كتبت – سهير بشناق -
 الأحداث التي وقعت مؤخرا في مركز أحداث في اربد وأدت الى تكسير وتهشيم وحرق أجزاء من محتويات المركز مما أدى الى تدخل أمني للسيطرة على الموقف تعكس وضعا نفسيا غير سليم يعيشه هؤلاء الاحداث بالرغم من أن وقوع مثل هذه الحوادث في هذه المراكز قليل الحدوث.
 وزارة التنمية الاجتماعية المسؤولة عن هذه المراكز تعمل منذ فترة على إصلاح وتغير أوضاع مراكزها وتحسينها نحو الأفضل لإيمانها بأن هذه الفئات تستحق أن تعيش مدة محكوميتها أو ايقافها مؤقتا بأمن واستقرار في ظل توفير جميع وسائل الرعاية الاجتماعية والترفيهية والتعليمية.
 إلا أن الجوانب النفسية لهؤلاء الأحداث الاتين لهذه المراكز من بيئات أسرية مختلفة لا زالت تلعب دورا كبيرا في سلوكهم واتباع أساليب العنف في مشاجراتهم داخل المركز.   القضية تم تحويلها الى المدعي العام لما رافقها من حريق وتكسير ممتلكات وتدخل الأجهزة الأمنية للسيطرة على ما حدث فيما أوقفت التنمية الاجتماعية التحقيق مؤقتا بما حدث بعد أن تم تشكيل لجنة من كبار موظفي الوزارة لحين صدور نتائج تحقيق المدعي العام.
 مصادر مسؤولة بالوزارة -رفضت نشر اسمها– أكدت أن الوزارة مهتمة بشكل كبير بهذه القضية التي يمكنها أن تنقل صورة غير واقعية عن طبيعة مراكز الأحداث وما يحدث بها.
واكدت المصادر أن وزارة التنمية الاجتماعية تعمل منذ سنوات على ايلاء هذه المراكز اهتماما كبيرا ترجم على أرض الواقع من خلال البرامج الهادفة والترفيهية والتعليمية الموجهة لهذه الفئات والتي ساعدت بشكل كبير في تغير سلوكيات الأحداث الى الأفضل وملء أوقاتهم بأشياء مفيدة.
 وأوضحت المصادر أن ما يتم توفيره لهؤلاء الأحداث  في مراكزهم من وسائل تعليمية حديثة وترفيهية يجب أن تبقيهم بمناى عن اي مظهر من مظاهر العنف
وبينت المصادر ان بعض هؤلاء الاحداث يذهبون للمدارس و البعض الاخر من المحكومين لا تسمح اوضاعهم القضائية بمغادرة المراكز وهذا يعود تبعا لنوع القضية المحكومين فيها والتي تختلف عن الاحداث الموقوفين فترة مؤقتة .
 ويرى اخصائيون اجتماعيون أهمية الوقوف على الأحداث الاخيرة التي حدثت بمركز أحداث إربد والتي لا بد أن يكون وراء حدوثها أسباب عديدة عزوها الى الضغوطات النفسية التي قد يعيش بها الاحداث اضافة الى البيئات التي عاشوا فيها في اسرهم والتي تسهم الى حد كبير في تشبعهم ببعض السلوكيات غير السوية ومنها العنف.
 ويرى الاخصائيون ان المشرفين على هؤلاء الأحداث خاصة المراهقين منهم والتي تتراوح اعمارهم من ( 13- 17 ) عاما عليهم مسؤولية كبيرة في كيفية التعامل معهم
مؤكدين على أن وزارة التنمية الاجتماعية مطالبة بتوفير أكبر عدد ممكن من المشرفين لهذه المراكز في حال عدم كفاية أعداد المشرفين لرعاية الأحداث أو عدم كفاءتهم في التعامل معهم خاصة وأنهم يحتاجون لأبعد من حدود الرعاية المؤسسية والاشرافية بل هم في أعمار تتطلب تفهم أوضاعهم النفسية وامتلاك القدرة على ضبطهم وحل خلافاتهم كي لا تصل لحدود العنف الذي حدث أخيرا.
 الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي و الخبير الدولي في مواجهة العنف ضد الأطفال لدى مؤسسات الأمم المتحدة أشار الى أن دراسة  الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال،  بينت أن الأطفال في دور الرعاية الإجتماعية في كافة دول العالم معرضون لمدى وأسع من العنف من قبل الموظفين المسؤولين عنهم، ومثل هذا العنف يشمل الإساءة اللفظية والضرب، وتقييد الحركة لفترات طويلة، والإعتداءت الجنسية والتحرش الجنسي. ويأتي بعض أشكال هذ العنف كتدابير تأديبية أو عقابية ومسموح بها من قبل الدولة ففي 145 دولة بما فيها الأردن لم يتم لغاية الآن الحظر الصريح لعقوبة الإيذاء البدني  وغيرها من أشكال العقوبة أو المعاملة المهينة بنص واضح وصريح في قانون العقوبات.
 وأضاف جهشان:إن  العنف ضد الأطفال  يحصل في مؤسسات الرعاية الإجتماعية بسبب مواقف وسلوكيات ثقافية متوارثة منذ عشرات السنين مرجعيتها أن هؤلاء الأطفال هم نتاج لجماعات إجتماعية مهمشة ومعزولة ومفككة أو لإرتباط ولادتهم بالخطيئة والشر،  وان العقوبات البدنية  هي الطريقة المثلى لضبط هؤلاء الأطفال، ومع التقدم الكبير في التعامل مع هؤلاء الأطفال من الناحية الإنسانية الإ أنه يجب الإعتراف بأن هذه الثقافة لا زالت شائعة في المجتمع وما بين المشرفين على هؤلاء الأطفال، وعادة ما يتم وصف هؤلاء الأطفال بالمشاغبين والأشقياء ويجب أن يفرض عليهم الانضباط والسيطرة بالقوة والعنف.
 وأوضح جهشان انه بالرغم من التقدم الكبير في اساليب رعاية الطفل والتطور في إحترام حقوقه في مجالات عديدة الأ أنه لا يزال تحقيق الإصلاح في مؤسسات الرعاية الإجتماعية بطيئاً، ويعود   ذلك لوجود ثقافة سائدة بالمجتمع تعكس أولوية منخفضة بالتعامل مع الأطفال الذين تعرضوا لليتم والهجر والإعاقة أو المخالفين للقانون وينعكس ذلك تلقائيا على التعامل معهم في مؤسسات الرعاية بسبب وجودهم خارج نطاق اهتمام السياسات الإجتماعية إلى حين حدوث أخفاق ذريع أو إساءة بالغة تصل إلى الإعلام حينها و يظهر الإرتباك في الدفاع عن السياسات وعن التي تقدم لهؤلاء الأطفال.
 وعزا جهشان العوامل الاخرى  المرتبطة بحصول العنف في مؤسسات الرعاية و الخدمات  الإجتماعية  الى وجود  عدد كبير من الموظفين غير مؤهل مهنيا وهم من ذوي الأجور الضعيفة ينقصهم الحافز على العمل، وعددهم عادة غير كاف للإشراف على الأطفال على مدار الساعة مما يزيد من إحتمال تعرض الأطفال للعنف وللإستغلال الجنسي، ويعتبر الإخفاق في الإشراف الملائم على الموظفين من قبل إداراتهم من المشكلات الخطيرة التي تشكل أيضا عوامل خطورة لحصول العنف.
اضافة الى ان  غياب اللوائح والقواعد المُنظِمة لهذه المؤسسات وأهمها كونها مغلقة أمام عمليات التفتيش والمراقبة الخارجية وخاصة دور الرعاية التي تديرها المؤسسات الحكومية أو التي تقع في مناطق معزولة، يشكل عامل خطورة كبيرا لتعرض الأطفال لكافة أشكال العنف، وفي مثل هذه الظروف قد يستمر العنف سنوات عديدة إلى أن تتسبب حالة جسيمة في الكشف عنه.
واعتبر جهشان عدم وجود اية  فائدة بإدعاء القيام بالتفتيش والرقابة من نفس الجهة المقدمة للخدمات في مؤسسات الرعاية الإجتماعية لتضارب المصالح، ولا يصح قانونا أن تقيم الأدلة وتزن البينات التي تثبت أو تنفي العنف من قبل نفس المؤسسة التي يرتكب فيها عنف وإن كان بتراتب إداري أعلى، لأن بعض اشكال العنف التي يتعرض لها أطفال المؤسسات الإجتماعية تشكل جرائم تستوجب التحقيق والملاحقة بالحق العام ولا يجوز التعامل معها إداريا، والإخفاق بإبلاغ الإدعاء العام عن الإشتباه بحدوثها يشكل جريمة بحد ذاته وإنتهاكا صارخا بحق الطفل بالحماية من كافة أشكال العنف التي نصت عليها إتفاقية حقوق الطفل، وتميزا ضد الطفل مقارنة مع الأطفال خارج مؤسسات الرعاية.
 وتوقع جهشان  أن تقوم بعمليات التفتيش والرقابة وتلقي البلاغات من أطفال المؤسسات الإجتماعية، هيئات متخصصة تتصف بالحيادية والنزاهة وغير مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالجهة مقدمة الخدمة أو المشرفة على هذه المؤسسات. إن التحقيق في حالات تعرض الأطفال في دور الرعاية الإجتماعية للعنف من قبل لجان من نفس المؤسسة، وخاصة إذا كانت حكومية، يتصف بالسطحية ونادرا جدا ما يخضع المعتدون للمحاكمة، وعادة يكون أعضاء هذه اللجان غير راغبين في إخضاع زملائهم المتورطين لإجراءات تأديبية أو للمحاكمة، أو يخشون الوصمة السيئة للمؤسسة التي يعملون بها، وبالتالي فإن الإخفاق في إخضاع مرتكبي العنف للمساءلة ومحاسبتهم يؤدي إلى إستمرار العنف، وإلى تولد بيئة يكون بها العنف ضد الأطفال أمرا مقبولاً ومعتاداً.
 ويؤكد اخصائيون اجتماعيون  ان التصدي للعنف  ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الإجتماعية  يتطلب التعامل مع مراحله المختلفة، لاهمية  الوقاية الأولية للعنف قبل وقوعه في المؤسسات مما يتطلب  التعامل مع محورين هامين أولهما الحد من العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى إيداع الأطفال في المؤسسات، والثاني هو توفير بدائل للمؤسسات نفسها مما يتطلب عملا متعدد القطاعات المهنية على المستوى الوطني.
مشيرين الى أن العمل على خفض نسبة العنف ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الإجتماعية يتطلب توفير بيئة آمنة للأطفال يشرف عليها موظفون مدربون لهم أجور ملائمة، وتخصصات مهنية تستجيب لإحتياجات الأطفال المتفاوتة حسب مراحل تطورهم، والإشراف المحسن وشفافية الإدارة. أما عقب حصول العنف ضد الأطفال في مؤسسات الرعاية الإجتماعية فيجب إتخاذ الإجراءات التي تمنع المسؤولين عن هذا العنف من الإفلات من العقوبة، وذلك بوضع آليات فعالة وشفافة للتبليغ والمراقبة والتحقيق والمساءلة.
 الدكتور جهشان اكد على ضرورة ان  يتضمن التشريع الأردني مواد تضمن عدم إستمرارية كون مؤسسات الرعاية الإجتماعية مواقع مغلقة دونما الخصوع للمساءلة، من مثل التفقد المهني المنظم لهذ المؤسسات من قبل مؤسسات حقوق الإنسان والمحامين والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المهني بما لا يتعارض والإحترام الواجب والخصوصية الفردية للأطفال في هذه المؤسسات.
اضافة الى اهمية تضمين  القانون الأردني  نظما فعالة للرقابة والإبلاغ من قبل هيئات مستقلة مؤهلة تتمتع بالكفاءة لها سلطة المطالبة بمعلومات مستمرة حول الظروف القائمة في مؤسسات الرعاية الإجتماعية وكذلك سلطة التحقيق في البلاغات عن إرتكاب العنف ضد أطفال هذه المؤسسات.
 بحيث  يضمن التشريع أن يُتاح للأطفال في المؤسسات الإجتماعية آليات واضحة  للشكوى، تكون مأمونة ومستقلة وبسيطة وسهلة المنال بما في ذلك توفير حق الإستئناف للأطفال أو ممثليهم إذا لم يقتنعوا بالإستجابة التي نالتها شكواهم.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه التنمية الاجتماعية اشرافها وتوفيرها لجميع احتياجات الاحداث في المراكز فان  الإستمرار في عدم الإقرار بمشكلة العنف ضد أطفال المؤسسات الإجتماعية  والتي قد يصل بعضها لوسائل الاعلام وقد يبقى البعض الاخر يدور خلف ابواب المراكز ، يعتبر   إنتهاكاً لحقوق هؤلاء الأطفال المهمشين وتميزاً ضدهم.
 فإن كان الطفل الحدث الذي وصل الى مركز الأحداث متوارثا لفكر العنف وسلوكيات عاشها في أسرته ولا يتجاوب مع جميع الخدمات التي توفرها التنمية الاجتماعية لهؤلاء بتغير سلوكياته فإن التنمية مطالبة بإعادة النظر في مشرفيها بهذه المراكز وتزويدها بأخصائيين نفسيين يساندون هؤلاء المشرفين في عملهم ويستطيعون احتواء أي سلوك عنف قد يصدر من هؤلاء الأحداث ... بحدوثه تبدأ أصابع الاتهام موجهة ضد آلية عمل وزارة التنمية الاجتماعية ووصفها ( بالمقصرة ) اتجاهم وهو بناء على واقع العديد من المراكز الاجتماعية والمؤسسية و عمل الوزارة حيال تحسين أوضاع المنتفعين بها يعتبر  غير منصف بحقها.

 

JoomShaper