أم عبد الرحمن محمد يوسف
ما زلنا نتحدث عن خطوات حل المشكلات، وكانت الخطوة الأولى هي الاحترام المتبادل، أما الخطوة الثانية فهي: التركيز في الموضوع الحقيقى للخلاف:
فغالبية الأزواج يجدون صعوبة في التعرف على الموضوع الحقيقي المسبب للخلاف، مثل كيفية توزيع الأعمال في المنزل، وما كمية المبالغ التي صرفت... وغير ذلك من المواضيع التي تحتاج إلى حلول.
ولكنها لا تشكل صلب الموضوع الحقيقى للخلاف ـ مثل من يسيطر ومن يرفض السيطرة، ومن يشعر بأنه مفتقر للاحترام ـ فيصبح من السهل حل الخلافات السطحية والوصول إلى اتفاق.
وإليكم هذا المثال:
(اشترى فيصل سيارة جديدة وأحضرها إلى المنزل متوقعًا من زوجته سارة أن تتحمس، وتسعد بهذا القرار.
اندهشت سارة ولكنها أيضا كانت منزعجة.
حار فيصل من سلوك سارة لأنها لم تعبر عن رغبتها في مساعدته في اختيار السيارة... والجدير بالذكر أن فيصل كان دائمًا يطلب رأي سارة في موضوع شراء السيارة وتحديد لونها ونوعها.
ولأن سارة في هذه المرة لم تستشر في الموضوع، فقد شعرت بالانزعاج وبعدم أهميتها في عملية الشراء، وما كان منها الا أن أظهرت رفضها لفكرة الشراء برمتها) [حتى يبقى الحب، د. محمد محمد بدري، ص(519 -520)].
لوتأملنا في سبب الخلاف في المثال لوجدنا أن عملية الشراء في حد ذاتها لم تكن القضية، ولكن الموضوع الأساسي هو كيفية اتخاذ القرار، ويمكن أن تحل هذه المشكلة بمشاركة الطرف الآخر في اتخاذ القرار.
عصفور أم عصفورة:
قد يحدث خلاف بين الزوجين على أشياء بسيطة، ولكن في الحقيقة هناك أسباب أخرى يمكن أن نرجع لها إذا فكرنا في الاسباب الخفية والحقيقية وراء هذا الحلاف كما حدث في هذه القصة الرمزية:
في حديقة الحيوان نظر الزوج إلى طائر صغير وأخذ يتأمله مع زوجته ثم قال: ما أجمل هذا العصفور.
فأجابت الزوجة: عفا أنها عصفورة.
فقال الزوج: عصفور.
فقالت الزوجة: عصفورة.
وتشبث كل منهما برأيه واحتدم الجدال وتحول إلى مناقشة، فمشاجرة لم تهدأ نارها إلا بعد وقت طويل، وبعد مضي سنة تذكر الزوج هذه الحكاية، فقال لزوجته ضاحكًا: أتذكرين تلك المشاجرة البلهاء بخصوص العصفور؟
فقالت: نعم أذكر، كادت أن تحدث بيننا أزمة كبيرة بسبب عصفورة.
فقال: الزوج: عصفورة! ولكنها لم تكن عصفورة بل عصفور.
قالت: كلا بل عصفورة.
واحتدم النقاش من جديد، حقًا كم هناك من عصفور وعصفورة وراء الخلافات، فالسبب الحقيقى هنا في هذه القصة الرمزية للخلاف هو تمسك الزوجين كل برأيه ومخالفة الرأي الآخر فقط من أجل المخالفة.
كيف تتأخر بهذا الشكل؟
(يعود الزوج من سفره متأخرًا بعض الشيء، وقد شعرت زوجته بالقلق عليه وأشغل ذهنها بما يمكن أن يكون قد حدث له....ولكنها بدلًا من أن تقول له ما يوحى بهذه المعاني وبشكل مباشر، كان تقول: "لقد قلقت عليك" أو"لقد شغلني غيابك جدًا .. بدلًا من ذلك نجد أنها تطرح أسئلة اتهامية، كأن تقول مثلًا: " كيف تتأخر بهذا الشكل ولا تبالى بي؟"
أو"هل من الصعب عليك أن تخبرني أنك ستتأخر؟" أو "هل فكرت أنني جالسة في انتظارك؟"
ولا ننسي أن نبرة الصوت تحمل عادة الكثير من التهكم أوالاتهام،
الذي يوحى بأن الزوجة لا تنتظر إجابة، وإنما تريد أن تخبر زوجها أنه لا عذر له يمكن قبوله لتأخره.
وعندما يسمع الزوج مثل هذه الأسئلة: " كيف تتأخر بهذا الشكل ولا تبالى بي؟ "فإنه لا يعود يسمع مشاعر زوجته وقلقها عليه لتأخره، بقدر ما يسمع استنكارها وعدم رضاها عن سلوكه، وهذا الاستنكار يجرح مشاعره جدا فيبدأ في رد هجومها بأخذ الموقف الدفاعى.
نعم... قد تكون المرأة بأسئلتها هذه تحاول أن تلقن الزوج درسًا في احترامها وحبها، ولكن هذه الطريقة لا تسمح له أن يتعلم أى درس مفيد، بل على العكس، إنها تقيم الحواجز والسدود بينها وبين زوجها بسبب سوء الفهم...) [التفاهم في الحياة الزوجية، د.مأمون مبيض، ص( 201-202)، بتصرف].
ونحن إذا تذكرنا الحاجة العاطفية للرجل لوجدنا منها الحاجة إلى الشعور بقبول زوجته ورضاها، وسندرك عندها كم يؤثر مثل هذا النوع من الحوار في مشاعر الرجل.
وإن من أشد الأمور على الرجل أن تسحب الزوجة منه قبولها ورضاها.
وقد لا تقدر المرأة أثر هذا لأنها قد لا تعرف مدى حاجة الرجل إليه.
ويصعب على معظم الرجال أن يصرح الواحد منهم عن درجة حاجته لقبول الزوجة ورضاها، فقد يحاول الواحد منهم أن يظهر، وكأنه لا يحتاج لهذا الرضا, أو أنه لا يبإلى إذا حصل أولم يحصل عليه.
أختي الزوجة:
تستطيع المرأة أن تعبر عن عدم قبولها لسلوك الرجل وفي ذات الوقت تشعره برضاها وقبولها كزوج ورجل، وذلك لأن مما يقوى العلاقة الزوجية أن يشعر الرجل برضى زوجته، وارتياحها له وكأنه فارس أحلامها، إلا أنه مع الوقت قد لا يعود الرجل يحقق أحلام زوجته.
ويبدأ يشعر بعدم استحسانها أورضاها عنه، وكأنه لم يعد ذلك الفارس الذي كانت تعجب به من قبل، وهذا يزيد من الحواجز والسدود بين الزوجين وأيضًا يؤدي إلى:
سوء الفهم:
وسوء الفهم من أهم أسباب الجدال والخلاف بين الزوجين، كما أن عدم معرفة كل منهما بنفسية الآخر، واختلاف الحاجات العاطفية بين الرجل والمرأة من الأسباب الهامة أيضًا.
فالمرأة مثلًا عندما لا تحب أمرًا ما في زوجها يشعر أنه ترفضه شخصيًا ـ أي أنه يفسر الأمر تفسيرًا شخصيًا ـ وكأنه هوالمقصود بذاته من الانتقاد، فيبدأ في جدالها حول أمور أخرى كالمال أو الأولاد أو تربيتهم... إلخ، هو في الحقيقة يجادل بسبب شعوره بقلة المحبة من الزوجة.
فالانسان ـ رجلًا كان أوامرأة ـ يشعر بعدم محبة الآخر حينما (تكون إحدى حاجاته العاطفية أوالعديد من هذه الحاجات غير مشبعة... وغالبًا ما تكون هذه أمور صغيرة مثل:
يذهب الزوج إلى العمل في الصباح وزوجته تشكو من الصداع فيتمنى لها الشفاء ويمضي لعمله... ولكنه حين يعود في المساء لا يسألها عن حالها... لن تستطيع الزوجة فهم أنه انشغل... إنه تسأل نفسها: لمإذا لم يسأل عن حالى.. هولا يهتم بى.. هولا يحبني) [بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا إنكلمان، ص(272)].
المناديل الورقية:
ينفجر الزوج فجأة غاضبًا وحين تسأله الزوجة عن سبب الغضب يقول: إن الورق المستخدم في دورة المياة موضوع بطريقة تجعله يسحب من الأمام بدلًا من الخلف وتتعجب الزوجة أن يكون هذا سببًا لغضب غير معقول، فهل يكون هذا هو السبب الحقيقي للخلاف؟ بالطبع لا، إن السبب ليس متعلقًا بورق الحمام إنه بالتأكيد سبب آخر.
انتبه للأمور الصغيرة:
أخي الزوج/أختي الزوجة، انتبه للأمور الصغيرة فقد يكون لها دلالة كبيرة تدعوك إلى البحث والتركيز على الموضوع الحقيقى سبب الخلاف مع شريك الحياة، فقد نجد صورًا من الخلاف على الأمور الصغيرة بين الأزواج مثل (من وضع المقص في مكان غير مكانه؟ من لديه وقت فراغ أكبر؟ من يعمل عملًا شاقًا أكثر؟ أومن يعمل من أجل الأسرة أكثر؟ بل قد يشتاط غضبًا بسبب تأخر شريك الحياة عنه لبضع دقائق... بل ربما سمعنا عن خلاف مع شريك الحياة لانه وضع المنشفة في مكان خاطىء...) إلى آخر هذه الأمور التي تفتقد لأي أساس منطقي [لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، د. ريتشارد كارلسون وكريستين كارلسون، ص(94) بتصرف].
الواجب العملي:
- أدعو الزوجين إلى التركيز على الموضوع الحقيقى سبب الخلاف؛ للوصول إلى حلول حقيقية وواقعية أيضًا.
- أسأل شريك حياتك ما حملك على هذا؟ فقد تجد عنده الإجابة التي تسلمك إلى مفتاح الحل لهذا الخلاف.
المصادر:
· لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، د. ريتشارد كارلسون وكريستين كارلسون.
· بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا إنكلمان.
· التفاهم في الحياة الزوجية، د.مأمون مبيض.
· حتى يبقى الحب، د. محمد محمد بدري.
موقع مفكرة الإسلام