيظل يبحث عن محفزات جديدة، فكلما دخل في مهمة جديدة زاد إفراز الدوبامين وهكذا في حلقة مفرغة، الأمر الذي يترك المخ في حالة اضطراب وتوتر حتى عندما لا يفعل الشخص أي شيء.
ساعدي نفسك.. 5 نصائح لكسر هذه الدائرة
يشبه التنقل بين المهام المنزلية المختلفة الجري داخل دائرة مفرغة، تعتقد بعض الأمهات أن الاستمرار في الجري داخل هذه الدائرة هو تضحية نبيلة وبطولة؛ لكن الحقيقة أن كل هذا يحدث على حساب صحتك وسلامتك، إليك بعض النصائح التي تساعدك على كسر هذه الدائرة.
1. اطلبي المساعدة
طلب المساعدة والتوقف عن عمل كل شيء بنفسك سيوفر الكثير من الوقت للانتهاء من مهام أخرى، وتوفير وقت لراحتك وسلامتك النفسية والعقلية.
2. قائمة مهام:
اكتبي كل المهام التي تنوين القيام بها ثم قسميها على أيام الأسبوع، مع ترتيبها حسب الأولوية.
3. مهمة واحدة تكفي
نظمي وقتك، فلا تتشتتي بين المهام المختلفة، وحَددي مهمة واحدة واعملي عليها حتى تنتهي، ثم ابدئي في مهمة أخرى، امنحي نفسك مزيدًا من الانتباه والتركيز.
4. أجلي عمل اليوم إلى الغد!
«لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد» هذه الحكمة ليست دائمًا فعالة، خاصة وإن كانت تهدد سلامتك العقلية، لن يحدث شيء إذا جرى تأجيل بعض المهام إلى اليوم التالي بدلًا من استهلاك طاقتك في التنقل بين أكثر من مهمة.
5. الأمر قد يتطلب مساعدة نفسية!
الرغبة في الإنجاز مع كثرة المهام تخلق حالة من التوتر والقلق يُغذيها البدء في أكثر من مهمة في الوقت نفسه، يمكنك الحصول على استشارة نفسية مُتخصصة، وقد ينصحكِ الطبيب خلالها بالاستعانة بالعلاج السلوكي المعرفي (CBT) لمعرفة طرق التفكير السلبية وكيفية التخلص منها، كذلك يمكن أن يصف لكِ الطبيب بعض الأدوية، والتي قد تُساعدكِ على التخلص من التوتر والقلق.
تقول دينا فرج، (30 عامًا) لـ«ساسة بوست»: « قطعت مشوارًا كبيرًا مع التوتر والقلق بسبب أنني بطيئة ولا أستطيع أن أُنجز مهامي سريعًا، مع الوقت وبمساعدة المعالجة النفسية أصبحت أتقبل فكرة أنني بطيئة وأن العالم لن ينتهي إذا لم تنتهِ كل مهامي المنزلية كلها في اليوم نفسه، دائمًا ما أُردد بيني وبين نفسي امرأة بطيئة وسعيدة أفضل من امرأة متوترة لعدم الإنجاز، الانتصار الحقيقي بالنسبة لي هو الانتصار لراحتي النفسية».
وأخيرًا لا تحاربي طواحين الهواء الحقيقة التي يجب أن تواجهي بها نفسك أنكِ لستِ بطلة خارقة، أنت إنسانة عادية تحتاج إلى الراحة والدعم والمساعدة.

JoomShaper