الجزيرة
ديمة محبوبة
"اللي بدها يسعدها زمانها تجيب بناتها قبل صبيانها".. أحد الأمثال الشعبية التي تحاكي سعادة الأهالي والأمهات، تحديدا في أن يكون بكرها فتاة، تحمل في عاطفتها المسؤولية مبكرا، إلا أن هذه المسؤولية يمكن أن تكون مع الوقت قيدا لهذه الفتاة، أو عبئا فوق طاقتها وعلى حساب طفولتها.
العديد من المربين بشكل عام يحملون ابنهم الأكبر مسؤولية كبيرة تجاه إخوته الصغار، وتكون القيود عليه أكبر، وهذه المسؤولية تكون مضاعفة عندما يكون البكر فتاة، فأحيانا العائلات تعتمد عليها، بل وتحملها مسؤولية وطاقة أكبر بعمر صغير، وكأنها أم ثانية في المنزل.
لا يمكن الحديث بشكل مطلق أن هذا الأمر سلبي تماما، فمن إيجابياته، حسب التربوية والمشرفة النفسية رائدة الكيلاني، أن الفتيات صاحبات مسؤولية وحنان بالفطرة، ما يجعل الأهالي يعتمدون عليهن بشكل أكبر من الذكور.
وهذه المسؤولية لا يمكن أن تكون سلبية تماما؛ إذ إن من إيجابياتها تحمل مسؤولية وإدارة الظرف، ومساعدة الأم والأب في غيابهما، خصوصا مع الأسر التي تعمل فيها الأم وهي كثيرة، فالفتاة بعمر مبكر تحمل مسؤولية البيت والإخوة الصغار، وتعاقب وتوبخ على أي تصرف يقومون به من باب أنها الأكبر والأعقل من وجهة نظر الأهالي، ومن باب أنها صاحبة الشأن والمسؤولية، وكأنها بمثابة أم ثانية للمنزل.
لكن وبخط مواز، فإن زيادة هذه الأعباء، وتحديدا عندما تكون مسؤولية كل التصرفات والهفوات التي يقوم بها الأخ أو الأخت الصغار عليها، تجعل هذه الطفولة مظلومة للبنت الكبرى، مع نسيان الأهالي أنها هي أيضا طفلة وعليها الكثير من المسؤوليات، منها الدراسة الخاصة بها، ومساعدة الأم في المنزل وشؤونه، ومراعاة من فيه بغياب الوالدين في عملهما.
وتؤكد أن هذه المسؤولية لا تأتي بشكل مباشر، وإنما تبدأ منذ الطفولة المبكرة، لكن ينبغي ألا يكون اللوم على الطفلة الكبرى في أي حدث، لكي لا يصبح أمرا ومسؤولية ملزمة بها.
ومن هذه التجارب، تبين الطفلة سناء (14 عاما)، أن والديها يعملان لوقت متأخر، فدخولهما للمنزل يكون قريبا من وقت الغروب، ما جعلهما يحملانها مسؤولية أخيها الصغير، فعليها تسخين الطعام بالميكروويف لها وله، وترتيب المنزل، وتحمل مسؤولية دراستها، وكذلك متابعة دروس أخيها وتهيئته للتخفيف عن والدتها قبل عودتها من العمل.
وتؤكد أن هذه المسؤولية في البداية كانت تشعر بأنها كبيرة، وهو شعور جميل، لكن تأنيبها لأي خطأ يقع جعلها تكره هذه المسؤولية وتشعرها بالثقل؛ إذ إن دراستها باتت أصعب وتريد جهدا منها، وأي تقصير على أي صعيد يقع على عاتقها، مؤكدة أن والديها يسامحان أخطاء أخيها الأصغر، لكن أخطاءها غير مبررة من باب "أنا الأكبر والأعقل، وأنا صاحبة المسؤولية بكلمات أحيانا تشجيعية لكنها مرهقة".
وفي حالة أخرى، تستذكر الثلاثينية هالة مسعود، وهي أم لثلاثة أبناء، أنها تعد "أما" منذ كانت بعمر العشرة أعوام؛ إذ إنها الابنة الكبرى لعائلتها، وإن والديها كانا يعملان، ما جعلها صاحبة المنزل والمسؤولية عليها حتى يعودا، وأحيانا يعودان متعبين، فيكون هناك جزء آخر من المسؤولية، وتحديدا الاهتمام بمن هم أصغر منها.
وتؤكد أن الأهالي ينسون أن الابن البكر أيضا طفل، ومن حقه أن يخطئ ويتعلم من خطئه، وأن له حياته وبراءته التي تدفن مبكرا مع حجم المسؤوليات عليه، وأكثر ما هو صعب وكانت تعاني منه كثيرا، العقاب بعد أي خطأ يقوم به أي أخ أو أخت أصغر منها.
وتشير إلى أن هذه الحالة التي عاشتها والتي ما تزال تحمل آثارها السلبية في داخلها، لا يمكن أن تكررها مع ابنها الأكبر، حتى وإن كان بكرها فتاة "من الممكن أن أجعل أطفالي يساعدونني، لكن كل شخص مدرك لتصرفاته وعواقب هذه التصرفات يتحملها، فلا يمكن أن تقع المسؤوليات كاملة فقط على الكبير".
وتؤكد التربوية الكيلاني، أن الطلب من طفل أن يتحمل مسؤولية أطفال بشكل شبه مطلق، يعد ظلما ومنافيا لمتطلبات وحاجاته النفسية لينمو بشكل طبيعي، فتعلم تحمل المسؤولية جزء من مهارات التعلم، ولكن هذا يجب ألا يكون فوق طاقة الطفل، مشددة على أن المسؤولية يجب أن تتناسب مع عقله وقدراته وإمكانياته.
ويرى اختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو، أنه من الطبيعي أن يشعر الأهالي بقدرة الفتاة الكبرى على حمل المسؤولية، والسبب أن الفتيات أكثر وعيا ويقلدن الأمهات منذ الطفولة من خلال ألعابهن بأنهن أمهات، لكن زيادة العبء عليهن يولد شعورا سلبيا وأنه يمارس عليهن التمييز وبأنهن مظلومات، وهذا رد فعل طبيعي، فالأصل في الأم والأب أن يعاملا أبناءهما بعدالة وشفافية في كل القضايا سواء كانوا كبارا أو صغارا، وإعطاء فرص متساوية في التربية، لكي لا تترك لديهم أثرا نفسيا كبيرا.
ويبين أنه في الوقت الحاضر، جزء كبير من الأطفال يتحملون مسؤوليات أكبر من قدراتهم، هذا الأمر من الممكن أن يولد عندهم بعض العقد النفسية التي قد تؤدي للعنف ضد إخوتهم، وإن هذا السلوك السلبي هو نتيجة تحمله أمرا يفوق طاقته، منوها إلى أن هذا يولد لديهم صراعا نفسيا قد يستمر لوقت طويل، ويفقدهم القدرة على التعامل مع الأمور بالطريقة السليمة.
ويلفت إلى أن الأهالي، وإن كانوا مضطرين لفكرة تحمل البنت الكبرى المسؤولية، يمكن أن يتجاوزا هذه المشاعر السلبية من خلال التحفيز والشكر المستمر على المساعدة، وعدم تأنيب وعقاب الفتاة الكبرى على أخطاء غيرها، وأن يكون هناك تعزيز مادي، كشراء شيء ترغبه، ومدحها أمام الجميع، ما يعزز روح المساعدة والتقدير لما تفعله.
وينصح الأهالي بأن يعملوا على تقويم سلوك الأطفال جميعا في حال التصرف الخاطئ، وإظهار حجم المسؤولية التي تحملها الأخت الكبرى وأهمية هذه المساعدة، ليكون حتى الإخوة ممتنين لها ولمساعدتها وليتعانوا على إنجاح المهمات قدر المستطاع.