ديمة محبوبة

عمان - خلف الأبواب المغلقة، تختبئ قصص تحمل بين طياتها دروسا عميقة في التسامح والعطاء. في ظل الضغوط اليومية المتزايدة التي تواجهها العائلات اليوم، سواء من متطلبات الحياة العملية أو تحديات تربية الأبناء، تزداد تعقيدات الحياة الأسرية، مما يخلق أجواء مليئة بالتوتر.

 غالبا ما تؤدي هذه الضغوط إلى خلافات ومشاحنات بين الأزواج، تصل أحيانا إلى التفكير في الانفصال. ومع ذلك، تأتي لحظات فارقة، عندما ينفرد كل منهم بنفسه ويتأمل ما مضى من سنوات مشتركة، ليكتشف أن هناك رصيدا عميقا من المحبة والمواقف الداعمة، قادر على تجاوز كل الخلافات العابرة.

 

خالد وليلى، زوجان يعيشان فترة عصيبة بعد سنوات من الزواج، حيث بدأ كل منهما يشعر بالابتعاد وفقدان الشغف تجاه الآخر. وفي لحظة صدق، قررا الجلوس معا والتحدث بصراحة عن مشاعرهما. خلال هذا الحوار، استعادا ذكريات المواقف التي جمعتهما، من دعم أحدهما للآخر في أوقات المرض، ومواجهة تحديات العمل، وتربية الأطفال، إلى التكاتف في تجاوز الأزمات المالية. أدرك خالد، بعد هذا الحديث العفوي، أن ما بنياه معا من حياة وذكريات يستحق بذل المزيد من الجهد للحفاظ عليه.

توضح المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني أن الأزواج يحملون في قلوبهم سجلاً من المواقف المشتركة، سواء كانت لحظات مليئة بالحب، أو تحديات صعبة دعما فيها بعضهما البعض. هذه المواقف تعد رصيدا يمكن أن يساعدهم على تخطي الأزمات وإعادة وبناء جسور التواصل بينهما من جديد.

ووفق الكيلاني فإن أهمية هذا السجل العاطفي تظهر بوضوح عندما يجد أحد الزوجين نفسه أمام خيار الانفصال. ففي لحظات التأمل والهدوء، يسترجع الزوجان مواقف صعبة لم يكن من السهل تجاوزها دون وجود شريك داعم بجوارهما. هذه اللحظات تكشف عن قيمة العلاقة وتعيد إليهما ذكريات كونهما "فريقاً" يسعى لتحقيق أهداف مشتركة.

وفي قصة أخرى ترويها ميسون الخطيب، تحدثت عن زواجها الذي كاد أن ينتهي بسبب الخلافات المتكررة. ولكن في ليلة، وبينما كانت تنظر إلى صور قديمة جمعتها بزوجها، تذكرت كيف كان يقف بجانبها أثناء ولادة أطفالهما، وكيف ساندها عندما فقدت أحد والديها. هذه الذكريات جعلتها تشعر بالامتنان، مما دفعها للتفكير جيدا في قيمة هذا الزواج وإصلاح الخلافات التي حدثت.

هذه الذكريات دفعتها إلى إعطاء العلاقة فرصة أخرى، فكان هذا القرار بداية جديدة مليئة بالتفاهم والتسامح.

توضح المرشدة النفسية الكيلاني أن استرجاع الأزواج للمواقف الإيجابية التي عاشوها معا يمكن أن يحدث فرقا كبيرا في التعامل مع الأزمات. فعندما يشعر أحدهما باليأس، قد يساعده التذكير بتجاوز تحديات أكبر وأصعب مع شريكه على استعادة الأمل. هذا الاسترجاع يعزز يقينهما بأن الحب ما يزال موجودا، وأن الخلافات التي تواجهما ليست سوى سحابة صيف عابرة.

وتضيف الكيلاني أن الحفاظ على سلامة العلاقات الزوجية يتطلب حوارا دائما بين الزوجين، حيث يسهم الحوار في تجديد التواصل، وفهم مشاعر الطرف الآخر، وتقليل التراكمات السلبية. كما تشير إلى أن توثيق اللحظات السعيدة، مثل التقاط الصور والاحتفال بالمناسبات الخاصة، يساعد في بناء قاعدة عاطفية قوية، يمكن للزوجين العودة إليها عند مواجهة الأزمات.

وتبقى العلاقة الزوجية سفينة قد تهتز تحت تأثير العواصف، لكنها لا تغرق طالما أن هناك ذكريات جميلة ومواقف داعمة تلعب دور المرساة. حينما يستذكر الأزواج رصيد الحب والدعم الذي يملكونه، فإنهم يمنحون أنفسهم فرصة ثمينة لتجاوز الأزمة والعودة إلى حياة مليئة بالتفاهم والمودة، مما يحفظ العائلات من التفكك ويقوي روابط المحبة.

يشير اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي إلى أنه في ظل التحديات اليومية وضغوط الحياة، تصبح العلاقات الزوجية عرضة للتوتر والمشكلات التي قد تتفاوت بين أمور بسيطة وأخرى عميقة. ويضيف أن الخلافات بين الأزواج قد تصبح أمرا معتادا، إلا أن أهم ما يمكن أن يحافظ على العلاقة، بل ويعززها، هو تذكر "رصيد المواقف الجميلة" والدعم المتبادل بين الطرفين. هذا الرصيد بمثابة قوة خفية تسهم في منع انهيار العلاقة، وتساعد على إعادة بناء جسور التواصل والمحبة.

ويؤكد أن مرور العلاقات الزوجية بمرحلة توتر قد يجعل البعض يغفلون عن حقيقة امتلاكهم تاريخاً مشتركا من اللحظات الجميلة والداعمة، حيث يميلون إلى تضخيم الخلافات والتركيز عليها، متناسين عدد المرات التي وقفوا فيها إلى جانب بعضهم في الأوقات الصعبة، وعدد اللحظات التي أسعد فيها أحدهما الآخر. هنا تكمن أهمية "رصيد المواقف الجميلة" في تغيير مسار الحوار ومنح العلاقة فرصة جديدة للاستمرار والنمو.

في كثير من الأحيان، قد يكون أحد الزوجين بحاجة إلى دعم نفسي وعاطفي أكثر من غيره، سواء كان ذلك بسبب ضغوط العمل، المشاكل العائلية، أو حتى تحديات صحية، وعندما يجد الزوج أو الزوجة الشريك في تلك الأوقات الصعبة، يقدم له دعما لا يقدر بثمن، يتكون رصيد نفسي يجمع بينهما ويجعل العلاقة أكثر استقرارا وثباتا هذا الدعم لا ينسى، ويبقى عالقا في ذاكرة الطرف الآخر، ليشكل حائط صد أمام الأزمات اللاحقة، وفق خزاعي.

اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة يؤكد أن تذكر الأوقات الجميلة والمواقف التي وقف فيها الشريك بجانب شريكه، يساهم في منحه منظورا أكثر اتزانا عند مواجهة الأزمات، فعندما يتذكر المواقف الإيجابية، يصبح أكثر استعدادا للتسامح وتقبل الاختلافات. بل وقد يدرك أن الخلافات لا تعدو أن تكون خلافات وقتية يمكن تجاوزها بسهولة، خاصة إذا كانت العلاقة بنيت على أرضية من الحب والدعم والاحترام.

ويشبه المطارنة العلاقات العاطفية بالحسابات البنكية كل موقف إيجابي وداعم يضاف كرصيد في هذه "الحسابات" ويصبح مصدرا للقوة عند الأزمات. وإذا كان هناك مخزون من الذكريات الجميلة والمواقف الداعمة، فإن الزوجين سيتمكنان من الاستناد عليها في الأوقات الصعبة.

ووفق ما يقوله المطارنة؛ على الأفراد ان يدركوا أن العلاقات الزوجية الناجحة لا تقوم فقط على الحب، بل على الالتزام بدعم الطرف الآخر في الأوقات الصعبة، وتقدير تلك المواقف الجميلة التي تبقى في الذاكرة، عندما يضع الزوجان ذلك في الاعتبار، فإنهما يحصنان علاقتهما ويمنعانها من الانهيار، ليستمرا معا في مواجهة تحديات الحياة كتفا بكتف.

JoomShaper