غزة- فاطمة الزهراء العويني
بعدما تحقّق المبتغى، عادت "كريمة" بالسّلامة إلى بيتها تحمِلُ مولودها الأول، عادت لزوجها الذي كان وحتّى آخر نفَس مقتنعاً تماماً بأن "أمجد" (حبيب البابا) سيكون سبباً في زيادة قوة الرابط الذي يجمعه بأمه "حبيبة القلب، وشريكة الدرب"..
كان واثقاً من أن "شريكه الجديد فيها" سوف لن توليه رعايةً أكبر، سوف لن يضاهيه مكانةً فوق عرش القلب.. ومرّت أيام النّفاس الأربعون..
طوال تلك الفترة، كان "أبو أمجد" مراعياً وبشدة ظروف زوجته، إذ إنها "والدة جديدة".. لن تتيح لها آلام الوضع، أو حداثة عهدها بالأمومة أن تعود "كريمة الجميلة، التي لا يضاهيها أحد في الاعتناء بنفسها.. جمالها، ثيابها، ورشاقتها" ولطالما حدّث نفسه "الصّبرُ طيّب"..
شهر.. شهران.. سنة!!.. وكريمة لم تعد كريمة، طوال اليوم تلهث وراء تلبية صرخات أمجد.. أحياناً تطبخ لزوجها، وفي أحياااانٍ كثيرة، تبادِرُه باتّصال :"حبيبي.. اعذرني اليوم لم أستطع أن أعدّ لك طعام الغداء، إذا أحببت تغدّى عند أمك، أو اجلب لنا طعاماً جاهزاً"...
أما ثيابها، فحدّث ولا حرَج.. "ألوانٌ لا تناسق فيها، وشعرٌ منكوشٌ، وغرفةٌ تعجّ بأغراض طفله، وألعابه وحتى... "حفاضاته"!! هذا ولا يتّسع المجال للمزيد من الحديث عن "الصداااااع" الذي يتسبب به صراخ ابنه الدائم فيحرمه النّوم ويحرمها..
أما هيَ، فكان عذرُها.. (أنهكني التّعب،، فلا تكلّفني يا أبا أمجد ما لا طاقة لي بِه.. أطعم ابنك وأسقيه، وأنظّف له، وأداعبه، يصيبه المغص، والأرق، والإسهال.. فلا أنام ليلاً، ولا راحة لي نهاراً.. ووسط هذا كلّه ملامة لأنني لا أهتمّ بزوجي"..
أما زوجُها، فلم يجد أمامهُ حلّاً سوى أن يبتعد!! عند أصدقائه حيناً، وفي بيت أهله أحيااااناً, أو وحيداً يتسكّع في طرقات الحيّ أو يجلس في إحدى المطاعم بانتظار ساعة "النوم"..
ولكن عزيزي القارئ، هل يعني وجود الطفل الأول في حياة أيّ زوجين، أن المشهد السابق سيتكرر معهم جميعاً؟ أم أن خطأً ما يرتكبه الزوجان هو السببُ في حدوثه؟ هذا ما سنعرف إجابته في سياق التقرير التالي:
لا وقت ..حتى للنوم
استطلعنا آراء بعض الزوجات في هذا الموضوع، فهذه أم أحمد تبين لـ"فلسطين " أنها ربطتها بزوجها علاقة حب كبيرة حيث كانت خلال خطوبتها وأشهر زواجها الأولى تولي اهتماما غير مسبوق لزوجها، فهو شغلها الشاغل وهمها الأول .. لكن بعد أن حدث الحمل الأول في الشهر الثالث من الزواج.. ومضت أشهر الحمل سريعاً... ولد طفلهما الأول "أحمد " الذي انتظرا ولادته بفارغ الصبر.. فحدث ما لم يكن في الحسبان !
فهي –كما قالت- مشغولة طوال الوقت بابنها .. حتى أنها لا تجد وقتا لرؤية وجهها في المرآة ... فهي تنام وتستيقظ على صراخه.. وما أن تفلح في جعله يخلد إلى النوم .. تجد عينيها تطبقان من شدة النعاس أو تنهمك في انجاز أعمال المنزل بسرعة جنونية .. وهي تلقي بين الحين والآخر نظرات على طفلها لتتأكد أنه ما زال مستغرقا في نومه ..
تقول :"زوجي يشتكي من أنه لم يعد يلقى أي اهتمام مني .. وغير مقتنع بأن المسئولية الملقاة على عاتقي كبيرة ... فعليّ العناية بكائن حي يعتمد علي اعتمادا كليا في أكله وشربه ونومه .. ويتطلب الأمر أن أبقى بجانبه طوال الوقت ".
وتضيف بأسى :"ما يزعجني هو أنه لا يقدّر أنني بت لا أجد وقتا كافيا للعناية بنفسي ، فأنا الأخرى بشر بحاجة للراحة لأتمتع بحالة جسدية ونفسية تجعلني أستمر في الحياة دون عقبات".
أبناؤنا باعدوا بيننا
أما دعاء فكان لها تجربة لا تختلف كثيرا عن سابقتها فكان الحمل السريع في أول شهر من الزواج ، ليأتي طفلهما الأول بعد تسعة أشهر، ويكون سببا في تباعد المسافات بينها وبين زوجها ، الأمر الذي أحدث شرخا في العلاقة..
وتضيف بأسى :" لم أجد من زوجي تفهما لظروفي الجديدة.. فهو كان يريد أن يبقى كل شيء على حاله.. المقابلة بالمظهر الجميل والابتسامة .. ووجبة الغداء جاهزة .. وملابسه نظيفة .. وأجلس معه متى شاء "، مشيرة إلى أن عدم التفهم الذي أبداه زوجها أتعب نفسيتها وأسهم في خلخلة مشاعر الحب له في قلبها .
وبينت أن حملها السريع بالطفل الثاني لتنجب طفلا آخر خلال عشرة أشهر من ولادة طفلها الأول ..زاد الطين بلة .. وجعل العلاقة بينها وبين زوجها جحيما لا يطاق ، لافتة إلى أنها اختارت أن تقابل ابتعاده بابتعاد وجفاءه بجفاء ، قائلة بغضب :" هو لا يقدّر ولا يساعدني ..ويرفض أن نقوم بتنظيم النسل ... ثم يطلب زينة واهتماما وتدليلا ..انه المستحيل بعينه ".
هذه واجباتها!
بينما يرى علاء أنه لا عذر للزوجة للتقصير في حق زوجها إذا ما رزقوا بأولاد ، مبينا أن دور الزوجة في البيت هو تدليل زوجها والعناية بأولادها وبيتها وإلا فلا حاجة للزوج بها –ما قال- !
ويشير إلى أنه مع ولادة الطفل الأول بدأت زوجته تهمل في نفسها وطلباته ، فسارع بتحذيرها بأن هذا الوضع لا يروق له ، مما جعلها تضاعف جهدها لانجاز جميع الأمور على أتم وجه حتى لا تتعرض لانتقاداته وغضبه !، مبديا فخره بأنه استطاع السيطرة على الأمور قبل أن تفلت !
تقدير لدورها !
أما سامي فبدا أكثر تفهما لوضع زوجته ، فرغم أنه شعر بانصراف انتباه زوجته عنه عندما رزقوا بأطفال خاصة الطفل الأول، وأنها منشغلة به وتعطيه كل وقتها على حسابه، وشعوره بالغيرة منه ! لكنه قدر ثقل المسئولية الملقاة على عاتقها ، وآثر أن يقوم بمشاركتها بتربية الأبناء والتمتع بمشاعر الأبوة بدلا من أن يشغل وقته بلومها على تقصيرها في حقه .
وأكد أن كل زوجين يجب أن يدركا أن الحياة ومعطياتها في فترة الخطوبة وبداية الزواج تختلف اختلافاً جوهرياً عما بعد الإنجاب ، فعليهما أن يظلا متماسكين ويقدسا الرابط الذي بينهما ، وألا يكونا كغيرهما من الأزواج الذين دبت بينهم المشاكل بسبب أبنائهم !
وأشار إلى أن الزوج بدلا من أن يشتكي يجب أن يقدر الدور الذي تقوم به زوجته ، والجهد الذي تبذله لصالح أسرتهما ، وان لم يساعدها فعليا فليساعدها بالتشجيع والإطراء وتقدير جهودها !
تشعب دائرة الاهتمام
الاختصاصي النفسي فوزي أبو عودة بين أنه من الطبيعي عند بداية الزواج أن يكون هناك اهتمام متبادل بين الزوجين، ويكون كل منهما مركز تفكير وتقدير واحترام وحب الآخر ، بينما عندما يحصل الإنجاب تتشعب دائرة اهتمام كل منهما لتشمل الأبناء ، فتقل نسبة الاهتمام، موضحاً أن ذلك يحدث في صميم التفكير لدى الزوجين "أن هناك فتوراً في العلاقة ، وضموراً للحب بينهما، مما يحدث خلافات قد تصل حد الفراق".
واعتبر أن الحل يكمن في تطبيق قول الرسول صلى الله عليه وسلم "أعط كل ذي حق حقه" ، وأن يخصص كلاً منهما للآخر جزءا من اهتمامه ووقته ، ويؤدي واجباته نحوه ، بما لا يحرم الأطفال أيضا من الحب والتقدير .
وأشار أبو عودة إلى ضرورة أن يوازنا في حياتهما الزوجية ، وأن يدركا أنه بعد الإنجاب لن يكون هناك اهتمام متبادل بالقدر الذي كان موجودا سابقا، فهناك أطفال يحتاجون للاهتمام من قبل الوالدين، داعيا إياهما إلى التوقف عن الشعور بأن الحب قد فتر بعد الإنجاب وأن يتأكدا بأنه قد زاد ، رغم ان الاهتمام المتبادل قل منسوبه !
الشراكة مطلوبة
واقترح أبو عودة قيام الزوجين بتعويض النقص في التواصل بعد الإنجاب بالخروج في رحلات ترفيهية سويا مما يسبب لهما الشعور بالراحة النفسية والسعاة ، ويعوضا فترة الحرمان ، ويؤكد كل منهما للآخر أنه يقدر وجوده في حياته ، وأنه لا يحب أحدا في العالم كما يحبه حتى لو كان هذا الشخص ابنه .
ودعا الأزواج إلى مساعدة زوجاتهم في الأعمال المنزلية وتربية الأبناء التي ينبغي أن تكون مسئولية مشتركة بينهما، مع ضرورة ألا يكون الرجل جاحدا لدور المرأة وهو يراها مشغولة بالإرضاع والتنظيف وما تعانيه من ألم أثناء الحمل والولادة وبعدهما ، بل يقدر ذلك أشد التقدير .
المصدر: صحيفة فلسطين
الطفل الأول.. حبيب أبيه ضرته!
- التفاصيل