د. نجلاء أحمد السويل
تعد الأسرة هي المنظم الأساسي لسلوك الفرد، بل إن أي إنتاج إيجابي أو سلبي للسلوك يظل متعلقا بالأسرة في كل الحالات ووفق كافة الاحتمالات، وحتى لو لم يكن ذلك بطريق مباشر فقد يكون بطريق غير مباشر، ولكن كل الطرق في النهاية لأي دوافع أو غرائز أو احتياجات إنما يجسدها السلوك كعينة من المناخ الأسري الذي يعيشه الفرد، وقد يعترض البعض على هذه الفكرة من منطلق أن هناك آباء صالحين خلفوا بعدهم أبناء منحرفين أو مجرمين مثلا، إلا أن مثل هذا الاعتقاد خاطئ، حيث يعتقد كثير من الآباء أن توفير الراحة للابن وعدم توكيله المسؤوليات وعدم مطالبته بواجباته هو نوع من التدليل الذي يتوقعون هم أنه ينتج فردا صالحا وتكون المفاجأة عندما يكون العكس. وهذا يعني أن البيئة المدللة والمرفهة هي جو مناخي غير صالح وغير مضمون إطلاقا لإيجاد فرد صالح؛ لأن انعدام وجود الخطوط الحمراء أو لنقل تجاهلها من قبل بعض الأسر للواجبات التي توكل إلى الأبناء ومساعدتهم على التملص من المسؤوليات مع عدم وضع كنترول على سلوكهم كل تلك العوامل مجتمعة هي سبب أساسي في نشوء كثير من الانحرافات السلوكية التي قد تتطور فتصل إلى مستوى الجريمة.
ولو سلط الضوء على الجريمة لوجد أن من أسبابها سببين رئيسين، لعل أولهما الاستعداد الفطري الوراثي، أما السبب الثاني وهو الأقوى فهو السبب البيئي، أما عن تعريف الجريمة من منظور نفسي فهي إشباع لغريزة إنسانية بطريقه شاذة لا يقوم بها الفرد السوي، أما من منظور قانوني فهي أي سلوك يستهجنه المجتمع ويعاقب عليه القانون.
إن ملاحظة الطفل منذ صغره والعمل الجاد على تشكيل شخصيته هو موضوع غاية في التعقيد وليس كل من هو في موقع التربية نتوقع أن ينجح تربويا، فالطفل الذي يكون لديه استعداد فطري للعدوان والذي هو عمود الجريمة يجب أن يراقب ويتابع ويوجه، بل ويعرض على المختصين إن استدعى الأمر، ومن جهة أخرى لا بد أن تكون له بيئة مدرسية تحد من ميوله العدوانية التي من الممكن أن تتطور تطورا فادحا إذا وجدت البيئة الخصبة لتنمية ذلك العدوان؛ لذا فإن الأمر يحتاج إلى فطنة الوالدين وتوجيههما والعمل الدؤوب على تقليل تلك الغريزة الخطيرة وليس كما يفعل البعض في تدعيم ذلك السلوك لمن هم للأسف يعتقدون أن العدوان هو الرديف الأول للقوة. إن وجود أب وأم يعيشان في منزل واحد مع الأبناء هو أمر غير كاف، لكن الأهم هو درجة الوعي التي يتحلى بها كل منهما من أجل مكافحة كل ما يمكن مكافحته من سلبيات في الأبناء، خاصة الجانب العدواني.

JoomShaper