رشا كناكرية
عمان – يقضي الفرد حياته بحثا عن الشخص الذي يكمل معه حياته ويجد برفقته الود والحب، إذ إن حياة الانسان قائمة على العلاقات الانسانية، وفي خضم رحلة البحث يصطدم بمختلف الشخصيات التي لا تتلاقى معه بالتفكير، ليكون قرار الانفصال هو الحل.
ولكن من جهة اخرى، هنالك من يعلق في المنتصف ولا يستطيع المغادرة ولا البقاء، ليختار المراقبة كحل لإبقاء الطرف الآخر في حياته رغما عنه. هنالك من لا يتقبل فكرة الانفصال ويمر بمرحلة مراقبة للطرف الآخر، وصولا لمرحلة مؤذ للغاية اذا تجاوز الحد وأثر على الصحة النفسية والعلاقات الشخصية.
وسالي (33 عاما)، مرت بهذا الامر مع زوجها السابق فقد وصلت لطريق مسدود في زواجها، واختارت الانفصال عنه، فقد وجدته القرار الافضل لها ولأطفالها بحسب قولها وقد كانت تنتظر قرار الطلاق الرسمي بفارغ الصبر لتتخلص من هذه العلاقة.
بينما الذي حدث صدمها بحد قولها، فحتى بعد الانفصال الرسمي استمر في ملاحقتها ومراقبة صفحاتها على مواقع التواصل والسؤال عنها لمعرفة جميع اخبارها خاصة عن طريق اطفالهما الذين لم تتجاوز اعمارهم 15 سنة.
وبعد بحثها عن هدفه وما الذي يسعى له بهذه المراقبة، اكتشفت انه يريد ان يتأكد انها ليست سعيدة بعد ما تركته فكانت الملاحقة والمراقبة كنوع من الانتقام وليتأكد انها ليست بخير، فقد كان لديه استياء وغضب شديد من حدوث الانفصال، وكأنه يقول "أرأيت؟ هذه حياتك بدوني ليست أفضل".
بينما خالد (29 عاما) فقد كان هو من يراقب إحدى الفتيات التي تعرف عليها وتعلق بها، ففي البداية كان هنالك انجذاب متبادل ولكن مع الوقت شعرت باختلاف في التفكير، لذلك قررت انهاء العلاقة ولكنه لم يتقبل هذا الامر.
وبعدها اصبح يراقبها بشكل مستمر من مختلفة الصفحات الوهمية ويبحث من ورائها بطريقة مرضية، وهذا الامر بدأ يؤثر في نفسيته لأنها أصبحت تكرهه وتنفر منه.
وفي مرحلة ما شعر أنه بذلك يؤذي نفسه واستيقظ على فعله الخاطئ، لذلك توجه الى مختص نفسي ليساعده ويقول "حسيت حياتي وقفت عندها وفقدت تركيزي بشغلي وصارت هي شغلي الشاغل" وهذا الامر دفعه للتوجه لمختص ليعالج نفسه قبل فوات الاوان.
ومن الجانب النفسي تبين المختصة النفسية عصمت حوسو ان الانفصال من اصعب الامور التي تجعل الانسان يعيش في دائرة حسرة الفقد بالتالي المراقبة وهو السلوك الذي يتحول لاضطراب الوسواس القهري.
وتوضح حوسو ان سلوك المراقبة يعني أن الاشخاص لا يميزون بين الحب الحقيقي ووسواس الحب القهري الذي يتشابه مع اي وسواس قهري اخر، مبينة أن الحب المغلوط "حب التملك" يزيد مع وجود التكنولوجيا لتكون المراقبة اسهل وعلى نطاق اوسع.
وتشير حوسو الى ان العقلية التي تمارس سلوك "المراقبة" لا تكون استوعبت بعد ان العلاقة انتهت لسبب ما مع الطرف الآخر.
وتنوه حوسو ان هنالك حدا طبيعيا لسلوك المراقبة ففي بعض الاحيان اذا انتهت العلاقة باحترام، وهنالك تفاهم بين الطرفين، قد يلجأ أحدهم ليطلع من بعيد على حياة الطرف الآخر ولكن بالحد الطبيعي او كنوع من الاطمئنان عليه.
ولكن من جهة أخرى عندما يقضي 24 ساعة فقط يراقب الشخص بأفكار وسواسية ويشحن ذاته بالأوهام قد يحول حياته لأجواء سلبية مليئة بالإحباط.
وتؤكد حوسو ان هذه السلوكيات اثرها ضار على الشخص وصولا لمرحلة اضطراب الوسواس القهري، وهنا يلعب دور الضحية وأن كل من حوله سيئيين، وقد يدخل في علاقات متكررة يعيد نفسه بها، وصولا لما يسمى بـ"السلبية العدوانية" الذي يكون الوسواس جزءا من كيانهم وكينونتهم، حيث التعامل بالأوهام والشك واجبار الطرف الآخر لمرحلة الاختناق بالعلاقة.
لذلك فإن المتابعة والمراقبة لا يمارسها الا شخص لديه استعدادات لمرض الوسواس القهري او "تشوه معرفي مفاهيمي" لمفهوم الحب وطريقة التفكير والتعامل، ولا يكون لديه مراجعة ذاتية، لذلك يكرر نفسه وسلوكياته لكي يثبت فكرة ان الناس خطأ وهو على صواب وانه ضحية هؤلاء.
وتشير حوسو إلى ان الشخص الذي يعاني وسواس المراقبة اذا لم يخضع للعلاج يصبح مؤذيا لنفسه والآخرين، والطرف المتضرر هو الضحية من شدة الضغط الذي يعانيه.
لذلك، الذي يتبع سلوك المراقبة عليه فورا بالعلاج لأنه سيكرر نفسه في جميع علاقته ويصل لذات النتيجة وهذا مرهق للذات وللآخرين لذلك هو بحاجة لمساعدة احترافية طبية او معرفية سلوكية.
ومن جهة اخرى تلفت اختصاصية الإرشاد التربوي والنفسي والمتخصصة في العلاقات الزوجية الدكتورة سلمى البيروتي ان الفرد بعد الانفصال يمر بخبرة طلاق جدا صعبة، ومهما كان السبب فقد يشعر الشخص ان حياته انقلبت رأسا على عقب ومن جهة أخرى البعض يركز على عمله ويبقى منتج وفعال في حياته.
وتوضح البيروتي ان هنالك اسبابا تدفع الفرد للمراقبة وليس الجميع يمر بهذه المرحلة من وجهة نظرها، ومن خلال خبرتها من الضروري ان نفهم لماذا تم الطلاق وما هو السبب الحقيقي، ففي كثير من الاحيان تكون الاسباب غير مقنعة او سطحية والسبب الحقيقي لا يكون مقنعا للطرف الآخر مما يدفعه لهكذا تصرفات.
وتشير البيروتي الى ان سلوك المراقبة للطرف الآخر دليل على الشخصية التشككية التي هي في الاساس تلاحق وتشك في التصرفات وتراقب، وهنا نتحدث عن شخصية "مضطربة" لا تتقبل شيء.
ومن جهة أخرى يكون هنالك شك عند الطرف الآخر بان هنالك علاقة أخرى، وبالتالي يريد ان يجد دليلا ليبرهن لنفسه سبب الانفصال، ويبقى شعور انه استطاع ان يعيش من دونه ويكمل حياته يؤثر عليه كثيرا.
وتذكر البيروتي ان هنالك ممارسات يستطيع أن يمارسها الانسان حتى يخرج من هذه المرحلة الصعبة ويتأقلم مع الواقع الجديد ففي بعض الاحيان قد يكون الطلاق مؤلما اذا لم يكن الشخص متهيئا له.
وتشير البيروتي الى أن الاعتناء بالنفس وألا يبقى الشخص وحده في هذا الظرف هو الاهم، فمن الضروري ان يكون معه انسان يثق به ويتحدث معه ويخرج امامه ما بداخله، وكل ما راود الفرد فكرة معينة أو توتر وشعر بهذا الضغط عليه ألا يصمت بل يجب عليه ان يجد له انسان يثق فيه يتحدث معه ويفضض له.
ومن جهة اخرى من الضروري ان يأخذ الفرد في هذه الظروف اجازة وراحة من عمله ليصفي ذهنه ويجلس مع نفسه ويفكر بالذي اوصله الى هنا وبعد هذه الاجازة البسيطة من المهم ان يعود لعمله بنفسية جديدة.
وتضيف البيروتي انه من المهم ان يعتني الفرد بنفسه عاطفيا "شعوريا" وايضا جسديا من خلال ممارسة بعض الرياضة وعمل جدول منظم لنفسه ينظم فيه حياته ويخرج من البيت ويتناول طعام صحي وينال قسطا جيدا من النوم وان يتوجه لطبيب نفسي إذ تطلب هذا الامر أو يراجع مرشدا اسريا يتحدث معه. والاهم الا يبقى وحده ويغلق على نفسه ويتجه لسلوكيات سليبة تؤثر على صحته.
وتختتم البيروتي حديثها بأهمية أن يجد الفرد اهتمامات جديدة في الحياة فقد تكون هنالك أمور تمنحه الراحة كالرسم او الكتابة او الغناء او موهبة يريد ان ينميها، بالإضافة الى اهمية ان يفكر بطريقة ايجابية رغم صعوبة الظرف، وأن يكون لديه وعي بذاته ومشاعره.