تغريد السعايدة
يخطئ من يستسهل قطع الوعود ولا ينفذها، غير مدرك لما تبنيه وعوده من أحلام تعلق عليها آمال كثيرة، فكل وعد هو بمثابة عقد، وكل تجاهل له بمثابة "غصة" قد يصعب تجاوزها العمر برمته.
حينما يكون الوعد نابعًا من القلب والنيّة الصادقة والثقة، يصبح واجبا أخلاقيا، والتخلي عنه لا يكون إلا لسبب ما وبموجب ظروف خارجة عن إرادة الشخص.
"لم أكن أريد وعداً بقدر ما أردت صدقاً"؛ عبارة قيلت وتلخص كل ما يحتاجه المرء من تلك الوعود التي يتلقاها في كل مرة، والتي قد يُبنى عليها الكثير، وربما تُبنى أو تُهدم بيوت، بناءً على وعد قيل ولم يوف به.
"وعد"، كثيراً ما تقال بيننا دون التدقيق في عظمة هذا الوعد، حيث يعلق عليها الكثيرون آمالاً لحياتهم المستقبلية، كما في زواج، وظيفة، حل لأزمة مادية أو معنوية، لذلك من الأَولى بمكان ألا ينطق الإنسان وعداً من دون القدرة على تحقيقه مهما كان بسيطاً في نظره.
ولأهمية وعظمة الوعود، فإن الله تعالى ذكر في القرآن الكريم أهمية الوفاء بالعهد في قوله تعالى: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا".
تقول تقوى بكر، إن تجربة صديقتها في عدم الوفاء بوعد الزواج، حيث بدأت القصة من عائلة أقاربها، التي وعدتها مرارا وتكرارا بالزواج من أحد أبنائها، وبعد ذلك تغير كل شيء بعد أن كانت الأمور شبه منتهية، لتتفاجأ أنه تزوج بغيرها.
وبعد هذه التجربة، مرت سنوات ولم تتزوج صديقتها إلى الآن، وما زالت تعيش آثار تلك الحادثة إلى الآن، وحتى في طريقة تعاملها مع الآخرين، وتشعر دائماً بعدم الثقة بأي شخص، خاصة وأن هذا الخذلان كان من أعز أقاربها.
إحدى السيدات كذلك، كتبت تخاطب الأمهات عن أهمية "الوفاء بالوعد"، وأهمية أن يتنبه الآباء بتربية وتعليم الطفل كل قيمة جميلة منذ الصغر، كذلك الصدق والوفاء بالوعد، وعدم تقديم وعد قد لا يستطيع الوفاء به، فعلى الإنسان أن يعرف قدر ما يستطيع فعله.
يعيش كثيرون تجارب في عدم الوفاء بالوعود، ومنها بالمعاملات المالية، إذ عمد الكثيرون إلى التوقف عن مساعدة الآخرين في أي مازق مادي بسبب عدم وفاء البعض في سداد ديونهم المترتبة عليهم، خاصة وأن الوعد تم بشكل "شفهي وأخلاقي فقط من دون تدوين خطي".
ولكون الوفاء بالوعود والعهود يتشابك بعدة قضايا اجتماعية وأسرية وتربوية في ذات الوقت، يقول استشاري علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان إن من أهم الصفات الأخلاقية في التعامل مع الآخرين هو الالتزام بالوعد، والذي يعني أن يقطع الإنسان على نفسه عهدا بأن يلتزم بفعل أمر معين في المستقبل أو أن يمتنع عنه. وقد تترتب على الوعد أمور مادية أو مواقف معنوية سلوكية، وفي حقيقته هو التزام أخلاقي يجب أن يفكر الشخص به قبل أن يقطعه على نفسه، بمعنى أن يكون لديه الاستعداد والإمكانية لتنفيذ ما وعد به، وقد يكون ذلك في أمور صغيرة، يمارسها البعض يوميا مع المحيط والعائلة ومع زملاء العمل.
قد يقدم الأب وعدا لابنه أو ابنته ببعض الأمور البسيطة، والالتزام مؤشر على الوفاء والحب، أما غياب الالتزام بالوعد من قبل الوالدين يترك أثرا سلبيا على الأبناء، وفق سرحان، وربما يؤثر على سلوكهم مع زملائهم، فالتربية بالقدوة والممارسة هي من أهم وأنجح الوسائل، ومسؤولية الآباء الانتباه إلى سلوكياتهم داخل الأسرة وخارجها. هنالك وعود يكون عدم الالتزام بها سببا بأضرار كبيرة، مثل الوعد بالزواج، ويرى سرحان أن هذه الوعود يجب ألا يتم قطعها إلا إذا تأكد الشخص من أنه قادر على الالتزام بها وتنفيذها في مدة معينة لكي لا يؤذي الآخرين أو يسيء لهم.
والشخص الجاد في الالتزام بالوعد يهيئ الظروف للوفاء به ويكون على تواصل مع الطرف الآخر، وبعض الوعود التي يترتب عليها حقوق للآخرين قد يتكفل بها الورثة بعد وفاة الشخص قاطع الوعد، كما يؤكد سرحان، في دلالة على عظمة إيفاء الوعود، خصوصا في الحقوق المالية، وقد تكون أيضا من حق ورثة المستفيد من الوعد.
وهذا ما يجعل الوعد جزءا أساسيا في المعاملات الاجتماعية والمالية، وقد لا يكون صريحا بل يفهم من خلال الحديث والكلام وعند إقناع الآخرين وهذا كثيرا ما يحدث داخل الأسرة، كما يقول سرحان، حيث إن دلالات الكلام تكون واضحة للآخرين مما يجعل من الضروري الالتزام لبناء الثقة سواء على مستوى الأسرة أو العائلة أو العمل أو المجتمع، وعدم الالتزام يضعف الثقة أو يفقدها، وقد يؤدي إلى التنافر والتخاصم والجفاء والقطيعة بين الأرحام أو مع الآخرين مما يضعف العلاقات الاجتماعية.
وفي حالة عدم قدرة الشخص على الوفاء بوعده عليه أن يبادر بالاعتذار إلى الآخر ويوضح له أسباب عدم القدرة على الوفاء وأن يحرص على أن ينفذ وعده في أقرب وقت ممكن بما يحفظ حقوق الآخرين المعنوية والمادية، للمحافظة على النسيج المجتمعي، على حد تعبير سرحان.