الدستور - منال القطاونة
لم يعد الطلاق غريباً هذه الأيام خاصة وان ومعدلاته تواصل الارتفاع والتنامي يوما بعد يوم وكما يقول بعض الساخرين إن المأذون يّزوج الناس يوماً واحداً في الأسبوع ..... ويظل يطلق فيهم بقية الأسبوع"، .
ولكن السؤال يبقى حائراً ؟ماذا عن الأبناء والأطفال تحديدا ؟ هل هم الخاسرون بالدرجة الأولى .؟؟ والى أي مدى تبلغ هذه الخسارة ؟ وهل يمكن تلافيها؟
الأطفال والأبناء بلا شك هم أولى "ضحايا الطلاق" لأنهم يفقدون بفسخ الرابط الأسري بين أبويهم معاني الإحساس بالأمن والحماية والاستقرار ، ليصبحوا فريسة صراعات بين والديهم حول تبعيتهم التي قد تتجاوز حدود المعقول: حيث يتسابق كل منهما ليكسب الطفل إلى جانبه ، مقابل تشويه صورة الآخر. هنا تتحطم الصورة المثالية لتركيبة الزوجين في عقلية وخيال الطفل الأمر الذي يجعله يفقد الثقة بالاثنين معاً.
الطلاق "جرعة سّم"للرجل والمرأة والأبناء والمجتمع عامة لما يترك من آثار ورواسب في حياة كل منهم وبما ينجم عنه من تغيير المنزل .... تغيير مدارس الأطفال... من تغيير الى تغيير خلال هذه الفترة يفقد الأبناء شحنات من الألفة والاستقرار.... بل ويفقدون طفولتهم أيضا.
... ولكن ماذا لو كان الزواج مليئاً بالمشاكل والخلافات المحتدمة ..هل يمكن ان ينتج أطفال أفضل من "أطفال الطلاق"...؟
الدراسات تقول أيضا حتى في هذا الوضع المّتخم بالمشاكل والتوترات فان مصير ووضع الأبناء أفضل من"أولاد الطلاق "
وماذا عن" الزوج"الرجل وهو ربان السفينة فمعاناة الزوج في الطلاق" اكثر بكثير" من معاناة الزوجة حسب ما نشاهد من حالات في مجتمعنا ....الطلاق بالتأكيد يتُعب نفسية الرجل ويحطمها أكثر من المرأة.... لإن الزوج يفقد صلته بأطفاله وحتى وهو يزورهم ويراهم ويشاركهم في لهوهم أيام عطلاتهم... لأنه يشعر مع الوقت بحكم إقامتهم مع أمهم انه قد أصبح غريباً عليهم... لم يعد معهم ..يصحون من نومهم في الصباح لم يعد يراهم ... عندما يعودون من مدارسهم في المساء لم يعد يعاونهم في تأدية واجباتهم المدرسية ... ولم يعد يشاركهم حياتهم داخل البيت او الاستماع لمشاكلهم كما كان يفعل قبل خروجه منه .... فهو يلتقي بهم"خارج البـيت ولفترة محددة "تجنباً"وتلافيا للقاء آخر بين طرفي الخلاف .
إن حرمان الأب من مشاركة أبنائه حياتهم "أكثر جرعات الطلاق مرارة""فهو يشعر بالخيبة والمرارة لفقدان دوره كأب وزوج ، ويصطدم بالناس ويشعر بوخز الضمير نتيجة شعوره بالمسئولية كونه هو سبب مباشر عن انهيار الأسرة فيفقد دوره كزوج وكمربي وخسارته الأكبر لدوره كأب كون الأم تلعب "بعد الطلاق"دور الأب والأم معاً. الى جانب خسارته المادية الأكيدة .
فقد أثبتت دراسة علمية حديثة مفادها أن الرجال هم المتضررون من الطلاق في المقام الأول ، . وأشارت الدراسة التي شملت 10 آلاف رجل إلى تزايد نسبة الرجال المطلقين الذين يعانون أمراضا جسدية ونفســية ، كما أفادت أيضاً أن الإقبال على الانتحـار لدى هؤلاء يفوق مرتين ونصف معدل الرجال المتزوجين.
من ناحية أخرى أكدت دراسة ميدانية أجراها باحثون في علم الاجتماع أن معظم الرجال الذين سبق لهم خوض تجربة الزواج وفشلوا فيها ، معرضون للإصابة بالاضطرابات النفسية جراء هذا الفشل ، وأن (الرجل المطلق) يعاني غالباً من عدم القدرة على التكيف اجتماعياً بعد الطلاق ، كما يواجه صعوبات في خوض التجربة مرة أخرى باعتباره رجلاً (له ماض وتجربة صعبة
المعاناة.... معاناة الأبناء... معاناة الآباء.... هي حصاد هذا النزف الأسري التي اصطلحوا على تسميته بالطلاق او الانفصال .
ان موقف"الطلاق"أخلاقي في أساسه الأول قبل كل شيء .... ويجب ألا يتخذه احد الأبوين بناء على مواقفه الشخصية ... فحسابات الزواج كمؤسسة اجتماعية معقدة جداً وتزداد نسبة التعقيد عندما يكون هناك أبناء وأطفال .
لا ننكر بان الطلاق هو وسيلة من وسائل الشرع التي أباحها الله سبحانه وتعالي عند انعدام فرص التعايش مع الآخر وعند استحالة القدرة على التكيف على الظروف النفسية لدى الزوجين.
وفي الختام أتساءل هل يمكن أن يُطرح المستقبل أشكالاً جديدة من التشريعات لا يكون للأب فيها تلك اليد الطولى في هذه المسألة .... وان تشعر فيها المرأة بحريتها في إطار الأسرة....وأن يكون هناك طرح وسن تشريعات يظل الأطفال من خلالها"سداً منيعاً" في وجه هذه المأساة الحقيقية قبل حدوثها وإلا يدفع الأطفال ثمن خلافات لا شأن لهم بها.... كترجمة حقيقية لصون حقوق الطفولة ..... لتمكين الطفل من التمتع بطفولة سعيدة ينعم فيها ، ويكون محميا من جميع الجهات ولديه الحقوق التي تؤمن له حياة سعيدة تحت مظلة الأب وإلام .
أدعو كل زوجين يفكران بالانفصال إلى التفكير والتروي قبل الإقدام عليه وان يحاولا إيجاد حلول مشتركة من شأنها التقليل من حجم المشاكل بينهما.
من وجهة نظري اجد أن هناك حلا وبديلا"لزواج عاصف غير الانفصال والطلاق .... اجل ...؟ الحل ان "نتخّلى قليلا"عن إحساسنا المفرط بالذات وعن نرجسيتنا المفرطة والضارة ... وإلا نغرق في بحر الأنانية المدمر .
«الطلاق» ... تفكيك للأسرة وضياع للأبناء!
- التفاصيل