ليلى أحمد الأحدب
لطالما تساءلت عن معنى الآية القرآنية الكريمة: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) كونها وردت في سورة الروم وضمن آيات قرآنية متتابعة تلفت انتباه القارئ إلى آيات كونية مثل خلق الإنسان من العدم وخلق السماوات والأرض واختلاف ألسنة البشر وألوانهم وتوالي الليل والنهار وتتابع المطر وإحياء الأرض إلى غير ذلك من الآيات العظيمة التي تحض الإنسان على الإيمان بالله تعالى من خلال تدبر آياته في الكون وفي الإنسان، وتنتهي الآيات القرأنية بعبارات مثل (آيات لقوم يسمعون، لآيات للعالمين، لآيات لقوم يعقلون)، وأما الآية التي ابتدأت بها هذه المقدمة فتنتهي بقوله تعالى:(إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
كل الآيات المذكورة الأخرى تسير باتساق وانتظام منذ أن خلق الله الكون، ولا يشذ عن القاعدة إلا ما تدخلت فيه يد الإنسان، وأقصد تحديدا الحياة الزوجية، فبدل أن تكون مجالا للتفكر في وجود الرحمة والمودة بين الزوجين وكيفية شعور كل طرف بالسكن للطرف الآخر، نجد أن الحياة بين الزوجين في واقعنا الحالي بعيدة كل البعد عن هذه المفاهيم القرآنية من مودة ورحمة وسكن، إلا من رحم ربي، فكأن القاعدة انقلبت إلى استثناء فيما يخص هذه الآية، ولا أدل على ذلك من نسب الطلاق المرتفعة، والسبب الرئيسي الأهم هو فقدان الوعي لدى المقبلين على الزواج بماهية الحياة الزوجية وكيفية المحافظة على وتيرة التفاهم والحب بين المتزوجين في خضم كثير من الضغوط النفسية والأسرية والاجتماعية والسياسية وغيرها.
وصف القرآن العلاقة بين الزوج والزوجة بأنهما كالنفس الواحدة، ومن متطلبات هذه الوحدة النفسية أن يكون الإنسان صريحا وصادقا مع شريك حياته كما يكون صريحا وصادقا مع نفسه، وفي القرآن أيضا (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، وفي هذا التعبير القرآني الكثير من الخصائص التي تجعل طرفي العلاقة أحدهما ساتر للثاني يقيه البرد والحر وأعين الناس، فهذه المصارحة والشفافية بين الزوجين وأسرار كل منهما عند الآخر يجب ألا تنتقل خارج البيت إلا في أوقات الضرورة.
ما يمنع هذا التوحد هو النظرة المسبقة التي يحملها كل طرف عن الطرف الآخر، فالثقافة الشرقية عموما تجعل الرجل ينظر للمرأة على أنها أقل منه، وإذا كان من الإنصاف أن نعترف بشيء من الاختلاف الفطري بين الرجل والمرأة، فإنه من الخطأ أن نعتبر أن هذا الاختلاف دليل تفوق الرجل ودونية المرأة، لأن هذا الاختلاف ليس إلا للتكامل ضمن حدود الأسرة، كي يلعب كل منهما الدور المقرر له كأب أو كأم، أما الحقيقة فهي أن الوعي ليس له علاقة بشكل الدماغ التشريحي، إنما هو يعود إلى تربية واهتمام بتوسيع مدارك الإنسان منذ طفولته ذكرا كان أو أنثى.
المصارحة أيضا ليست بتلك السهولة، لأن المصارحة يجب أن تشمل الاعتراف بنقاط الضعف، وكثيرا ما يظن أحد الزوجين، خصوصا الرجل، أن انكشاف ضعفه أمام الزوجة، قد يكون مجالا لاستغلاله مستقبلا، وقد يحصل هذا من بعض الزوجات غير الواعيات المتسلطات، أما الزوجة العاقلة فهي على العكس تشد من أزر زوجها وتحاول أن تكمل النقص الموجود لديه.
للأسف بعض الأزواج يعتقدون أن المصارحة تجعل من حقهم التفتيش في ماضي الزوجة، في نفس الوقت الذي نجد فيه أزواجا آخرين يتفاخرون بعلاقاتهم السابقة للزواج، وكأن رجولتهم موضوعة على المحك، من خلال التأكيد على نجاحهم في إنشاء علاقات مع أخريات، ولا يعرف الرجل الذي يبادر زوجته بمصارحات من هذا النوع أنه يقلل من احترامه لنفسه في عينها، عدا أن بعض النساء لديهن خاصية شبيهة بخاصية الرجال وهي الغيرة من الماضي، فهذه المصارحة هي في غير موضعها، وما كل ما يعلم يقال.
المصارحة هي لبنة بناء أساسية في الحياة الزوجية ويجب أن تعتمد على الثقة المتبادلة القائمة على الحب والتفاهم والرغبة في الاستمرار معا، ولا تحتاج الحياة الزوجية إلى شيء كما تحتاج إلى التسامح، لأن وجود هذه الصفة في الطرف الآخر يساعد الطرف الأول على الاعتراف بالخطأ، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
مقولة عمر بن الخطاب (لم تبن البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟) التي قالها في مجال الإصلاح بين امرأة وزوجها، قد يفهم منها أن الحب غير مطلوب بين الزوجين، ولكن المودة هي المحبة المصحوبة بالتعقل وليس الحب الموسوم بالتهور، فهذا لا ينفع في استمرار الزواج، أما الرحمة فما هي إن لم تكن الرعاية والتذمم بين الزوجين؟
يقول الشيخ محمد الغزالي في مقالته "البيوت تبنى على الحب": ( فإذا كانت المرأة ناضبة الحنان قاسية الفؤاد قوية الشعور بمآربها بليدة الإحساس بمطالب غيرها فخير لها أن تظل وحيدة، فلن تصلح ربة بيت، إن الزوج قد يمرض، وقد تبرّح به العلّة فتضيق به الممرضة المستأجرة. المفروض أن تكون زوجته أصبر من غيرها وأظهر بشاشة وأملاً ودعاء)، وما ينطبق على الرجل ينطبق على المرأة، ولكن تربيتنا العربية تجعل الرحمة لدى الرجل وكأنها تنقص من هيبته، مع أنه من لا يرحم لا يُرحم.
الوطن أون لاين