غزة- فاطمة الزهراء العويني
ارتبط الحديث عن تأخر سن الزواج في مجتمعاتنا العربية –بطبيعة الحال- عن "الفتاة"، حتى أصبح مصطلح "العنوسة" لاصقاً بها إذا ما تجاوزت سنّ "الثلاثين" ولم تجد سعيد الحظّ..
وتعددت الدراسات التي تبحث في أسباب عنوستهنّ إما اضطرارا أو اختيارا لاستغناء البعض منهن عن الزواج طمعاً في تحصيل درجات علمية عليا أو تحقيق ذواتهن في سوق العمل.. لكن ما غفل عنه الكثيرون أن هناك أيضا شباباً ذكوراً تأخر بهم سن الزواج لأسبابٍ مختلفة، معظمهم اشتركوا في كونها "اقتصادية" رغم تواجد أسبابٍ أخرى خفيّة.. انتشار البطالة أدى إلى عدم توفر القدرة الاقتصادية لدى الرجل لفتح بيت وإنشاء أسرة..
وملاحظاتٌ أخرى تتعلّق بما كانت عليه نساء الأمس "المنصاعات لحكم الرجل" وما تتطلبه "إناث" اليوم من قيمةٍ وسيمة كما يقول العوام.. وأسباب أخرى كثيرة تضعها "فلسطين" تحت مجهرها اليوم، لتتحدث عن "العنوسة" ولكن هذه المرّة بصورةٍ مقلوبة.. "لماذا يعزف كثيرون من رجال اليوم عن الزواج؟".. الإجابة ضمن التقرير:
هاجس "السيطرة"
الشاب "أ .ع " نشأ في أسرة كانت فيها أمه هي الآمر الناهي، حتى أن والده لا يجرؤ على رد كلمة لها، تفعل ما يحلو لها، تقرر ما تريد دون أن يكون لوالده القدرة على رد قرارها خشية غضبها واتقاء لصراخها في وجهه..
تخرج من البيت متى شاءت، وتعود متى شاءت دون أن ينبس والده ببنت شفة أو يتجرأ على سؤالها عن وجهتها، ولم يتوقف الأمر بأم هذا الشاب عند هذا الحد بل إنها تدبر المكائد لزوجات أعمامه "سلفاتها " فهن لم يسلمن من شرها يوماً، وتسببت لهن بكثير من المشاكل، فقرر هو أن يعزف عن الزواج حتى نهاية عمره، وكلما فاتحته أمه برغبتها في أن تخطب له، اختلق الأعذار لكي يتهرب منها، مفضلا أن يبقى بينه وبين نفسه –على الأقل – رجلاً، مختارا العنوسة على أن يتزوج بفتاة متسلطة كأمه.
عزفوا عن الزواج ..
أما " م .ن " "38 عاما ، الذي نشأ في أسرة مفككة حيث أبواه مطلقان منذ نعومة أظفاره، وما زال هو محجما عن الزواج حتى الآن ويرفض كل العروض من أصدقائه للارتباط ببنت الحلال، وعذره أنه لا يرى في نفسه القدرة على تربية الأبناء...
بينما "ع .ص " "61 " عاما فهو الابن الثاني لأبويه، وكان موظفاً في وظيفة براتب محترم، وبإمكانه أن يتزوج بأي فتاة يريدها، لكن القدر حمل له مفاجأة قلبت كل مخططاته، حيث أصيب شقيقه الكبير بالفشل الكلوي ومات على اثر تلك الإصابة تاركا وراءه عدداً من الأبناء دون معيل.
فاتخذ ضيفنا القرار بأن يتولى رعاية أبناء شقيقه عن بعد دون أن يقدم على الزواج بزوجة أخيه الراحل احتراما له، فكان بمثابة الأب والمعيل لأبناء شقيقه حتى كبروا، وعندها فقد –وبعد أن ضاع العمر- رأى أن الفرصة باتت مواتية لكي يرتبط ببنت الحلال.
ولكن حالة والديه الصحية ساءت، فقرر أن يضحي ثانيةً، ويقوم على رعايتهما، مقررا ألا يتزوج طالما هما بحاجته.
توفيت والدته ووالده في عام واحد بعد أن قام برعايتهما وخدمتهما عدة سنوات ، لكنه كان قد بلغ الحادية والستين من عمره ، فرأى أن القطار قد فاته ، ولم يعد بالعمر أكثر مما مضى وكأنه قد حكم عليه أن يبقى عازبا طوال العمر.
الماديات هي السبب ..
كانت تلك قصص تأخر فيها الزواج عند بعض الشباب لأسباب نفسية داخلية، لكن السبب الاقتصادي يبقى العامل الأبرز في تأخر سن الزواج لدى الشباب أو عدم حدوثه..
الشاب "س.م " بلغ من العمر 28 عاماً، ويؤكد بأنه لا مجال أمامه البتة لمجرد التفكير في الزواج ، فبعد تخرجه من الجامعة لم يترك باباً للحصول على وظيفة إلا وطرقه لكن دون فائدة.
وليس بإمكان أهله أن يزوجوه فوضعهم الاقتصادي لا يسمح بذلك ، فهم يعيشون في بيت بالإيجار وأبوه أحيل إلى التقاعد منذ سنوات، مشيرا إلى أن مجرد التفكير في الزواج بات حلما صعب المنال بالنسبة له.
شاركه المعاناة ذاتها الشاب "م . ب " "30 عاما " الذي يعاني هو وأهله من وضع معيشي صعب ، فهو الابن الأكبر لعائلته ، ولم يجد فرصة عمل دائمة حتى اللحظة ، رغم أنه لم يترك مجالا إلا وعمل فيه فعمل بناء ، وحدادا ، ومزارعا وغيرها من الأعمال التي كان فيها نصيبه التعب الشديد ومال بالكاد يفي بقوت يوم عائلته.
ويبين أنه دون المساعدات والكوبونات التي يتلقونها من بعض الجمعيات والمؤسسات ، لما استطاعوا تدبر قوت يومهم ، فكيف يمكن له أن يفكر بالزواج ؟!
ويشير إلى أن أمر عدم تمكنه من الزواج أتعب نفسية والدته كثيرا ، فكلما دعيت لحضور حفل زفاف قريب أو صديق تبكي حسرة على عدم قدرتها على تزويجه مما يزيد همه هما ، غير منكر أنه يشعر بالضيق عندما يدعى إلى حفلات زفاف أصدقائه لا غيرة بل لاعتقاده باستحالة أن يكون يوما مثلهم "متزوجا".
بدوره، بين الشاب "أ.ن " "35 عاما" المعيل لعائلته المكونة من تسعة أفراد أنه ورغم كونه موظفا، إلا أن فكرة الإقدام على الزواج تبتعد عنه شيئا فشيئا، فراتبه البسيط بالكاد يكفي احتياجات عائلته، متسائلا "أين يمكن أن أجد فتاة تقبل أن تعيش بمثل ظروفي؟ وان قبلت فكيف يمكن لي أن أوفر مستلزمات الزواج من مهر وخلافه؟ هذا بالتأكيد أمر صعب المنال".
آثار اجتماعية سلبية ...
أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الإسلامية وليد شبير بين أن أسباب تأخر الشباب في الزواج هو عدم توفر العمل، أو كون العمل ذا عائد مادي محدود، لا يمكن معه توفير المبالغ المالية الباهظة التي يتطلبها الزواج.
وأكد أن غلاء المهور، من أهم أسباب تأخر سن الزواج، بالإضافة لعدم القدرة على توفير متطلبات الزواج، من مسكن وأثاث، لعدم توفر مواد البناء، والشقق، وعدم التفكير من قبل الجهات الرسمية والجمعيات المختلفة لإنشاء شقق مناسبة للشباب في المرحلة الأولى للزواج.
واعتبر شبير أن إقبال الشباب على بلوغ درجات عالية في التعليم ، تدفعهم لتأجيل الزواج إلى حين إنهاء الدراسات العليا أحيانا ، مبينا أن هذا التأخر في الزواج ، ينعكس سلبا على الجنسين ، فإذا الشاب لم يفكر بالزواج ، فانه سيؤخر أيضا زواج فتيات كان يمكن أن يتزوج بهن.
ولفت إلى أن تكاليف الزواج الباهظة سبب آخر من أسباب تأخير الزواج، قائلا:" لا بد من وجود مؤسسات تساعد الشباب على العمل والزواج، وتوعية مجتمعنا في التخفيف عن الناس بخصوص الأمور المالية".
الحل.. التعبئة الإيمانية ..
بدوره، بين الاختصاصي النفسي فوزي أبو عودة أن الحالة النفسية للذي يتأخر في سن الزواج من الذكور تتمثل في تكون بعض المشاعر السلبية لديه أكثر من الايجابية، ويشعر بأنه ليس مقبولا في المجتمع، وأنه بحاجة إلى أن يملأ النصف الآخر منه.
ولفت إلى أن من يكون لديه تعبئة إيمانية يوقن بأن هذا قدر من الله ، وخير له، فيصبر إلى أن يأذن الله له بالزواج، مؤكدا أن التخفيف من الحالة النفسية يكون بالصوم، واليقين من أنه لا يحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا بأمر الله، وأنه إذا جاء وقت الزواج فالله سيوفقه فيه.
وأشار أبو عودة إلى ضرورة أن يستبدل الإنسان الأفكار السلبية بإقناع نفسه بأن الله ما أخر زواجه إلا ليمنحه فرصة أفضل، فهناك كثيرون ممن تزوجوا وهم صغار السن حياتهم بائسة، فليدرك أن تأخير زواجه فيه من الخير له ما لا يعلمه إلا الله.
المصدر: صحيفة فلسطين
رجالٌ فاتهم "قطار الزواج" نحوَ "شيخوخةٍ" قسريّة!
- التفاصيل