بيروت - محاسن عرفة

تتعرض الحياة الزوجية بعد انقضاء أيام السعادة الأولى إلى صراع شديد بين الطرفين نظرًا لاختلاف الطباع وتنافر العادات بينهما، حتى يبدأ الاثنان في التكيف واحتواء الآخر فتهدأ وتيرة التجاذبات والصادمات ويعم السلام والهدوء والانسجام بين الزوجين .. وهنا فقط تبدأ رحلة الحياة، التي تحتاج إلى كثير من الحكمة والرزانة في التعامل مع الأمور، من جانب الطرفين. فلا ينفع الانفعال والصراخ، بل يحتاج الزواج إلى الحنكة، ولطف المعاملة، والصبر لتجاوز الأزمات, وفي هذا التحقيق استطلعنا آراء بعض النساء، كما كان ختام التحقيق مع رأي علم الإجتماع الذي يقدم نصائحه في أمور الزواج.

** قرارات صعبة
سوزان علي متزوجة منذ أكثر من 14 سنة، وهي تعاني من مشكلة تتمثل في أن زوجها يوكل كل شيء فيما يتعلق بالقرارات الصعبة، إليها وهي تعود الآن بالذاكرة إلى أيام الزواج الأولى، فترى أنها كانت هي الكاسب الأكبر من فترة الصراع، إذ طالما شعرت بالغبطة من أنها تمكنت من إملاء إرادتها على زوجها، الذي كان يبدي لها الكثير من الحب والاستعداد للتنازل . ويبدو أن سوزان بدأت الآن تشعر بفداحة الثمن الذي تدفعه لقاء ما حققته من مكاسب صورية فهي تقول أنها ترغب في رؤية زوجها حازماً ومسئولاً يتحمل معها قسطاً من متاعب البيت والأولاد والمصروفات والأقساط والأثاث والمطبخ .. الخ . ولكن زوجها على ما يبدو استكان للوضع مع مرور الزمن، ومع أنه في البداية كان يشعر بأنها تنتقص من رجولته، إلا أنه الآن ليس قلقا بشأن ذلك الأمر . فكل ما يهمه أن أمور البيت تسير بشكل جيد، وهو يعود إلى المنزل ليجد الطعام جاهزاً وملابسه مغسولة ومكوية، وكل شيء في مكانه، إضافة إلى ذلك إن زوجته تبرمج الدفعات والأقساط والمواعيد، فلماذا يتدخل في شؤون المنزل وهو يعلم أنها أقدر منه على ذلك؟
وفي الإطار ذاته تقول سميرة أيمن: أن زوجها أصبح كواحد من الأطفال لا قرار له ولا رغبة لديه في المشاركة في أي شيء ولكنها ليست أمه إنها زوجته وعليه أن يتذكر ذلك . وهو الرجل الذي من المفترض أن يكون أقوى على تحمل الأعباء المتزايدة، صحيح أنني رضيت بتحمل تلك الأعباء في مرحلة مبكرة من الزواج، بل ناضلت من أجل أن تكون لي الكلمة المسموعة في تلك المجالات، لكن الأعباء لم تعد تطاق، ثم إن تحمل تلك الأعباء ليس قدراً خاصاً بطرف واحد . والأهم من ذلك أنها وجدت نفسها ضائعة بين صورة الزوجة المدبرة الناجحة التي يحسد الآخرون زوجها عليها وبين إحساسها بأن علاقتها الزوجية بعيدة عما حلمت به، إن ما رأته في بادئ الامر مسألة قرار ومشاركة، بات الآن عبارة عن دوامة من المسئوليات الشاقة التي لا تنتهي.

 

** علاقات اجتماعية
أما هند المحروسي، فتبدو مشكلتها في طبيعة العلاقات الاجتماعية لزوجها الذي يفاجئها بزيارات ودعوات اجتماعية هي لا تعرف عنها شيئا، يقوم بدعوة الأقارب والأصدقاء من دون التنسيق معها مما يسبب لها إرهاقاً مستمراً، خاصة وأنها موظفة في بنك تقول : " في بداية زواجنا، بدا لي الأمر عارضاً، وظننت أنها حالات استثنائية، وأن دعواته المفاجئة للأقارب والأصدقاء لن تتكرر إلا بعد أن نتفق عليها، خاصة أني وضحت له ذلك، لكن للأسف الأمر يتكرر مرة بعد أخرى ويشعرني بالتوتر الشديد.

وعلى النقيض من هذه الحكاية، تبدو حكاية لمياء عبدالله، التي تشكو من عزلة زوجها، وعدم رغبته في أن يشارك في أي أمر اجتماعي، بل تجاوز الأمر هذا الحد أنه يتدخل في صداقاتها وعلاقاتها الإجتماعية تقول : " دائما يحاول أن يضع العراقيل حين يعرف أنني ذاهبة للقاء صديقاتي، وحين أواجهه بالأمر ينكر تماماً، لكني أعرف أنه يتصرف عن قصد، لأنه لا يحب أن يقوم بأي تواصل اجتماعي،ويحاول أن يجعلني مثله بأي شكل من الأشكال، لكن طبيعتي مختلفة، وأنا بطبعي اجتماعية جدا، وأحب أن يكون لي صداقات مع الناس، وهذا الأمر من أبرز المشاكل التي تواجهني في حياتي الزوجية"

** أريد حلاً
تقول الخبيرة الاجتماعية المتخصصة في المشكلات العائلية والتطور الأسري عالية خير الدين: أن المشكلة أحياناً تكون مشكلة المرأة التي تكون هي صانعة القرار في الأسرة، فهذه المرأة تتحمل مسؤولية أكبر من الرجل في معظم المجالات وقد تكون قانعة بنصيبها في بادئ الامر لكنها فيما بعد تشعر بأنها أم الجميع بمن فيهم الزوج . وترى عالية: ينبغي على الزوجين التوصل لقرارات مشتركة في كل شيء سواء في العلاقات الاجتماعية أو غيرها من الأمور، لأنه في مرحلة معينة تشعر المرأة بأنها وحيدة رغم وجود الكل حولها، فهي تمسك دفة كل شيء وكاهلها ينوء بالحمل الثقيل، والزوج منشغل في أمور العمل وشؤونه الأخرى وعندما يكون في البيت يعد قيامها بكل الخدمات أمراً مسلما به، وعندما يتكئ ليشاهد التلفاز في المساء قلما يفكر في المسؤوليات التي تنهك الزوجة، أما المسكينة فهي تشعر بأن كل يوم يمر عليها ينقص من عمرها شهرا وشيئا فشيئا يصبح جمالها وحيويتها ونضارتها، بل وأناقتها أموراً من الماضي . إن كنت من النساء اللاتي يحملن على كاهلهن كل قرارات الأبناء والبيت والأمور الأخرى، وكنت تخافين من الوصول إلى ذلك المصير، فأنت على حق ويتعين عليك أن تقومي منذ الآن بالعمل على نقل الأعباء تدريجياً له أو توزيعها بحيث يعود إليك شيء من عالمك المفقود والمفتقد . ولكي تبعثي إلى زوجك رسالة مفادها أنك لست أمه، ولكي يفهم مضمون تلك الرسالة جيداً لابد من كفاح قد يشعل بعض المشاجرات التي تعيد العلاقة إلى أجواء الصراع الأولى. وهنا تبرز أهمية الحوار، فالسكوت لا يوصل أية رسالة، مهما كانت المعاناة كبيرة ومهما بلغ التحسب من ردة فعل الطرف الآخر . وتنصح الخبيرة الاجتماعية بأن تكوني حازمة وأنت تطلبين منه إتخاذ المبادرة وإبداء الإهتمام ببعض الأمور الخاصة بالأسرة. واستشيري من تثقين برأيهم من الأقارب واطلبي النصيحة ممن هم أكبر منك سنا وخبرة .
وتنصح أيضا بأن تقومي باجراء تقييم شامل لمسيرة التطور في علاقتكما الزوجية، وقارني بين سلوك زوجك الآن وبين سلوكه في السنوات الأولى. واستفيدي من الأحداث الماضية في تدعيم حوارك معه دون أن يكون في ذلك الحوار شيء من الاستفزاز .

JoomShaper