شادية ضاهر
في السنوات الاخيرة، وبالتحديد منذ أن خرجت المرأة الى العمل وأصبح لديها «اقتصادها» الخاص المنفصل عن الرجل، بدأت البيوت في كل المجتمعات تعاني مشاكل عدة، ما بين خوف الرجل على «رجولته»، وإصراره على السيطرة على المرأة من كل الجوانب ومن الجانب الاخر إصرار المرأة على الاستقلالية الاقتصادية.
هذا البحث المستميت عن الاستقلالية الاقتصادية أعطى للرجل الحق في بعض الاحيان سؤال المرأة عن مدخراتها وبالتالي إنفاق ما تحصل عليه من عملها، وفي الوقت نفسه ليس لها الحق بسؤاله عن مدخوله.
ولكن في ظل بحث المرأة عن استقلاليتها الاقتصادية وتدخل الرجل فيها ووضع العراقيل أمامها، يبرز سؤال مهم: ما مدى مساهمة هذه الاستقلالية في التنمية وهل لها انعكاسات سلبية على حياة المرأة الاجتماعية؟
مميزات المرأة
في البداية، يرى الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور أن المرأة كلما كان لها مساحتها التي تستحقها وتتناسب مع كفاءاتها كان للتنمية حظ أوفر، وبالتالي تكون مساهمتها الفاعلة إن لم تكن على قدر مساهمة الرجل فستكون أكبر وأكثر فاعلية، لما للمرأة من دور في المجتمع في هذا الوقت على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي، الذي يهيمن على مجريات الامور.
ويؤكد أن ما تعطيه المرأة بالتأكيد هو أكثر مما قد يعطيه الرجل لعدة أسباب:
أولاً: قدرة المرأة على الصبر والتحمل أكثر من الرجل مما يجعل قراراتها منطلقة من ترو واقتدار، في الوقت الذي تكون فيه قرارات الرجل انفعالية لاسيما في هذه الظروف الصعبة التي نعيشها.
ثانياً: تقوم المرأة في المجتمع بخمس وظائف، بينما يقوم الرجل بوظيفة واحدة، فعلى سبيل المثال تقوم المرأة بالتنشئة التربوية والتعليمية والاجتماعية والصحية، بالإضافة إلى دورها في تأمين مستلزمات حياتها وحياة الاسرة كما تساهم بتكاليف المعيشة بقدر يتساوى مع الرجل.
ويوضح «إذا لم نترك للمرأة تلك المساهمة بإعطائها الاستقلالية التي تستطيع من خلالها أن تمارس هذه القدرات وتجسدها على أرض الواقع في التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، نكون بذلك نفوت على التنمية مساهمة كبيرة.
ويلفت بوخضور إلى أن للمرأة دورا إيجابيا مساويا إن لم يكن أكثر من الرجل، مما يجعل استقرار المجتمع يتأتى من استقلال المرأة، ومن هنا يجب أن ننظر إلى هذا الدور الكبير للمرأة وصدق من قال ان المرأة هي نصف المجتمع، بل هي في وقتنا هذا أساس المجتمع».
سلبيات الاستقلالية
وبالنسبة لانعكاس استقلالية المرأة سلباً على حياتها الاجتماعية والعائلية، شدد بوخضور على أن هناك نماذج تشذ عن القاعدة وهذه النماذج المنحرفة أو التي شذت يجب أن نفهم أسبابها وظروفها، وبرأيي فإن الظروف والاسباب هي التي يجب أن نحكم عليها وليس على مبدأ استقلالية المرأة الذي هو مبدأ لاستقرار المجتمع بالضوابط التي تعطي للمرأة حقوقها وتستغل إمكاناتها بشكل صحيح، أما إذا كانت إمكانات هذه المرأة لا تستغل بشكل صحيح فبالتأكيد استقلاليتها لم توظف بشكل صحيح.
ويتابع: إن ما يغيب عن أذهان الناس هو أنه يجب أن تكون العلاقة بين المرأة والرجل متكاملا بحيث يفسح الرجل في المجال أمام المرأة في القيام بدورها بشكل صحيح.
مساهمات محدودة
من جهتها، تؤكد المحامية ليلى الراشد أن للمرأة مساهمات كبيرة في تنمية المجتمع، وإذا كانت هذه المساهمات محدودة، فلأنها لم تأخذ مكانها الطبيعي في المجتمع وما زالت المساهمة في التنمية في المناصب القيادية مقتصرة على الرجال مع أن هناك نساء لهن بصمة واضحة في بعض المجالات كالتدريس.
وأما في مناصب أخرى، كالمناصب القيادية وصنع القرار، فتوضح أن ليس لها هذا الوجود الفاعل وبإمكان المرأة المساهمة في هذه التنمية إذا أعطيت هذه الفرصة.
وتبين الراشد أنه إذا كانت المرأة مستقلة اقتصادياً، فإن ذلك ينعكس إيجاباً على منزلها بحيث تبنيه بشكل صحيح وتساهم في اقتصاد المنزل والاسرة، مشيرة إلى أن الرجال في الوقت الحالي يفتشون عن المرأة العاملة ويعتمدون اعتماداً كلياً على راتبها ومدخولها وأكدت أنه «لا يعني إذا كانت المرأة مرتاحة اقتصادياً أنها ستتمرد على زوجها وبيتها».
وتختم: «بحكم مهنتي كمحامية أرى أن أغلب الرجال يعتمدون على راتب المرأة، ولهذا تبقى حياتها الأسرية مستقرة لأن الاعتماد في الوقت الحالي على راتب واحد لايكفي، لاسيما في ظل الغلاء الفاحش وبالتلي فإن مدخول المرأة ينعكس على استقرار منزلها».
استقلالية المرأة اقتصادياً
من المعروف أن نقطة انطلاقة المرأة نحو المراكز القيادية والإشرافية والقيام بدورها في تنمية المجتمع، تبدأ أولاً بثقتها بذاتها ومعرفة إمكانياتها وقدراتها, ومن ثم اختيارها للمجال الذي يمكن أن تبدع فيه بعد أن تحقق التوازن بين دورها ودور الرجل كمكمل لها وشريك أساسي في حياتها.
ومن هنا برزت الإستقلالية الإقتصادية كأحد العناصر الكفيلة بتمكين المرأة من إظهار قدراتها وإمكانياتها بعيداً عن ظل الرجل.
لكن هذه الإستقلالية جعلت المرأة تواجه المزيد من العوائق لاسيما في ظل رفض الرجل لها انطلاقاً من كون هذه الإستقلالية ستفقده سيطرته عليها وكذلك لانعكاس هذه الاستقلالية سلباً على حياتها الاجتماعية والعائلية كما يدعي البعض.
وقد أكد عدد كبير من الأشخاص الذين استطلعت «الطليعة» آراءهم تأييدهم لاستقلال المرأة اقتصادياً لما لذلك من إيجابيات من شأنها تقوية شخصيتها وتعزيز ثقة بنفسها وتحقيق طموحاتها بشرط عدم انعكاس ذلك على حياتها الخاصة أو الدفع بها إلى التمرد على أهلها أو زوجها. وهنا جانب من هذه الآراء:
زينب خدادة:
فتح آفاق أخرى
أنا مع استقلالية المرأة اقتصادياً لأنه في جميع المجالات الرجل هو الطاغي والمرأة إذا استقلت اقتصادياً ستشكل دافعاً للبنات الاخريات لتطوير أنفسهن للوصول إلى مجالات لم يصلن إليها من قبل.
مريم القلاف
بعيدا عن السيطرة
طبعاً أنا مع استقلالية المرأة اقتصادياً لأن ظروف المجتمع تغيرت الان من جميع النواحي ولم يعد هناك أحد يحتمل مسؤولية أحد ويجب أن تكون المرأة مستقلة مادياً ومهنياً حتى لاتحتاج أو تكون رحمة أي أحد.
أمل القلاف:
تحقيق الذات
استقلالية المرأة اقتصادياً ستتيح لها إمكانية تحقيق ذاتها حتى تستطيع مواجهة الظروف القاسية التي يمكن أن تعترض طريقها، وليس لمجرد أن لا تعيش عبئاً على أحد آخر.
عبد الله الموسوي:
انعكاسات سلبية
الاستقلال المادي للمرأة حقق نوعاً من الاكتفاء الذاتي لها, إلا أن مفهوم الاستقلال المادي بحد ذاته، والذي حققته المرأة بخروجها للعمل، له انعكاسات سلبية على بيتها وعائلتها، حيث ان استقلاليتها جعلتها تظن نفسها أنها المتحكم بكل شيء في المنزل، وهذا الأمر نتج عنه تدمير بعض الأسر وتشرد الأولاد!
مها البغلي رئيسة نادي سيدات الأعمال والمهنيات:
التحرر من قيد الرجل
أحد أهداف النادي تشجيع المرأة على أن تكون مستقلة مالياً واقتصادياً ومهنياً، وأن تبدأ مشروعها الصغير. صحيح أن استقلالية المرأة ساهمت بزيادة معدلات الطلاق لأن المرأة لم تعد كما في السابق بحاجة إلى ظل الرجل، بل بات لديها راتبها وسيارتها الخاصة، وإذا لم يعاملها زوجها بعدالة ويحافظ عليها، فهي ليست مضطرة لتحمله، واستقلاليتها الاقتصادية ستساعدها على التحرر من قيد الرجل إذا كان ظالماً.
خالد العنزي:
مجتمع شرقي
على الرجل العربي أن يتعامل مع المرأة كفكر وعقل وليس كشكل وجسد خارجي فقط.. وشخصياً أؤيد استقلالية المرأة اقتصادياً بشرط ألا ينعكس ذلك سلباً على بيتها وعائلتها، وبالتالي يجب عليها أن تعي أننا في مجتمع شرقي لا تزال الكلمة الأولى والأخيرة فيه للرجل.
معالي العسعوسي:
درءا للانحراف
استقلالية المرأة شيء مهم، وقد أسست مؤسسة تعمل في ثلاث دول، وهي مؤسسة تنموية غير ربحية، أحد مشاريعها الكبرى دعم النساء للاستقلالية الاقتصادية. ومن خبرتي في الدول الفقيرة، فإن هذه الاستقلالية مطلوبة لأنه بسبب النقص في التعليم والثقافة قد تتجه النساء إلى أعمال غير مشروعة والاستقلالية هنا قد تفيدهن في ردعهن عن الوقوع في بؤر الرذيلة.
دصمروى:
حرية اتخاذ القرار
طبعاً استقلالية المرأة تتيح لها أن تكون القائدة، ومن يوجه ودائماً من يتحكم بالتمويل ورأس المال هو الذي يكون رأيه سائداً. وهذا ما ساهم في بعض الأحيان في أن تكون المرأة مقهورة وليس لها رأي أو يؤخذ به بمعنى أصح، وعندما تكون مستقلة مادياً فبإمكانها فعل ما تراه صائباً وما ترغب به.
د. نهى محمود:
تقوية الشخصية
استقلالية المرأة اقتصادياً تساهم في تقوية شخصيتها أكثر وتمكنها من مواجهة الظروف بشكل أقوى، وخصوصاً لمقاومة تسلط الرجل وعدم إتاحة الفرصة أمامه للتحكم بكل شيء، بل تجعل لها رأيا مستقلا.
عبد الرحيم ابراهيم:
خطأ فادح
من وجهة نظري، لا أؤيد استقلالية المرأة اقتصادياً لأن هذه الاستقلالية وكما رأينا دفعتها إلى القيام بالكثير من الأمور المنافية للعادات والتقاليد، ونسيت أنها لا تزال تعيش في مجتمع تحكمه مبادىء يجب أن نسير وفقها، خصوصاً أن بعض النساء عندما امتلكن المال ظنن أنفسهن أنهن قادرات على العيش من دون رجل وهذا أكبر خطأ ارتكبنه.
ساعات عمل المرأة.. والرجل
تشير الارقام إلى أن مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي في العالم تختلف من منطقة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى، حيث تعمل المرأة حوالي 44 في المائة من إجمالي ساعات العمل في إفريقيا عموماً وذلك راجع لعملها الرئيسي في الزراعة والخدمات، كما أن المرأة هناك لا تسهم سوى بنسبة 17 في المائة من إجمالي ساعات العمل في الصناعة، أما في أميركا اللاتينية، فإن مساهمة المرأة أقل بكثير، حيث لا تتجاوز النسبة 28 في المائة من إجمالي ساعات العمل وأكبر مساهمة لها في قطاع الخدمات، أما في آسيا فإن المرأة تسهم بحوالي 36 في المائة من مجموع ساعات العمل وتتساوى مساهمتها في الصناعة والخدمات والزراعة مع مساهمة الرجل.
عملهن في الزراعة
أثبتت الدراسات أن حوالي 60 في المائة من إجمالي الايدي العاملة النسائية في الريف العربي يعملن في الزراعة لحساب أسرهن العربية بدون أجر وأن هذه النسبة ترتفع في دول مثل المغرب لتصل إلى 84 في المائة وفي تونس إلى 74 في المائة أما في سوريا، فإن ما يقرب من 40 في المائة من النساء العاملات في القطاعين الريفي والحضري عاملات من دون أجر مباشر.
لمصلحة الأسرة
تشير دراسة أكاديمية أجريت بالتعاون مع جامعة الدول العربية الى أن معدل مشاركة المرأة العربية في الانشطة الاقتصادية، وخاصة في الريف تصل إلى 70 في المائة إذا أخذ في الحسبان كل الاعمال التي تقوم، بها سواء بأجر مباشر أو غير مباشر، يذهب لمصلحة الاسرة كلها.
حكم الرجل
وفقا لإحصاءات منظمة العمل الدولية، كانت المرأة تشغل 979 مليون وظيفة عام 1985 وارتفع هذا الرقم إلى ما يقدر بنحو 1932 مليون وظيفة عام 2007 وللأسف بقي نصيبها من مجموع القوى العاملة نسبياً بلا تغير خلال هذه الفترة، وهو حوالي 35 % وسيستمر تحكم الرجال في سوق العمل خلال هذا القرن.
20 في المائة
تشير الارقام في الوطن العربي إلى أن المساهمة الاقتصادية للمرأة العربية لا تزال منخفضة مقارنة ببقية مناطق العالم، حيث تبلغ مساهمة المرأة العربية في ساعات العمل في المتوسط حوالي 20 في المائة فقط.
استقلالية المرأة الاقتصادية.. بين أثرها على التنمية وانعكاسها على الأسرة
- التفاصيل