د. كميل موسى فرام
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
أستاذ مشارك/ كلية الطب – الجامعة الأردنية

الاعتقاد السائد في مجتمعنا أن مراجعة عيادة طبيب أمراض النسائية تعتبر حكرا على الإناث وأمرا مهينا على الذكور، هي فكرة متوارثة خاطئة بكل المعاني والقيم والنتائج، وقد تكون صحيحة في ظروف مرضية معينة ولكنها ليست كذلك في ظروف مرضية أخرى وتشكل نقطة إعاقة وتأخير، ونحن بحاجة مستعجلة لزيادة الوعي الصحي والثقافة الصحية بين أفراد المجتمع الذكوري الذي يطبق معايير المسلسلات التلفزيونية بالسلطة الذكورية لقرار إدارة المنزل، ويرتدي عباءة ثقافة العيب لو رافق زوجته لعيادة الطبيب لشكوى مرضية وقد تكون محددة لمنفعة الزوجين مجتمعين. فأمر مؤسف يصدمنا بواقع نازف ومؤلم لحاجتنا الطبية لوجود الزوج أحياناً لاعتبارات عديدة، سواء كان دوره جزء من المشكلة التي تبحث عن الحل ويتطلب الأمر توضيح تسلسل سيرته الشخصية بسرد أحداثها المطلوبة منه مباشرة وخضوعه للفحوصات الضرورية كمفتاح لحل المشكلة، أو أن رأيه مطلوب للسير ببرنامج العلاج لواقع صحي عارض لزوجته، أو اعتبار وجوده كمشجع للزوجة لتخطي مرحلة مرضية معينة تدخل لنفسها الراحة والاطمئنان عندما تشعر بمشاركته لحظات الألم والمعاناة، ودخولنا في تفاصيل ذلك يعتبر برأي البعض تماديا ببحث الخصوصيات أو تعديا على رمز الرجولة بمعناها المنتشر، وإغفال الطبيب بتوضيح ذلك الأمر وتحليل مفاصله يعتبر مجاملة مؤذية تفتقد لعناصر التنفيذ والهدف، فالمجاملة الصحية تشكل نوع من التضحية بصحة الغير لا نوافق عليها ولا نقرها لنتائجها المدمرة.

 رحلة البحث عن النصيحة الطبية

يصدمني الواقع الزوجي عندما تكون مشكلة عدم الحمل والإنجاب هاجسا مسيطرا على صفحات الحياة الزوجية حيث تبدأ رحلة البحث عن النصيحة الطبية بعد تردد طويل، والدخول بتفاصيل السيرة المرضية وتحليل أركانها وخصوصا أبواب العلاقة الجنسية بين الزوجين باعتبار ذلك العنوان الأهم لأمر البحث، ومصدر الاستقرار بالحياة ومنبع الأمل، والمؤسف المثبط أن مفهوم المعاشرة الزوجية (أساس الحمل والإنجاب والبناء العائلي) يعتمد بالتوقيت والتنفيذ على الرجل في غالب الأحيان، فيقرر رغبته حسب ظروفه المعلنة منها أو الشخصية، وقدرته على أداء المهمة بصورتها الصحيحة، ويزداد الأسف درجة بالإطاعة شبه العمياء للزوجة على ذلك، لأنها تعتقد حسب المفاهيم الاجتماعية السائدة أن مناقشة الأمر مع الزوج أمرا حساسا ومحرجا، وإبداء الرغبة يشكل خطيئة وضربا من الجنون، يصعب عليها تنفيذها أو تصحيحها بمبرر الأدب أو الخجل أو التمادي أو التمرد على القيم العائلية والاجتماعية والتي تشكل عنوانا خلافيا لفصول قادمة من النقاش أو أن كبرياء الأنوثة بمفهومه الدامغ يمنع التفكير والإعلان بصوت عالي ويترك لكلمات العيون بلغتها الصادقة بتصرفات التعبير الأنثوي بقالب الجذب لمن يقرأها والاعتماد على إثارة البراكين الدافئة في قلوب الرجال، وتحفيز سيالات الإثارة العصبية في الدماغ، ناهيك عن توظيف تصرفات عفوية أو مبرمجة ضمن الظروف العائلية والتي قد لا تكون بصورتها المثالية لحدوث الأمر المرتقب بقرض متراكب الفوائد من العواصف والوعود على حساب التوقيت الصحيح لذلك، والمبرر يُقرأ تحت فصل الجهل أو الخجل أو الدخول بالسلوكيات الزوجية الخاطئة من الزاوية الصحيحة، ويمثل ذلك حاجزا صعبا ورقما فاصلاً، ويتطلب فارسا بارعا يتذوق الاستماع لنغمات سيمفونية القلب التي تبحث عن التربة الخصبة لزرع الآمال وبناء العائلة الحلم.

 حدود المسؤولية

وجود الزوج مرافقا لزوجته بعيادة الأمراض النسائية وخضوعه للفحص والتقييم بمرحلة معينة يعتبر شرطا أساسيا وبديهيا لدوره المحوري، فمسؤوليته عن تأخر الحمل وحدوث الإنجاب تقارب لمسؤولية الزوجة على ذلك، وموافقته على إجراء التحليل المطلوب للسائل المنوي أو الفحص الهرموني والجيني كجزء من الخطة العلاجية والتحليلية لا يمثل خطوة شجاعة تتطلب منحه مكافأة عليها، ويؤسفني القول أن هناك جزء مهدر من المال والوقت والجهد لتردد الزوج بالحضور لعيادة الفحص أو إجراء التحاليل بالتوقيت المناسب باعتبار أن دوره يكتمل بمقدرته على المعاشرة الزوجية المتكررة لظروف قد نجهل تفاصيلها، وواقعها بصحته سلوكيات غير منتجة، والدليل لذلك السير بسبيل البحث عن النصيحة والعلاج، والزوجة بتقديري مطالبة بممارسة دورها المؤثر على السلوك الذكوري السلبي كاستحقاق عائلي ومشاركة منصفة بقطف النتائج، وأريد التوضيح من باب الأمانة العلمية أن الرسم البياني للقدرة الإنجابية لكلا الجنسين لا يُمثّل بخط مستقيم متصاعد مع عامل العمر والزمن، بل بأفق متذبذب يتأثر بمدى من العوامل الشخصية والمحيطة والعائلية، وجزء منها يكتب بحروف السرية والكتمان.

 

السلوك الزوجي

السلوك الزوجي قد تأثر بصورة سلبية كبيرة بالتعامل مع المشاكل العائلية الخاصة لانتقائه فقرات محددة من المشاهد الإعلامية التي يشاهدها أو يسمعها أو يقرأها عن الاكتشافات الطبية التي تشكل شحنة الأمل في ظلام التشاؤم بصعوبة نيل المنال، ويتأثر بالتطبيق بدور الرجل الظالم في مسلسلات التلفاز، وخلاصة القول المفيد أن الفحوصات الدورية والفصلية لكلا الزوجين تعتبر البناء الأساس لمفهوم الاستيعاب الزوجي ودرجته التالية في الإنجاب وأما الاعتماد على مسلمات متوارثة ونماذج مزعومة وأسطورية لغياب شهود الإثبات والتسلح بقدر الإيمان والاتكال دون السعي والبحث، فيمثل ذلك قرار الانتحار ببحر الأيام لمن لا يجيد العوم والسباحة بفنون الغطس، فيوهم نفسه بالقدرة المطلقة على التصرف لأنه صاحب الرأي الأسري باعتباره مصدر الدخل والإنفاق والربان لسفينة العائلة.
العلم اليوم قادر على التشخيص والعلاج، والمستحيل أصبح تحفة تاريخية في ضمير الأيام، والاكتشافات الطبية بمجالاتها الممتدة تتوالد على مدار الساعة ويجب أن توظف لتروي شجرة الزوجية بالإنجاب لضمان استمرار التمتع بنسمات السعادة ضامنة الاستقرار، وذهاب الزوجين بدافع ذاتي ودون وعد بمكافأة بالتوقيت المناسب، سيلزم العائلة بإعادة ترتيب الأولويات لسنوات العمر، وهو الطريق المعبد والصحيح لسالكه مهما تعددت وعراته، والاستماع للنصيحة الطبية وتنفيذها يمثل صمام الأمان لديمومة الدفء على شاطىء الزوجية، فتبادل التهم بين أطراف المعادلة لن يفرز رابح وبأي ظرف، ولكنه يفرز بالتأكيد خاسرين للمعركة رغم الجهد لحشد التهم والشهود، فالسعادة تتطلب الاتحاد والاندماج بين الزوجين في كل مفاصل الحياة، والحياة الزوجية ليست معركة بين قطبيها، بل الخيمة التي توفر الظل الواقي من شمس الأيام، وتشحن الدفء اللازم لشتاء الزوجية القارص لو انخفضت العواطف لظروف، وتعاون الزوج الصادق والواقعي يمثل عكازة تشعر الزوجة بامتلاكها مفتاح الأمان والاطمئنان للغد القادم والمجهول، ووجود الزوج الحسي رفيقا لزوجته يشكل السلوك الصحيح، ومغذيا للقفز عن حواجز الأيام، وعلى المرأة التمتع بالجرأة لإيقاف قاطرة الخجل في محطتها الصحية بالزمن والتوقيت، واستخدام سلاح دموع الأسف والندم لن تضمد الجرح النازف بغير جراحته الدقيقة، والتصرف بالظرف المناسب أمر تجيده عبر مواقف الدهر والأيام فغمزة العين السحرية وتوابعها ما زالت لغزا بالفعل والتركيب وسحر النتائج يحتاج للتحليل والتفسير.

JoomShaper